بسم الله الرحمن الرحيم
الهدم المعنوي للمساجد


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فلما كان الحث على عمارة المساجد والترغيب فيه مما جاءت به الشريعة، ورتبت عليه الأجور العظيمة، وسواء كانت هذه العمارة حسية أو معنوية.
قال الله تعالى: { إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين } الآية [التوبة: 18].
وكذلك جاء الزجر والترهيب من هدم المساجد والتحذير من أهلها.
قال الله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114].
وهذا يشمل الخراب الحسي والمعنوي.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((تفسيره)) : (({وَسَعَى} أي: اجتهد وبذل وسعه {فِي خَرَابِهَا} الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة)) اهـ.
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله في ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) : ((قال بعض العلماء: نزلت في صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ست.
وعلى هذا القول: فالخراب معنوي، وهو خراب المساجد بمنع العبادة فيها. وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} الآية.
وقال بعض العلماء: الخراب المذكور هو الخراب الحسي. والآية نزلت فيمن خرب بيت المقدس، وهو بختنصر أو غيره وهذا القول يبينه ويشهد له قوله جل وعلا: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا})) اهـ.
فمن صور خراب المساجد معنويا السعي لإيقاف مشايخ السنة وعلمائها، وبث الأكاذيب والإشاعات الفاجرة ضدهم، واستخراج الطعون فيهم من أهل العلم، أو قرار ايقاف من الجهة المختصة من الدولة، وكل هذا لينفض طلاب العلم، والنتيجة هدم حلقة من حلقات المساجد، وخراب مجلس من مجالس العلم التي يقرر فيها الاعتقاد الصحيح ويبين فيها المنهج القويم ينشر فيها الفقه والأخلاق الحسنة ويحذر من الشرك والبدع وأصحاب الحزبيات المغلفة والجماعات المميعة والمخذلة وغير ذلك من صنوف العلم.
ألا يعلم هؤلاء المحرشين أنهم يعملون جنبا إلى جنب مع أهل البدع والأهواء من علمانية وصوفية والجماعات المضلة وغيرهم في هدم المساجد معنويا؟!
ألا يعلم هؤلاء أنهم يحملون أوزارهم وأوزار طلاب العلم الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم؟!
ألا يعلم هؤلاء أنهم وجهوا سهام الغدر والدسيسة لأهل السنة الصادقين بدل أن يعملوا على نصرتهم؟!
ألا يعلم هؤلاء أن ما أنفقوه من أوقات وأموال في السعي لإيقاف الخير في بعض المساجد أنه سيرجع عليهم بالحسرة والندامة يوم القيامة؟!

ألا فليتق الله عز وجل كل من عمل على خراب المساجد معنويا، وليعض على أصابع الندم ويتب لربه ويسعى لإصلاح ما أفسد قبل أن لا ينفع الندم.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس ليبيا: ليلة الأثنين 23 جمادي الآخر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 17 فبراير سنة 2020 ف