بسم الله الرحمن الرحيم
تشبيه المجرمين بالشياطين جاء في سنة سيد المرسلين


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد ورد في صحيح السنة النهي عن التشبه بالشيطان.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الفروسية)): ((جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب وكل ناقص)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((الشيطان كذلك لا يتشبه به في أعماله لكن الشيطان من عالم الغيب لا نعلم من أعماله إلا ما حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
فلا لوم على من شبه بعض المجرمين بالشيطان.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا ثم يرخي سترا ثم يقضي حاجته ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها)).
فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون.
قال: ((فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها)).
أخرجه البزار في ((المسند)) وقال المنذري: وله شواهد تقويه، وقال الألباني رحمه الله في ((صحيح الترغيب والترهيب)): حسن لغيره.
ففي هذا الحديث مثل النبي عليه الصلاة والسلام من يحكي ما يقع مع أهله في غرفة النوم مثل شيطان وقع على شيطانة في الطريق والناس ينظرون، وهذا تشبيه بليغ منه عليه الصلاة والسلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال: ((شيطان يتبع شيطانة)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو داود في ((السنن)) وابن ماجه في ((السنن)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن حبان في ((صحيحه)) ومُسَدَّدٌ كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) و((الصغرى)) و((الشعب)) و((معرفة السنن والآثار)) وقال الإمام الألباني في ((الصحيحة)): حسن صحيح.
وهذا حديث آخر وتشبيه آخر من النبي عليه الصلاة والسلام.

وكذلك من تتبع كلام أهل العلم في هذا الباب، تيقن أنهم على هدي النبي عليه الصلاة والسلام سائرون وبسنته مقتدون.
وهذه بعض النقولات عن أهل العلم في ذمهم بعض صورة التشبه بالشياطين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط المستقيم)): ((واعلم أن بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم فرقا يجب اعتباره وإجمالا يحتاج إلى تفسير.
وذلك أن نفس الكفر والتشيطن مذموم في حكم الله ورسوله وعباده المؤمنين ونفس الأعرابية والأعجمية ليست مذمومة في نفسها عند الله تعالى وعند رسوله وعند عباده المؤمنين)) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الفروسية)): ((ونهى عن التشبه بالشياطين في الأكل والشرب بالشمال وفي سائر خصال الشيطان)) اهـ.
وقال الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)): ((وقد اختلف في الحكمة في النهي عن التشبيك في المسجد كما في حديث أبي سعيد وفي غيره كما في حديث كعب بن عجرة فقيل لما فيه من العبث. وقيل لما فيه من التشبه بالشيطان. وقيل لدلالة الشيطان على ذلك وجعل بعضهم ذلك دالا على تشبيك الأحوال)) اهـ.
وقال العلامة حمود بن عبد الله بن حمود التويجري رحمه الله في ((الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين)): ((من التشبه بأعداء الله تعالى مشابهة الشيطان في الأكل والشرب بالشمال. وقد وقع في هذه المشابهة الذميمة كثير من جهال المسلمين.
وقد ذكر ابن عبد البر وابن حزم أن الأكل بالشمال محرم لظاهر الأخبار)) اهـ.
وقال العلامة الفوزان حفظه الله في ((الملخص الفقهي)): ((ويحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع، وإذا شرع المؤذن في الأذان والإنسان جالس؛ فلا ينبغي له أن يقوم، بل يصبر حتى يفرغ؛ لئلا يتشبه بالشيطان)) اهـ.
فلا يحرج على من شبه من وقع في الإجرام بالشيطان فيما له أصل من كتاب والسنة.


هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
يفرن ليبيا: ليلة الأحد 30 المحرم سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 29 سبتمبر سنة 2019 ف