بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الشيخ محمد ناصرالدين الألباني رحمه الله تعالي عند تعليقه على هذا الحديث:

" إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام فامقلوه , فإنه يقدم السم و يؤخر الشفاء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :
رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب , عن سعيد بن خالد قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة , فأسقط ذباب في الطعام , فجعل أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه , فقلت : يا خال ! ما تصنع ? فقال:إن # أبا سعيد الخدري # حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .
و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :
حدثنا ابن أبي ذئب به , و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) , و أبو يعلى في" مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي
و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .
3 - و أما حديث أنس :
فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .
رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ,
و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .
قال الحافظ : و إسناده صحيح , كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
أما بعد , فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة , عن هؤلاء الصحابة الثلاثة أبي هريرة و أبي سعيد و أنس , ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه , كما ثبت صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين , و من تبعه من الزائغين , حيث طعنوا فيه رضي الله عنه لروايته إياه , و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم , و حاشاه من ذلك , فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه , لأنهم رموا صحابيا بالبهت , و ردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !
و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت , و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبي هريرة بالحديث , و هو حجة و لو تفرد , أم جهلوا ذلك , فإن كان الأول فلماذا يتعللون برواية أبي هريرة إياه , و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب الكرام ? ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ?
و ما أحسن ما قيل :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم , فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم , و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك , بل هو يؤيدهم إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء , و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "فهذا مما لم يحيطوا بعلمه , فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين , و إلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .
نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة , و قد اختلفت
آراء الأطباء حوله , و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه تأييدا أو ردا , و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى ) , لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب , لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ,و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :
" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , و يأكل بعضا , فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " , و هي تقتل كثيرا من جراثيم الأمراض , و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب,هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته , و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه , فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه , و غمس الذباب كله و طرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , و كاف في إبطال عملها " .
و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .
ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :
" أنت تسأل , و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير , جوابا له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ? فقال :
" أما حديث الذباب , و ما في جناحيه من داء و شفاء , فحديث ضعيف , بل هو عقلا حديث مفترى , فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...
و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء , إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه , و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " .
و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم , و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف القول ! فأقول :
أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف , يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .
و هذا الزعم واضح البطلان , تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .
و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه , لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به , ألست تراه يقول :
" و لم يقل أحد ... , و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .
فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما , أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما في الكون و أسراره , ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !
فمغالطة مكشوفة , لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا , و إنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها , فإذا قال الحديث :
" إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم , لا من العرب و لا من العجم , اللهم إلا العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ?
ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم , من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما في الحديث على وجه التفصيل , فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب , و لا يبعد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا , ( و لتعلمن نبأه , بعد حين ) .
و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه , أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث , ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات : إحداهن بالتراب " فقال :
" حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين على صحته , فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم , فكيف جاز له تضعيف هذا و تصحيح ذاك ?‎!‎ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح عنده في معناه , لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة , و أن المقصود من التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !
و هذا تأويل باطل , بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه .
فلا أدري أي خطأيه أعظم , أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح , أم تأويله للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .
و بهذه المناسبة , فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة , أو الكتب الذائعة , من البحوث الإسلامية , و خصوصا ما كان منها في علم الحديث , إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا , ثم بعلمه و اختصاصه فيه ثانيا , فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر , و خصوصا من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم , و ما لا علم لهم به , و إني لأعرف واحدا من هؤلاء , أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في الحديث و السيرة , و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره , بل أورد فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر , و الله يتولى السرائر " , و جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ , كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره , فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء.و الله المستعان.إ.هـ كلامه رحمه الله تعالي.
(المرجع:سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول الحديث 39).

ولا تنسونا من الدعآء بارك الله فيكم.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


__________________
منقول