بسم الله الرحمن الرحيم
الاستخفاف صناعة الشياطين



الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمما يدمع العين ويدمي القلب ما نراه ونسمعه ممن رق دينه وممن انطمست بصيرته وبل وممن مات قلبه، من بني جلدتنا، وكُتب في هويته الشخصية أنه مسلم، ما نشهده من هؤلاء من الاستخفاف، استخفوا بمن أصلح نفسه وتمسك بسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأعفى لحيته ورفع إزاره وعمل بشرع الله تعالى، واستخفوا كذلك بمن اطاعت أمر ربها ولبست حجابها وابتعدت عن مواطن الريبة ومخالطة الرجال الأجانب، وحال تلك الشرذمة حال إبليس وجنده، فلهم النصيب الأكبر من الاستخفاف.
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقيل له: ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة.
قال: ((ذلك رجل بال الشيطان في أذنه، أو قال: في أذنيه)).
متفق عليه.
قال العلامة أبو الحسن عبيد الله المباركفوري رحمه الله في ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)): ((ومنها: أنه كناية عن استهانة الشيطان والاستخفاف والازدراء به، يعني أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء غاية الاستخفاف أن يبول عليه)) اهـ.


بل وصل الحال أكثر وأشنع من هذا، وصلت الحال ببعض المنتكسة قلوبهم، الاستخفاف الصريح – بلا تلميح – ببعض الشعائر التعبدية، مما أوقعهم في الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)): ((الردة قد تتجرد عن السب فلا تتضمنه ولا تستلزمه كما تتجرد عن قتل المسلمين وأخذ أموالهم إذ السب والشتم إفراط في العداوة وإبلاغ في المحادة مصدره شدة سفه الكافر وحرصه على فساد الدين وإضرار أهله ولربما صدر عمن يعتقد النبوة والرسالة لكن لم يأت بموجب هذا الاعتقاد من التوقير والانقياد فصار بمنزلة إبليس حيث اعتقد ربوبية الله سبحانه بقوله (رب) وقد أيقن أن الله أمره بالسجود ثم لم يأت بموجب هذا الاعتقاد من الاستسلام والانقياد بل استكبر وعاند معاندة معارض طاعن في حكمة الأمر.
ولا فرق بين من يعتقد أن الله ربه وأن الله أمره بهذا الأمر ثم يقول: إنه لا يطيعه لأن أمره ليس بصواب ولا سداد وبين من يعتقد أن محمدا رسول الله وأنه صادق واجب الإتباع في خبره وأمره ثم يسبه أو يعيب أمره أو شيئا من أحواله أو تنقصه انتقاصا لا يجوز أن يستحقه الرسول وذلك أن الإيمان قول وعمل فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام والذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح)) اهـ.
وهؤلاء المجرمون تلامذة لأستاذهم الأكبر إبليس اللعين، عندما استخف بأمر الله عز وجل، ففسق وكفر.
وقد استخف بأمر الله عز وجل في قول إبليس اللعين: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].


وقد جاء التحذير عن مخالفة أوامر الله، فكيف بمن زاد عليه الاستخفاف بتلك الأوامر الشرعية.
قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِيْنَ يُخَالِفُوْنَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيْبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيْبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ} [النور: 63]:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) في معنى هذه الآية: ((فإذا كان المخالف عن أمره قد حذر من الكفر والشرك أو من العذاب الأليم دل على أنه قد يكون مفضيا إلى الكفر أو إلى العذاب الأليم ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب هو مجرد فعل المعصية فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما قد يقترن به من استخفاف بحق الآمر كما فعل إبليس فكيف لما هو أغلظ من ذلك كالسب والانتقاص ونحوه؟)) اهـ.
فمن عظم استخفافه، كبر جرمه، حتى ينسلخ عن دين الله جل جلاله، ومن وقع في هذا النفق المظلم وهذا المنزلق الخطير شبه إبليس.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
تونس العاصمة: يوم الأربعاء 18 المحرم سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 17 سبتمبر سنة 2019 ف