بسم الله الرحمن الرحيم
عذر الطلاب إذا أخطأوا في الجواب وهو ليس من القول بغير علم على رب الأرباب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء التحذير والزجر والتوعد الشديد لمن قال في دين الله بغير علم.
قال الله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
وقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء: 36].
عن محمد بن عجلان رحمه الله قال: (إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله).
أخرجه الهروي في ((ذم الكلام وأهله)).
وصدق الشاعر في قوله:
إذا ما قتلت الشيء علما فقل به *** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
فمن كان يهوى أن يرى متصدرا *** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله
وهذا الأمر متقرر لا يختلف في رجلان ولا ينتطح فيه عنزان.
أما ما يقع فيه بعض الطلاب من أخطاء في الاختبارات أو ما يعرضه المدرس أو الشيخ في الدرس من أسئلة في المجلس أو حلق العلم فهذا ليس من القول على الله بغير علم، وهذا من تمرين الطلاب ومعرفة مستوياتهم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟)).
فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هي النخلة)).
قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي.
فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا.
متفق عليه.
فهذه المسألة اجتهد الصحابة لإصابة الحق، وأخطأ الجميع في إجاباتهم، ولم يأت أن النبي عليه الصلاة والسلام عنفهم وأغلظ عليهم القول وشدد عليهم وحكم عليهم بالقول بغير علم.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل.
فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعبرها)).
قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصبت بعضا وأخطأت بعضا)).
قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت.
قال: ((لا تقسم)).
متفق عليه.
ففي هذا الحديث أخطأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تأويل بعض الرؤية، واكتفى النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((أصبت بعضا وأخطأت بعضا))، ولم يعده من باب القول على الله بغير العلم.
وهذا الذي عليه أهل العلم في دروسهم ومجالسهم عند عرضهم لبعض الأسئلة ولا يعنفون من أخطأ ويزجرونه بحجة القول على الله بغير العلم ولا يعدونه منه.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 18 شعبان سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 12 أبريل سنة 2020 ف