بسم الله الرحمن الرحيم
منهج السلف في نقد الرجال عدم اشتراط اللقاء


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالبعض يظن أن من شرط الرد على المخالف والكلام فيه والتحذير منه يشرط اللقيا أو عن سابق معرفة وخلطة.
بل تجد من أهل السنة من يعبر بتعبير خاطئ، يقول: كيف أتكلم في فلان وأنا لم يسبق لي أن لقيته، أو لا أحب أن أتكلم في أشخاص لم يسبق لقاؤهم والتعرف عليهم، وهذا من الورع البارد والورع المظلم، فبيان حال المخالف ورد أقواله الباطلة واجب، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].
ولا أعلم لهذا الشرط دليلا من كتاب أو سنة.
بل الذي عليه سلفنا الصالح أنهم يحذرون من أناس بأعينهم لم يسبق لهم رؤيتهم فضلا عن اللقاء بهم.
والشرط في هذا معرفة حال المخالف وما عليه من أقوال مخالفة وبدع منكرة.
ومن أشهر الأمثلة على الرد على المخالفين والطعن فيهم والكلام عليهم من غير سابق لقاء ومن غير سابق معرفة شخصية.
عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين - أو معتمرين - فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف.
قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، ... حديث جبريل المشهور.
أخرجه مسلم.
وعن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أحمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: قوم سوء.
فقام أحمد أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال: (زنديق زنديق زنديق) ودخل بيته.
أخرجه الحاكم في ((معرفة علوم الحديث)) من طريقه الصابوني في ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) وأخرجه الخطيب البغدادي في ((شرف أصحاب الحديث)) والهروي في ((ذم الكلام وأهله)) والكلاعي في ((المسلسلات من الأحاديث والآثار)) وابن أبي يعلى في ((طبقات الحنابلة)) وابن الجوزي في ((مناقب الإمام أحمد)).
وهذا الأثر يشعر بعدم لقاء الإمام أحمد لابن أبي قتيلة.
ومن تتبع كتب الرجال والتاريخ وجد عند سلفنا الصالح من أمثال هذه الآثار الشيء الكثير.
بل جل ما في المصنفات في كتب الرجال والجرح تكلم فيها أصحاب هذه المؤلفات في رواة وأناس لم يدركوهم أصلا، بل ربما تكلموا في بعض من حط رحاله في الجنة.
وعلى سبيل المثال كتاب ((تقريب التهذيب)) لابن حجر وكذلك كتاب ((الكشاف)) للذهبي كل الرجال الذين تكلما فيهم لم يعاصروهم فضلا عن أن يروهم ويلتقوا بهم ويتعرفوا عليهم.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 2 ربيع الآخر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 29 نوفمبر سنة 2019 ف