بسم الله الرحمن الرحيم



الأعلام التقنية عصبية جاهلية



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن المخالفات التقنية عبر برامج التواصل وضع الأعلام شعارا للمجموعات، ويزداد الطين بلة عندما تكون هذه الأعلام للأندية الرياضية الكافرة ويشتد الأمر سوءا وقبحا إذا لاح الصليب على تلك الأعلام.
ورفع الأعلام على قمم المجموعات يجر إلى العصبية الجاهلية، كما أن في تعظيمها والتفاخر بها تشبها بالكافرين.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو داود في ((المسند)) وغيرهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)): وهذا إسناد جيد.
والحديث صححه الألباني.


أما أقوال أهل العلم على تعظيم الأعلام وما يصحبه من مخالفات:
سئل الإمام الألباني رحمه الله كما في ((الأجوبة الألبانية على الأسئلة الكويتية)) ما حكم الوقوف أمام العلم؟ وما حكم الكف عن الحركة والانتصاب للعلم عند النشيد الوطني؟
الجواب: هذه -لا شك- من التقاليد الأوروبية الكافرة، وقد نهينا عن تقليدهم بمناهي عامة وخاصة، ولا يجوز لأي دولة مسلمة حقاً أن تتبنى شيئاً من تقاليد الكفار، لكن الأمر يعود إلى من كان له الخيرة في ألا يسمح بذلك، ولا شك أن الحاكم المسلم الذي ليس فوقه حاكم في الدنيا، هو الذي يستطيع أن يغير ويبدل هذه التقاليد والعادات الكافرة بتقاليد وعادات إسلامية، أما من كان موظفاً أو كان جندياً، ولا يستطيع إلا أن يتبع هذا النظام المنحرف عن الإسلام، فهذا يُظْهِرُ مراتبَ الناسِ، على حد قوله عليه السلام: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) فنحن نعلم أن مثل هذه المشاكل يقع الشيء الكثير منها في بعض البلاد الإسلامية؛ لأنها أمور -كما قلنا- تقاليد أجنبية.
مثلاً: في بعض الدول العربية الإسلامية لا يسمح للجندي أن يلتحي، فالناس على هذه المراتب التي جاء ذكرها في الحديث، أكثر الناس اليوم عندما يدخلون الجندية يحلقون لحاهم هكذا النظام، وبعضهم لا يحلقها وإنما هم يحلقونها رغم أنفه، وبعض آخر -وهذا قليل جداً، وله أمثلة هنا في الأردن وفي سوريا - يصمد ويصبر ويلقى العذاب والسجن إلخ، ثم ينصره الله عز وجل، فتراه جندياً ملتحياً، بينما الألوف المؤلفة بدون لحى، فإذاً القضية لها علاقة بقوة الإيمان في المكلف، هذا الذي يكلف بأن يحييّ العَلَم هذه التحية غير الإسلامية بلا شك أنه يستطيع ألا يحيي، لكنه يعلم أن أمامه السجن والتعذيب، وربما أشياء أخرى لا نعرفها، فالمؤمن القوي الإيمان يصبر، ثم ما يكون بعد الصبر إلا النصر كما وعد الله عز وجل المؤمنين، ولا يسع آخرين -لا يصبرون هذا الصبر- إلا أن يحيوا العلم وقلوبهم منكرة لهذه التحية، وهكذا يجب أن نعلم أن هذا منكر، وأن الذي يضطر إلى القيام به على الأقلَّ ينكره بقلبه؛ لأنه ((ليس وراء ذلك ذرة من إيمان))) كما هو معلوم في بعض روايات الحديث الصحيحة.
السائل: وهل مجرد الانتصاب أمام العلم يخل بالتوحيد؟
الجواب: نعم، يخل بالإسلام والشريعة والآداب الإسلامية {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] هذا تعظيم أشبه بتعظيم الأصنام؛ لأن هذا العلم عبارة عن قطعة قماش، لكن هو التقليد الأوروبي الأعمى مع الأسف الشديد!!)) انتهي كلام الألباني.
مما سبق يتبين من كلام هذا الإمام حرمة هذه الأعلام والعلة فيها مشابهة للكفار، ويزيد الطين بلة إذا كان معه وقوف للعلم، وأن هذا تعظيم أشبه بتعظيم الأصنام كما قال رحمه الله.
كما تزداد المخالفة إذا كان هناك سكون وخضوع عند الوقوف للعلم وضع اليد على الصدر أو عند الرأس كما يفعله الجنود والضباط.
سُئلت اللجنة الدائمة (فتوى رقم 5963): ما حكم تحية العلم في الجيش وتعظيم الضباط؟
الجواب : لا تجوز تحية العلم بل هي بدعة محدثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ))،، وأما تعظيم الضباط باحترامهم وإنزالهم منازلهم فجائز أما الغلو في ذلك فممنوع سواء كانوا ضباطا أم غير ضباط .
وسئلت اللجنة الدائمة أيضا (فتوى رقم 2123): هل يجوز الوقوف تعظيما لأي سلام وطني أو علم وطني ؟
الجواب : لا يجوز للمسلم القيام إعظاما لأي علم وطني أو سلام وطني بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب ، وإخلاص التعظيم لله وحده ، وذريعة إلى الشرك ، وفيها مشابهة للكفار وتقليد لهم في عاداتهم القبيحة ومجاراة لهم في غلوهم في رؤوسائهم ومراسيمهم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم وبالله التوفيق)) اهـ.
قال العلامة فركوس حفظه الله في ((تحرِّي السداد في حكم القيام للعباد والجماد)) : ((وَصِفَةُ القيامِ وما يقترن به مِنِ استعدادٍ وتحيَّةٍ ووَضْعِ باقةٍ مِنَ الزهورِ على النُّصبِ التذكاريِّ أو تحت النار المُشْتَعِلَة، ونحوِ ذلك مِنَ المظاهرِ الرسميةِ فقَدِ استلَّها بنو جلدتِنا مِنْ عاداتِ اليهودِ والنصارى القائمةِ على غُلُوِّهم في صالحيهم ورؤسائِهم وقادتِهم، وقلَّدوهم في مراسيمِهم ومُجْمَلِ عاداتِهم، وتشبَّهوا بهم فيما هو مِنْ خصائصِ دِينِهم ودنياهم، ليظفروا بنصيبٍ مِنْ رِضا اليهودِ والنصارى عنهم، ولا شكَّ أنَّ اتِّباعَ أهواءِ المغضوبِ عليهم والضالِّين بعد حصولِ العلمِ تَرَدٍّ وخسرانٌ؛ لِفَقْدِ النُّصرةِ والوَلايةِ مِنَ اللهِ الغنيِّ العزيزِ الحكيم؛ قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة])) اهـ.
بالإضافة إن كانت هذه الأعلام ينفق عليها المبالغ الطائلة من ميزانية الدولة، وهذا من التبذير وإنفاق الأموال في الحرام.


