بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال التعنت مسلك الشياطين


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن البدع المحدثة أسئلة التعنت في ذات الله عز وجل وصفاته، ومن هذه الأسئلة المبتدعة السؤال عن كيفية صفات الله، وقد رده سلفنا الصالح وعابوا على قائله.
سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن [وهو شيخ الإمام مالك بن أنس] كما في ((العرش للذهبي؛ كيف استوى؟
قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق).
وأخرج أبو نعيم في ((الحلية)) عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟
فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكتُ بعود في يده حتى علاه الرّحضاء يعني العرق ثمَّ رفع رأسه ورمى بالعود وقال:(الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وأمر به فأُخرج.
وهذا الأثر له روايات بألفاظ ومعاني متقاربة.
قال الشيخ العالم عبد الرزاق البدر حفظه الله في ((الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء)): ((لقد اشتهر هذا الأثر عن الإمام مالك - رحمه الله - شهرة بالغة، ورواه عنه طائفة من تلاميذه، وهو مرويٌّ عنه من طرق عديدة، وقد حَظِي باستحسان أهل العلم، وتلقَّوه بالقبول، وهو مخرَّج في كتب عديدة من كتب السنة)) اهـ.
أما ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها رفعه للنبي عليه الصلاة والسلام أو وقفه عليها فقد رده بعض الحفاظ والمشتغلين بالصناعة الحديثية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ((مجموع الفتاوى)): ((وقد رُوي هذا الجواب عن أمِّ سلمة رضي الله عنها موقوفاً ومرفوعاً، ولكن ليس إسناده مما يُعتمد عليه)) اهـ.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((العلو)): ((هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي، ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي، فأما عن أم سلمة فلا يصح؛ لأنَّ أبا كنانة ليس بثقة، وأبو عمير لا أعرفه)) اهـ.
فالسؤال بكيف في صفات الله وذاته من الاسئلة المتكلفة المبتدعة.
قال الإمام البربهاري رحمه الله في ((شرح السنة)): ((ولا يقول في صفات الرب: كيف؟ ولم؟ إلا شاك في الله)) اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في ((تحريم النظر في كتب الكلام)): ((وكيف يسأل عن كيفية ما يرى أن السؤال عنه بدعة والكلام في تفسيره خطأ والبحث عنه تكلف وتعمق)) اهـ.


وكذلك من أسئلة التعنت والتكلف السؤال عن المتشابه من القرآن.
وأخرج الهروي في ((ذم الكلام وأهله)) عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صبيغ.
فأخذ عرجونا فضربه وقال: أنا عبد الله عمر فجعل له ضربا حتى دمي رأسه.
فقال: يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي.


ومثل هذه الأسئلة مدخل من مدخل الشيطان ومسلك من مسالك جند ابليس للتشكيك في دين الله تعالى وخلخلة الاعتقاد الصحيح.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)).
متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: ((فليقل آمنت بالله ورسوله)).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يدع الشيطان أن يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات والأرض؟ فيقول: الله فيقول: فمن خلقك؟
فيقول: الله فيقول: من خلق الله؟ فإذا حس أحدكم بذلك فليقل: آمنت بالله وبرسله
)).
أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) (ص: 21): ((احتوى هذا الحديث على أنه لابد أن يلقي الشيطان هذا الإيراد الباطل: إما وسوسة (محضة)، أو على لسان شياطين الإنس وملاحدتهم، وقد وقع كما أخبر، فإن الأمرين وقعا، لا يزال الشيطان يدفع إلى قلوب من ليست لهم بصيرة هذا السؤال الباطل، ولا يزال أهل الإلحاد يلقون هذه الشبهة التي هي أبطل الشبه، ويتكلمون عن العلل وعن مواد العالم بكلام سخيف معروف)) اهـ.
على المسلم أن يحذر من نشر مثل هذه الاسئلة – اسئلة التعنت - وبثها في أوساط أبناء المسلمين، ويحذر من هذه الخصلة الذميمة التي هي من خصال جند ابليس.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 14 جمادي الأول سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 10 يناير سنة 2020 ف