منة الرحمن في التنكيل بمن انتحل شخصية الانسان مجاوزة وتشبه بحال الشيطان


الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على من أرسل للإنس والجن أجمعين، وعلى أهله وصحبه المجاهدين، ومن تبعهم واقتفي أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فانتحال الشخصية قد كثر في هذا الزمن للنصب والاحتيال ولغير ذلك من الأغراض الدنيئة، وخاص عبر وسائل التواصل، وهؤلاء المحتالين معلهم الأول إبليس.


أخرج ابن جرير في ((تفسيره)) عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي، فجاء على فرس، فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس!
فقالوا: ومن أنت؟
قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم!


وأخرج ابن جرير في ((تفسيره)) عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر - يعني من الحرب - فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه! فخرجوا سراعا.


وأخرج ابن جرير في ((تفسيره)) عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر!
فقال لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس.


قال العلامة ابن كثير رحمه الله في ((الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)): ((وكان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج، فأجارهم، وزين لهم الذهاب إلى ما هم فيه، وذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم، فذلك قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} [الأنفال: 48]، و ذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت للقتال، ورأى ما لا قبل له به، ففر وقاتلت الملائكة كما أمرها الله، وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه، فإذا به قد سقط أمامه. ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين)) اهـ.


وكذلك في قصة تأمر زعماء قريش في دار الندوة، ليتشاوروا في قتل النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة، أتاهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد.
وهذه القصة أخرجها عن ابن عباس رضي الله عنهم ابن جرير في ((تفسيره)) وابن أبى حاتم في ((تفسيره)) والشبلي في ((آكام المرجان في احكام الجان)) وذكرها ابن كثير في ((تفسيره)) وعزاها لمحمد بن إسحاق بن يَسَار صاحب ((المغازي)).
فمن وقع في الانتحال تشبه بالشيطان.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 17 رجب سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 24 مارس سنة 2019 ف