تنبيه:
فكل هذه المخالفات التي قد يترتب بعضها على بعض، فلا يسوغ لنا الطعن في ولاة الأمر، ولا تهيج العامة عليهم.
وذلك بأنه ربما لم يتبين لهم حرمت هذه الأعمال، وربما جوز لهم هذا الأفعال.
كما أنه قد يكون من المخالفات في بعض الدول الإسلامية ما هو ظاهر حرمته للعيان من كبائر الآثام من الربا وبيع الخمور بل قد يكون مما هو أشد من طواف بالقبور ودعاء الأموات وغيرها من سب الله.
وفي الختام أختم بكلام نفيس للعلامة الإمام ابن عثيمين رحمه الله قال في ((لقاء الباب المفتوح)): ((على كل حال أرى أن الذي يجب أن يُسأل عنها هم الذين بيدهم إلغاؤه أو إبقاؤه، وهذه قاعدة أحب أن يتنبَّه لها من يُستفتَى، يأتي مثلاً بعض الناس ممن هم تحت إدارة معينة، ويكون في هذه الإدارة بعض التجاوزات، وبعض المنكرات، فيأتي أحد الإخوة يسأل عنها، ربما يجيب المجيب بحسن نية، فيتخذ السائل من هذا الجواب سُلَّماً للمنازعة مع المسئولين والتشويش عليهم، ولا يحصل المقصود؛ لأن المسئولين إذا جاءهم الأمر من أسفل قد لا يخضعون ولا يستجيبون، ويزيدون في ما هم عليه؛ لكن يجب أن تُعالَج هذه الأمور من فوق)) اهـ.
فعلى هذا يرجع لولاة الأمر في هذه الأحكام ويبين لهم من أهل العلم والفضل على حرمة هذه الأعلام.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 10 رجب سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 5 مارس سنة 2020 ف