بسم الله الرحمن الرحيم


الأذان في البيوت


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد يتعذر الوصول للمساجد لسبب من الأسباب فيشرع الأذان في البيوت.
عن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقا رحيما، فقال: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم)).
متفق عليه.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: (إني أراك تحبُ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو في باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) : ((وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد وقد تقدم حديث أبي سعيد في باب رفع الصوت بالنداء وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها)) اهـ.
وعن رفاعة بن رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما، قال رفاعة ونحن معه : إذ جاءه رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل))، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال : ((وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل))، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل))، فخاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل، فقال الرجل في آخر ذلك : فأرني وعلمني، فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال : ((أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم أيضا، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن راكعا، ثم اعتدل قائما، ثم اسجد فاعتدل ساجدا، ثم اجلس فاطمئن جالسا، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك)).
أخرجه الترمذي في ((الجامع)) وأبو داود في ((السنن)) والنسائي في ((الكبرى)) وابن خزيمة في ((صحيحه)) والطحاوي في ((مشكل الآثار)) وأبو نعيم الأصبهاني في ((معرفة الصحابة)) وإسماعيل بن جعفر كما في ((حديث علي بن حجر السعدي عن إسماعيل بن جعفر المدني)) وصححه الألباني.
قال العلامة محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي حفظه الله في ((ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)) : ((وله شاهد أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه ابن خزيمة جـ 1 ص 274 من حديث رفاعة بن رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَ رجلًا الصلاةَ فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة، فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد، فأقم، ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله. وكبره، وهلله ... )) الحديث. رواه أبو داود، والترمذي.
والحاصل أن الحديث صحيح لما ذكر. والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب)) اهـ.
وقال العلامة السهارنفوري رحمه الله في ((بذل المجهود في حل سنن أبي داود)) : ((ثم تشهد) أي أذن (فأقم) أي أقم للصلاة)) اهـ.
وقال العلامة الألباني رحمه الله كما في ((جامع تراث العلامة الألباني في الفقه)) : ((الأذان والإقامة اللتان يهملهما جماهير المصلين خارج المسجد، هذه غفلة منهم أو جهل بهذه السنة التي جاءت في هذا الحديث الصحيح.
ولعله من المفيد أن نذكر ما هو أهم من ذلك، أنه نحن نتكلم عن الأذان والإقامة لصلاة الجماعة خارج المسجد.
أما الآن: فأنا أُريد أن أتكلم لشخص يريد أن يُصَلِّي وحده، سواء في داره أوفي حوشه أو في صحرائه، حيثما ما صلى وحده، أن السُّنة أن يُؤَذِّن ويقيم؛ لأن الرسول عليه السلام قد صح عنه أنه قال: ((إذا حضرت المسلم الصلاة في أرض قِيٍّ - أرض قِيٍّ يعني أرض صحراء كما يقولون في بعض اللغات - فأَذَّن وأقام، صلى خلفه من خلق الله ما لا يُرى طرفاه))، صلى خلفه وهو يصلي وحده، لكن ما يصلي وحده، ونقدر نقول بيصلي وحده إذا ما أَذَّن وأقام، لكن إذا أَذَّن وأقام، صلى خلفه من خلق الله ما لا يُرى طرفاه، من هؤلاء؟ إما الملائكة الموصوفون بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وإما من مؤمني الجن.
إذاً: الأذان والإقامة ليس خاصاً بالمسجد، وإنما هو ذكر لله وشعيرة إسلامية عظيمة جداً على المسلم أن يُحَافظ عليهما، سواء صلى في جماعة في المسجد أو في جماعة خارج المسجد أو صلى وحده.
هذه معلومات ثابتة في كتب السنة الصحيحة، وجب علينا أن نُبَيّنها لكم حتى تكونوا على بصيرة من دينكم، كما قال ربكم في كتابه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108])) اهـ.
وسئل العلامة الألباني رحمه الله كما في ((مجلة الأصالة)) : ((هل الأذان واجب على كل من يصلي، حتى المنفرد في مسجد فيه إمام راتب؟
الجواب:
نعم؛ قد ثبت في بعض طرق الحديث المسئ صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أذن ثم أقم))، فهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم ومن قواعد علم الأصول أن الأصل في الأمر الوجوب، ما لم يرد صرفه عن ذلك، ولم يجئ مثل هذا الصارف هنا)) اهـ.
وعن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو داود في ((السنن)) والنسائي في ((السنن)) وابن حبان في ((صحيحه)) والطبراني في ((الكبير)) وصححه الألباني.
فلنحرص على سنة الأذان في سفرنا وفي البيوت عند تعذر الوصول للمسجد ففيها عظيم وأجر جزيل.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 26 رجب سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 21 مارس سنة 2020 ف