بسم الله الرحمن الرحيم

إلزامات صاحب شبر



الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإذا كان أقوال العلماء العارية عن الدليل والحجة والبرهان ليست ملزمة، فكيف بكلام من هو دونهم في العلم والفضل؟ فكيف بإلزامات صاحب الشبر؟
وصاحب الشبر هو من وضع قدمه الأولى في طلب العلم، وتعلم شيئا من علوم الآلة وأخذ نتفا من هنا وهناك، فظن أنه فقيه زمانه وإمام عصره ووحيد دهره مع كبر.
وقد قيل: (العلم ثلاثة أشبار، من حصل الشبر الأول تكبر، ومن حصل الشبر الثاني تواضع، ومن حصل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم).
وأبو شبر تجده في مسائل العلم يخبط ويخلط، ويأتي بدواهي، ويلزم إخوانه بما أوحاه له شيطانه، أو قلد به إماما معتبرا، ويُلزم على ذلك الإلزام إلزامات، وفي مثل هذا يقال لازم المذهب ليس بلازم، فأصبح صاحب الشبر يلزم من هو مثله بما أخد، وذاك يلزمه بمثل ما ألزمه صاحبه به، فكان كل منهما مُلزِم ومُلزَم، بمعنى مقلد يلزم مقلدا مثله.
والعجيب أن هذه الإلزاميات في مسائل كبار، أحجم عنها فحول العلماء، وتقحمها هؤلاء الجهال السفهاء.
فكم من فتن وما يحدث فيها من أحداث، نجد تسارع الصغار الأغمار يخوضون فيها بلا علم ولا حلم، مع سب وشتم، وإلزام بما هو ليس بلازم، وكأنه الإمام الدارقطني يلزم الإمام مسلما فيما ألفه من ((الإلزامات والتتبع)).
بل الغريب جرأة بعض هؤلاء الصغار - في العلم والأدب – على من هو أعلى منه كعبا وأرسخ قدما وبينه وبينه مفاوز.
بل وصل من جرأة بعض أصحاب الشبر أن يلزموا المشايخ والعلماء.
وتجد بعض كبار العلماء يتوقف في تلك المسائل الكبيرة ويحيل إلى غيره أو يقول الله أعلم.
لأن هؤلاء الكبار علموا خطورة القول بلا علم، وأن العلم الخشية، ومن الخشية أن يمسك المرء لسانه في المسائل الكبيرة، ويحيلها لأهلها، لأنهم عرفوا وفقهوا قول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
فعلى كل واحد منا أن يعرف قدر نفسه، ولا يعرضها للهلاك، ويحملها ما لا تحتمل.
ويتعلم قول الله أعلم ولا أدري وأسأل أهل العلم.
فكم هي النقولات عن الأئمة والعلماء في تورعهم وتوقفهم عن الكلام في ما يأتيهم من إشكالات وتساؤلات.
فهذه تذكرة لنفسي ولإخواني طلاب العلم الجدد وممن لم ترسخ قدمه أن لا نخطي قول لا أدري فيما لا ندري، وأن لا نكلف أنفسنا فوق طاقتها، ولنعلم أننا بين يدي الله واقفون وعن أعمالنا وأقوالنا محاسبون، ولنضع بين أعيننا قول الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18].
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 25 ربيع الأول سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 22 نوفمبر سنة 2019 ف