باب فضل الدُّعاء بظهر الغيب
قَالَ الله تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ [الحشر:10]، وقال تَعَالَى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وقال تَعَالَى: إخْبَارًا عَن إبْرَاهِيمَ ï·؛: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41].
1/1494- وَعَن أَبي الدَّردَاءِ ïپ´ أَنَّهُ سمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ï·؛ يَقُولُ: مَا مِن عبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعُو لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلكُ ولَكَ بمِثْلٍ رواه مسلم.
2/1495- وعَنْهُ أَنَّ رسُول اللَّه ï·؛ كانَ يقُولُ: دَعْوةُ المرءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابةٌ، عِنْد رأْسِهِ ملَكٌ مُوكَّلٌ كلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بخيرٍ قَال المَلَكُ المُوكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بمِثْلٍ رواه مسلم.
الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
ففي هذه الآيات والحديثين دلالة على شرعية الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب، وأن المؤمن يدعو لأخيه في غيبته سواء حيا أو ميتا لأن المؤمن أخو المؤمن يحب له الخير ويكره له الشر، فيستحب للمؤمن أن يدعو لإخوانه المؤمنين بالمغفرة والرحمة والصلاح والاستقامة والتوفيق والهداية، فالمؤمن أخو المؤمن، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد الصحابة يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فدعوا لأنفسهم ولمن سبقهم من إخوانهم، والله يقول جل علا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، ونوح عليه الصلاة والسلام يقول: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28] فهذا من نصح الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون الله لمن آمن من أمتهم ويسألون الله الهداية لمن يؤمن، والنبي ï·؛ قيل له: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] فالمؤمن يستغفر لإخوانه لوالديه لأقاربه لجيرانه لأحبابه، يدعو لهم بالمغفرة ربما صادف دعوة مستجابة.
وفي الحديث الصحيح يقول ï·؛: ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل: آمين ولك بمثله فدعوة المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب مستجابة، فأنت يا أخي على خير إذا دعوت لأخيك تنفعه وتنفع نفسك، الملك يؤمن ويدعو لك يقول لك: ولك بمثله، فإذا قلت اللهم اغفر لفلان، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم يسر أموره، اللهم ارزقه الذرية الصالحة، الزوجة الصالحة، العلم النافع، تدعو لأخيك بما تراه مناسبا، والملك الموكل يقول: آمين ولك بمثله، وهذا في الحقيقة إنما يقع من أصحاب القلوب السليمة الراغبة في الخير المحبة للخير فإنها تعتني بهذه المسائل لما في قلوبها من الرقة والمحبة والرغبة فيما عند الله والنصح لعباد الله، فيدعو لنفسه ويدعو لإخوانه المسلمين وفق الله الجميع.
الشيخ ابن باز