التعذيب بالنار صناعة إبليس
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء في شريعتنا تحريم التعذيب بالنار، سوء كان مسلما أو كافرا، وعده بعض أهل العلم من كبائر الذنب، والعلة أنه من خصائص الله عز وجل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، فقال: ((إن وجدتم فلانا وفلانا)) لرجلين من قريش سماهما ((فأحرقوهما بالنار)).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: ((إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما)).
أخرجه البخاري.
وعن محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال: فخرجت فيها.
وقال: ((إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار)).
فوليت فناداني فرجعت إليه.
فقال: ((إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار)).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) وأحمد في ((المسند)) وعبد الزاق في ((المصنف)) وأبو يعلى في ((السنن)) والطبراني في ((الكبير)) والبيهقي في ((الكبرى)) وصححه الألباني.
بل حتى الحيوان يحرم تعذيبه بالنار.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته ، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من فجع هذه بولدها ؟، ردوا ولدها إليها)).
ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه ؟)).
قلنا: نحن.
قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) وصححه الألباني.
والتعذيب بالنار صناعة إبليس.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: ((أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله)) ثلاثا وبسط يده كأنه يتنأول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال: ((إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة)).
أخرجه مسلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله في ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)): ((اعلم أن إبليس لما غاظه علو الإسلام ونكا فيه اشتهاره وارتفاع قدر نبينا صلى الله عليه وسلم جاء مستقبلا ليؤذيه)) اهـ.
وقال مقاتل وسعيد كما في ((مختصر تاريخ دمشق)): أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار، قال: أنا أدلكم، فاتخذوا لهم المنجنيق وجيء بإبراهيم فخلعوا ثيابه، وشدوا قماطه، فوضع في المنجنيق.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 15 جمادى الأولى سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 24 فبراير سنة 2019 ف