بسم الله الرحمن الرحيم
القفز على الفرجة التي بالصف


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء النصوص الشرعية للحث والترغيب في المسارعة للخير والمسابقة لفعل الطاعة.
قال الله تعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [آل عمران: 148].
وقال الله جل جلاله: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133].
وقال الله عز وجل: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
} [الحديد: 21].
عن مصعب بن سعد عن أبيه -قال الأعمش: ولا أعلمه إلا- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-، قال: ((التؤدة في كل شيء، إلا في عمل الآخرة)).
أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي في الكبرى و الشعب وصححه الألباني.


وقد جاء في السنة الحث على تسوية الصف، ومنه سد الخلل.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((والدليل على أنه يدخلها هو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتراص، فإن أمره بالتراص يستلزم سد الفرج)) اهـ.


وكذلك نصت الشريعة على الأمر بسد الفرج في الصف، ورغبت في وصل الصفوف ورتبت عليه الأجور.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خياركم ألينكم مناكبا في الصلاة، وما تخطى عبد خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها)).
أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) وأودعه الألباني الصحيحة تحت (رقم 2533).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا، وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفا قطعه الله تبارك وتعالى)).
أخرجه أحمد وأبو داود وصحح إسناده الألباني.
قال العلامة محمد بن علي بن آدم الإثيوبي الوَلَّوِي حفظه الله في ((ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)): ((قال: (من وصل صفًا) لأن كانت فيه فرجة تسعه، فسدها، أو نقصان فأتمه (وصله الله) برحمته (ومن قطع صفًا) بأن لم يسد فرجة فيه تسعه، أو منع غيره من الدخول فيه بدون ضرر يلحقه بذلك، أو جلس في وسط الصف بلا صلاة (قطعه الله عز وجل) من رحمته، وعظيم فضله. وفيه دليل على وجوب سد الفُرَج في الصفوف، وترغيب في وصلها، لما فيه الخير العظيم، وتحذير من قطعها، لما فيه من الوعيد الشديد، ولذا عده ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي رحمه الله من الكبائر في كتابه الزواجر)) اهـ.
فلا حرج على من سارع لسد الفرجة وبادر لوصل الصف ولو لم تكن أمامه بل ولو كان هناك من يصلي متأخر عن الفرجة راغبا الدخول فيها.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((وإذا وجد فرجة قد تهيأ لها شخص ليدخلها، فظاهر كلام المؤلف أنه يدخلها، ويكون التفريط من المتخلف عنها، وهذا يقع كثيرا فتأتي مثلا فتجد في الصف الأول فرجة؛ لكن خلفها شخص يتنفل وتنفله خلفها يقتضي أنه متهيئ لدخولها فلك أن تتقدم فيها.
لأننا نقول: لماذا لم يتقدم ويصل فيها، فهو الذي فرط في هذا المكان؟ وهذا الذي هو ظاهر كلام المؤلف حق لا شك فيه، وأنك تدخل في الفرجة، ولو رأيت من يصلي خلفها يريد الدخول فيها؛ لأنه هو الذي فوت المكان الفاضل على نفسه)) اهـ.
فمن ادعى أن هذا لا ينبغي وعليه أن يقتصر فقط على الفرجة التي أمامه وتكون شاغرة وليس هناك من يرغب فيها ومتأخرا عنا، فمن ادعى مثل هذا فعليه الدليل.


تنبيه:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((ولكن إذا خشيت فتنة أو عداوة أو بغضاء فاتركها، فإن الجماعة إنما شرعت لمصالح عظيمة؛ منها الائتلاف والتواد والتحاب بين المسلمين، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا خوف هذه المفسدة لتقدمت إلى هذا المكان الفاضل فإنه قد يثيبك سبحانه وتعالى لحسن نيتك)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 27 صفر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 26 أكتوبر سنة 2019 ف