بيان أن النفوس مجبولة على حب التغير والتحول ويلزم إلجامها وتقييدها بالشرع
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن سنن الله الكونية أن النفوس في الغالب يحصل لها الملل والسئامة، ومحبب أليها التغير.
وأبواب التغير مختلفة ومتنوعة، منها المشروع ومنها ما هو ممنوع.
ففي باب الاعتقاد أغلق فيه باب التغير على من دان بدين الإسلام ووحد الله عز وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)).
أخرجه البخاري.


وكذلك في جانب ولي الأمر المسلم، فقد تظافرت النصوص على السمع والطاعة له في المعروف وإن جار وظلم وكان فاسقا، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)).
أخرجه مسلم.
كما جاء التشديد بالحكم بالقتل على من نصب نفسه حاكما مع من دانت له البلاد بالسمع والطاعة واستتب له الأمر؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)).
أخرجه مسلم.


أما في جانب العبادات فمنها ما يحرم فيه التغير؛ كعدد ركعات الصلوات المفروضة وصيام شهر رمضان وأنصبة الزكاة وأشهر الحج وغير ذلك، ومن العبادات ما جاء فيه التنوع، ويفعل هذا أحيانا وذلك أحيانا، ومرة هذا ومرة ذاك.
والحكمة في التغير فيما يشرع فيه التغير كما يذكر أهل العلم:
أولا: إصابة السنة، لأن الكل من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثانيا: أن لا يعتاد العمل ويصبح روتنيا ويذهب التدبر والاعتبار.
ثالثا: بيان حسن الشريعة وأنها جاءت بالتيسير على الأمة.


كذلك في أمور المباحات من متعلقات الحياة اليومية والتغير فيها، فمحبب تغير الملابس وأثاث البيت والسيارة وغير ذلك وكل هذا مضبوط بقول الله عز وجل: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31].
وقول الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29].


وكذلك في باب النساء أباح الله عز وجل النكاح وحرم السفاح، وفتح الباب للرجال لنكاح أربع، فقال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
كما فتح لهم باب التسري، وحرم الزنا ومقدماته وما يوصل إليه، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الاسراء: 32].


فبهذا يتبين أننا مقيدون بما شرعه الله وأباحه وما كان لنا فيه فسحة، فالتغير فيه مشروع أو سائغ.
أما ما ضبط فيه الإلزام والتقيد فيجب فيه التقيد ويحرم فيه التغير، فما من خير إلا وجاء في الشرع ما يحث عليه وما من شر إلا وحذر منه.
فالتغير مقيد بما جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الخميس 7 رجب سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 14 مارس سنة 2019 ف