بسم الله الرحمن الرحيم
التزكية رزق فأجمل الطلب


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالتزكية بقسميها – الشرعية والعرفية - رزق من الله الكريم الرزاق، كما أن العلم رزق والإيمان رزق.
والرزق على قسمين: طيب وخبيث.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)): ((ولهذا قال السفاريني:
والرزق ما ينفع من حلال *** أو ضده فحل عن المحال
لأنه رازق كل الخلق *** وليس مخلوق بغير رزق
لأنك لو قلت: إن الرزق هو العطاء الحلال. لكان كل الذين يأكلون الحرام، لم يرزقوا، مع أن الله أعطاهم ما تصلح به أبدانهم، لكن الرزق نوعان: طيب وخبيث، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، ولم يقل: والرزق، أما الخبائث من الرزق، فهي حرام.
أما الرزق الخاص، فهو ما يقوم به الدين من العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال المعين على طاعة الله، ولهذا جاءت الآية الكريمة: {الرَّزَّاقُ} ولم يقل: الرازق، لكثرة رزقه وكثرة من يرزقه، فالذي يرزقه الله عز وجل لا يحصى باعتبار أجناسه، فضلاً عن أنواعه، فضلاً عن آحاده، لأن الله تعالى يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: 6]، ويعطي الله الرزق بحسب الحال
)) اهـ.


فالتزكية المستجلبة بالطريقة الشرعية تكون طيبة والتزكية المكتسبة بالتحايل والكذب واللف والدوران تكون خبيثة.
والتزكية الطيبة لها الأثر الحسن الطيب، والزكية الخبيثة أثرها خبيث سيئ.
فمن أظهر آثار التزكية الشرعية على نفسه تخشعا وتذللا وتواضعا مصطنعا ليصل بذلك للحظوة أو ليصل إلى أموال الناس أو غير ذلك من الأغراض الدنيئة، فهذه تزكية خبيثة لأنها من كسب خبيث، فهو صاحب وجهين ويأكل من شدقين، ففيه شبه من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر لأسباب لا تخفي على الكثير.
وكذلك من لف ودار وتحايل ليتحصل على التزكية العرفية - تزكية أهل العلم – مكتوبة أو صوتية لتكون له سوطا يضرب به ظهور إخوانه ويرهبهم باستخراج كلاما للمشايخ في حقهم أو ينتزع فتاوى مضلله تخدمه وزمرته، أو لتكون له مكانة اجتماعية أو غير ذلك من الأسباب الحقيرة الوضيعة.
فهذه الطرق الملتوية حبلها قصير وعما قليل ينكشف ويزول البهرج لأن الكسب خبيث وطريقة تحصيلها بالغش.
فالذي يركب موجة اصدار البيانات أو كتابة رد لطعن في أهل العلم الأثبات ليصل إلى تلك التزكيات الرخيصة وليصل إلى مآربه الوضعية عما قليل ينكسف.
فهؤلاء يلهثون وراء سراب والفضيحة هي الثوب الذي سيدخلون فيه.
فما عند الله لا ينال بالمعصية فأجملوا الطلب.
فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسبطئوا الرزق فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال وترك الحرام)).
أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) وغيرهما وصححه الألباني.


فانظر لبعض من تزكيته سارت بها الركبان وتنقلت عبر برامج الشبكة العنكبوتية - الانترنت - حتى بلغت الافاق، فنكص على عقبيه ومال إلى أهل البدع والأهواء وركن إلى الذين ظلموا فاحترق كما احترقت تزكيته فليس لها قيمة عند اصحاب المنهج الرشيد والقول السديد.
بخلاف من هو متواري عن الأنظار حمل هم اصلاح نفسه ومن حوله، فلما مات رفع الله ذكره واعلى منزلته حتى بلغت الافاق.
فسبحان الله الذي خزائنه بيده النافع الضار الخافض الرافع.
فكم من عالم نال التزكية ولم يسع ورائها ولم يمش خلفها، ولم يستشرف لها ولم يطلبها من أحد، فرفع الله عز وجل قدره لما علم صدقه.
ولا بأس على من طلب التزكية العرفية لأغراض شرعية فما زلنا نسمع ونري من طلبها ونالها من أهلها ولا غضاضة في ذلك، فأهل العلم ما زالوا يزكون بناء على طلب من زكاهم وبناء على ما ظهر لهم، وهذا معروف ومشهور.
فالمعول هو التزكية الشرعية الحقيقية التي جاء الرسول عليه الصلاة والسلام لبيانها.
قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].
وقال الله جل جلاله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: 2].
وهذا التزكية تحتاج في تحقيقها لشرطي قبول العمل الإخلاص والمتابعة.
فإذا اختل شرط منهما سقطة تزكيته وعما قريب يفتضح أمره.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأثنين 18 ذي الحجة سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 19 أغسطس سنة 2019 ف