الإنارة في بيان خطأ إذاعة صلاة التراويح عبر مكبر الصوت من المنارة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرونَ بالقراءة، فكَشَفَ السترَ فقال: ((ألا إنَ كُلَّكم مُناجِ ربَّه، فلا يُؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً، ولا يَرْفَعْ بعضُكم على بعضٍ في القراءة)) أو قال: ((في الصلاة)).
أخرجه أبو داود واللفظ له، وأحمد والنسائي ((السنن الكبرى)) وابن خزيمة وعبد بن حميد صححه الألباني.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العشاء وبعدها، يغلط أصحابه وهم يصلون).
أخرجه أحمد ومسدد كما في ((المطالب العالية)) للحافظ ابن حجر العسقلاني وأبو نعيم الأصبهاني في ((أخبار أصبهان)) وقال محقق المسند: حسن لغيره.
وفي إذاعة الصلاة بعامة وصلاة التراويح خاصة عبر مكبر الصوت من المنارة ليتعدى الصوت البيوت ويصل إلى المساجد المجاورة ما فيها من مفاسد من إيقاع الخطأ في صلاة المأمومين فربما كبر الإمام في مسجد وتابعه المصلي في مسجد آخر، وكذلك ما يحصل من تشويش بالقراءة على من يصلي في البيوت ممن له عذر كالنساء المرضي وغيرهم بل قد يصل التشويش بالقراءة للمسجد المجاور فينازع الإمام في قراءته.


قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الهدى والنور/361/ 36: 11)): ((كنت في الطائف لما أُذِّن لأذان المغرب، ومعي ناس من إخواننا المصاحبين لنا من بعض البلاد وهم مسافرون معي، فتَرَخَّصت ولم أنزل إلى المسجد، وصليت في الدار إماماً، وإذا بي أفاجأ بشيء لم يسبق لي مثل هذه المفاجأة، أنا أقرأ والإمام يقرأ أيضاً، الإمام يقرأ وصوته كالأذان مذاع، فهو يُشوِّش علي، إن كان لا يشوش علي فيشوش على غيري من النساء والحريم الِّلي قال عنهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((بيوتهن خير لهن)).
إذاً: ساعتها انتبهت لهذا الموضوع وقلت: هذا ينبغي أن أتنبه أنه لا يجوز إذاعة الصلاة كما نذيع ماذا؟ الأذان، وبدأت أيضاً ألاحظ وكلما فكرت ازددت إيماناً بصواب هذا التنبه والتنبيه، فقد ذهبنا إلى بعض البلاد في المنطقة الشرقية وإلى .. الإحساء، فأقاموا لنا مخيماً كبيراً، وألقينا بعض الكلمات من العصر إلى أذان المغرب.
المخيم فيه ناس أكثر من أي مسجد في ذلك الوقت، وصلينا هناك إماماً، قبل الصلاة سمعنا أذاناً من هنا، وأذاناً من هنا، مساجد هناك -والحمد لله- كثيرة يعني، ثم يذاع الأذان بمكبر الصوت، وسرعان ما أذيعت الصلاة بمكبر الصوت، فتسمع من هاهنا قراءة إمام، وتسمع من هاهنا قراءة إمام؛ يصير فيه أيش؟ تشويش على بعضنا البعض، ثم نحن أيضاً لما صلينا أصابنا ما أصاب غيرنا من التشويش.
فإذاً: ينبغي أن نلاحظ القواعد الشرعية، وأن نُحسن تطبيقها مع مراعاة دقة الأحكام الشرعية في الإسلام؛ فالتفريق المعروف بين الأذان والإقامة لا يجيز لنا التسوية في الإذاعة، وهذا ما هو اليوم -مع الأسف- واقع وليس يُلاحظ به هذا المعنى الفقهي الدقيق)) اهـ.


وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((لكن الشيء الذي يخشى منه الإثم ما يفعله بعض الناس فينقل الصلاة نفسها عبر مكبر الصوت من المنارة فإن هذا يشوش على من حوله لاسيما في صلاة الليل الجهرية يشوش على أصل البيوت ويشوش على المساجد القريبة حتى إننا سمعنا بعض الناس إذا سمع مكبر الصوت من مسجد قريب وكان الإمام حسن الصوت والقراءة صار المأموم الذي في هذا المسجد يتابع بقلبه الإمام في المسجد الثاني حتى سمعنا أن بعضهم أمن على قراءة إمام المسجد الثاني لما قال إمام المسجد الثاني {ولا الضالين} قال هؤلاء: آمين وهذا ليس ببعيد لأن القلب إذا انشغل بشيء أعرض عن غيره فإذا كانوا يتابعون قراءة المسجد المجاور وكانت قراءة الإمام جيدة في الصوت والأداء فإن القلب قد يلهى عن الإمام الذي بين يديه وقد ثبت في موطأ الإمام مالك رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة وأصحابه في المسجد يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بم يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن))، وعند أبي داود ((ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة))، فجعل هذا أذية ونهى عنه والواقع شاهد بذلك ولهذا نرى أن الذين يفعلون هذا يؤدون الصلاة عبر مكبر الصوت نرى أنهم إذا كانوا يؤذون من حولهم فإنهم آثمون فإذا كان هذا العمل يكون فيه الإنسان إما آثما وإما سالما فلا شك أن تركه أولى وهو في الحقيقة لا فائدة منه لأن الإنسان لا يصلي إلى من هم خارج المسجد إنما يصلى لأهل المسجد أما الذين في الخارج فلا عليك منهم ثم إن هذا العمل فيه مفسدة أخرى وهي أن بعض الناس يتكاسل عن آتيان المسجد للصلاة ما دام أنه يسمع صوت قراءة الإمام فيتكاسل وكلما أراد أن يقوم ثبطه الشيطان وقال له انتظر الركعة الثانية: انتظر الثالثة، اجلس حتى لا يبقى إلا ركعة فيحرم بذلك من الخير لهذا نوصى إخواننا لاسيما الأئمة ألا يفعلوا هذا وأن تسلم ذممهم ويسلم إخوانهم من أذيتهم حتى في البيوت أيضا ربما بعض الناس يكون قد صلى ويجب أن ينام ويرتاح قد يكون مريضا فيزعجه هذا الصوت وقد يكون المسجد قريبا من السطوح في أيام القيظ وفيه الصبيان فيفزعهم صوت المكبر فالحاصل أن هذه المسالة ابتلى بها بعض الناس نسأل الله أن يعافينا وصاروا يؤذون من بجوارهم من المساجد أو البيوت في أمر لا فائدة منه)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((تعليقات على الكافي لابن قدامة)): ((ومن هذا ما حدث أخيراً من رفع الصلاة على مكبر الصوت في المنارة فإن بعض المساجد إذا سمعوا تكبير من حولهم ظنوه إمامهم فركعوا أو سجدوا بل إن بعض المأمومين إذا كان قراءة جارهم في المسجد قراءة جيدة مجودة بصوت حسن يمشون مع هذا الإمام ويتركون إمامهم ما يدرون ما الذي قرأ يمشون مع هذا الإمام فإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} قالوا: آمين وإن كان إمامهم في سورة أخرى وهذا من مفاسد رفع الصلاة بمكبر الصوت من فوق المنارة)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((جلسات رمضانية)): ((وفي حديث آخر: ((لا يؤذينَّ بعضُكم بعضاً)) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا إيذاءً، وصدق رسول الله، إذا سَمعتَ إنساناً يَجهر بالقراءة حولك، وأنت تصلي لا شك أنه يؤذيك، ويشوش عليك، وربما تكرر الآية مرتين أو ثلاثاً مع الانشغال.
ومن هنا نأخذ خطأ أولئك الذين يصلون في المنارة، الآن بعض الناس في المنارة يفتحون مكبر الصوت على المنارة وهو يصلي الفريضة أو النافلة، هذا لا شك أنهم مخطئون، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة؛ لأنهم يؤذون من حولهم من أهل البيوت، يمكن بعض الناس يريد يصلي، ومن النساء من تصلي في بيتها، وهذا مكبر الصوت يشوش عليها، ما يتركها تصلي، ربما يوجد أناس في البيوت يحتاجون إلى نوم وراحة، لمرض أو غير مرض، فيشوش عليهم هذا الصوت، ويزعجهم ويقلقهم، وأيضاً في المساجد المتقاربة يحصل التشويش، ولقد حُدِّثْت أن بعض الناس في المساجد القريبة تكون قراءة إمام المسجد الذي هو جار لمسجدهم قراءة جيدة، وإلقاء طيب، وصوت جميل، فينسجمون معه، ويتركون إمامهم، فإذا قال المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال هؤلاء: آمين، أحياناً ربما يرفعون معه، هذا من أعظم الجناية على الناس.
ولهذا أنا أرجو منكم إذا سمعتم مسجدنا على هذا أن تنصحوه لله، وتقولوا: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكم بيننا وبينك فهذا كلامٌ لأصحابه، قال: ((لا يؤذين بعضُكم بعضًا في القراءة)) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم عليه الصلاة والسلام: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] نحن لا نعارضك بعقولنا، حتى تقول: أنا عندي عقل مثلك، نعارضك بنص واضح، وأنت تؤذي، لا أحد يشك في أذيتك)) اهـ.


بهذا يتبين خطأ ما يقع فيه أئمة المساجد من فتح المكبرات على المنارات.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 19 رمضان سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 24 مايو سنة 2019 ف