بسم الله الرحمن الرحيم

مجمع البحرين في بيان ضعف الصلاة بطرف العينين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمما يذكر الصلاة بطرف العينين - تحريك الأحفان - لمن عجز عن الصلاة على جنب.
والمريض والعاجز يصلى قائما إن استطاع وإلا جالسا وإلا على جنب.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة.
فقال: ((صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)).
أخرجه البخاري.

فإن عجز عن الحركة والإماء ذهب بعض العلم إلى الصلاة بطرف العين.
ودليلهم حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه، ورجلاه إلى القبلة، وأومأ بطرف).
وذكر غير واحد أنه مخرج في ((السنن)) للدارقطني ولم أقف عليه بهذا اللفظ والتمام.
قال الحافظ ابن حجر رحمة الله في ((التلخيص الحبير)) : ((زاد الرافعي في إيراد الحديث المذكور ذكر الإيماء ولا وجود له في هذا الحديث مع ضعفه)) اهـ.
والذي وقفت عليه من غير زيادة (وأومأ بطرفه) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يصلي المريض قائما إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة)).
أخرجه الدارقطني في ((السنن)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) و ((الصغرى)) و ((الخلافات)).
قال العلامة النووي رحمة الله في ((المجموع شرح المهذب)) : ((حديث علي رضي الله عنه رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف وقال: فيه نظر)) اهـ.
وضعفه الزيلعي في ((نصب الراية)) وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) وابن الملقن في ((البدر المنير)) والألباني في ((إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل)) وقال: ((وهذا سند ضعيف جداً)) وابن عثيمين رحمة الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)).
وجاء بلفظ في بعض كتب الحنابلة: (فإن لم يستطع أومأ بطرفه).
رواه زكريا الساجي بسنده، عن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال محققوا ((الروض المربع بشرح زاد المستنقع مختصر المقنع)) طبعة الركائز: ((لم نجده بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث والتخريج، ويظهر من صنيع ابن الجوزي أنه من ألفاظ الحديث السابق عن علي، وهو ظاهر صنيع ابن الملقن)) اهـ.

وممن ذهب لعدم مشروعية الصلاة بطرف العين جماعة من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ((الفتاوى الكبرى)) : ((متى عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة، ولا يلزمه الإيماء بطرفه، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد)) اهـ.
وقال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي رحمه الله في ((حاشية الروض المربع)) : ((يعني عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين بن علي، وظاهر كلام جماعة لا يلزمه وصوبه في الفروع، لعدم ثبوته، فقد رواه الدارقطني وغيره بسند ضعيف، وليس فيه، وأومأ بطرفه، وقال الشيخ: لو عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة، ولا يلزمه الإيماء بطرفه اهـ، وهو رواية عن أحمد، وذكر القاضي أنه ظاهر كلام أحمد، وفي رواية محمد ابن يزيد لما روي عن أبي سعيد أنه قيل له في مرضه، الصلاة، قال: قد كفاني، إنما العمل في الصحة، ولظاهر حديث عمران، وحكي عن أبي حنيفة، و (أومأ) أشار، و (الطرف) بفتح الطاء، وسكون الراء العين، أو اسم جامع للبصر، وطرف العين حركتها)) اهـ.
وقال العلامة البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام من بلوغ المرام)) : ((وذهب الشيخ تقي الدين إلى أنه إذا عجز المريض عن الإيماء برأسه، سقطت عنه الصلاة.
وقال شيخنا عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-: أما صلاة المريض بطرفه أو بقلبه، فلم نثبت، ومفهوم الحديث يدل على أن الصلاة على جنبه مع الإيماء هي آخر المراتب الواجبة، وهو اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) : ((وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع أومأ بطرفه)) لكن هذا الحديث ضعيف، ولهذا لم يذهب إليه كثير من العلماء، وقالوا: إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الأفعال.
وقال بعض العلماء: إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة، فهنا ثلاثة أقوال:
القول الأول: إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعينه.
القول الثاني: تسقط عنه الأفعال، من دون الأقوال.
القول الثالث: تسقط عنه الأقوال والأفعال، يعني: لا تجب عليه الصلاة أصلا، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط؛ لأنها هي التي كان عاجزا عنها)) اهـ.

كيفية الصلاة بطرف العين.
قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله في ((مجموع فتاواه ورسائله)) : ((وأما الحركة بالعين أو الإشارة بالعين فقد قال بها بعض العلماء، قال: إذا لم يستطع برأسه أومأ بعينه فيغمض قليلاً للركوع ثم أكثر للسجود)) اهـ.

الخلاصة:
عدم صحة الصلاة بطرف العينين وحجة من ذهب إليها حديث روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يصح.

تنبيه:
جاء عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قيل له في مرضه: الصلاة. قال: قد كفانى، إنما العمل في الصحة.
ولأنه عجز عن أفعال الصلاة بالكلية، فسقطت عنه.
كما في ((المغني)) وغيره وقد صدره ابن قدامة المقدسي رحمه الله بصيغة التمريض في اشاره إلى ضعفه، ولم أقف له اسناد، إلا فيه رد على من قال بالإيماء بالطرف.

هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 11 شعبان سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 5 أبريل سنة 2020 ف