الغضب للتوحيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالذي منهجه منحرف ويتخبط في دين الله عز وجل خبط عشواء فهذا أمره مفضوح، والسلامة ظاهرة من شره عند من أنار الله بصيرته وتمسك بعقيدة السلف ومنهجهم.
أما الخطر كل الخطر فيمن يلبس لباس أهل السنة والجماعة ويأتي بالجهالات، ويقرر خلاف عقيدة السلف الصالح، وكل مرة يخرج علينا بطامة من طوامه.
ثم يأتي من يأتي ويدافع عنه ويبرر لتخبطاته ويمر على جهالاته ولا يحرك ساكنا للجهل المركب في العقيدة والإيمان، ألا يغار هؤلاء السفهاء على العقيدة والتوحيد؟!
ألا يغضب هؤلاء لتقرير الباطل في الإيمان والدين؟!
ألا يتق الله تعالى من يصدرون مثل هؤلاء الحمقى ويستخرج لهم التزكيات ويرفعونهم على رؤوس الناس؟!
اغضب لدينك وعقيدتك الصافية النقية، ولا تحابي ولا تداري.
اغضب على من يلعب بالعقيدة السلفية ويدرس الجهل.
اغضب على هذا السفيه وأمثاله الذي يخلط ويخبط في الاعتقاد السليم.
اغضب لمثل هذا فقد كان السلف الصالح يغضبون.

والغضب لدين الله وللتوحيد منهج الأنبياء.
قال موسى عليه الصلاة والسلام: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 92 - 93].
قال الكلاباذي رحمه الله في ((معاني الأخبار)) : ((فكانت تلك الحدة منه والغضب فيه صفة مدح له لأنها كانت لله، وفي الله كما كانت رأفة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته في الله ولله، ثم كان يغضب حتى يحمر وجهه، وتذر عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وقال تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54])).

وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: (ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله).
ثم ذكر تحته خمسة أحاديث أذكر منها، وكلها غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام لدينه.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علىَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور، فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور)).
وعن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: أتى رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة، من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال: ((يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة)).
وعن عبد الله رضي الله عنه، قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، رأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بيده، فتغيظ، ثم قال: ((إن أحدكم إذا كان في الصلاة، فإن الله حيال وجهه، فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة)).
قال العلامة ابن حجر رحمة الله في ((فتح الباري)) : ((وذكر فيه خمسة أحاديث تقدمت كلها وفي كل منها ذكر غضب النبي صلى الله عليه وسلم في أسباب مختلفة مرجعها إلى أن ذلك كله كان في أمر الله وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزجر عنها)) اهـ.
وقال الباجي رحمه الله في ((المنتقى شرح الموطأ)) : (وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبا وهو الغضب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد وكذلك الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبا إليه، وهو الغضب على المخطئ إذا علمت أن في إبداء غضبك عليه ردعا له وباعثا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل عن ضالة الإبل ... وقال مالك ولها وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه رجل معاذ بن جبل أنه يطول بهم في الصلاة)).

وهذا غصب رسول الله عليه الصلاة والسلام لحماية التوحيد.
عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلت: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم)).
أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
ومن تتبع سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وأحاديثه وجد الكثير.

بل الله عز وجل يغضب إذا خُدش التوحيد الصحيح.
عن عطاء بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
أخرجه مالك مرسلا وصححه الألباني.

ومن صور الغضب لله عند سلفنا الصالح.
عن خوضة، روى يزيد بن هارون في مجلسه حديثَ إسماعيل بن خالد، عن قيس بن حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية وقولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم تنظرون إلى ربِّكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر" فقال له رجلٌ في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد وقال: "ما أشبهك بصبيغ، وأحوجَك إلى مثل ما فُعل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث أو يتكلّم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلاَّ من سفه نفسه واستخفَّ بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتَّبعوه، ولا تبتدعوا فيه، فإنَّكم إن اتّبعتموه ولم تُماروا فيه سلِمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم"
ذكره الصابوني رحمه الله في ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)).

وعن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟
فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكتُ بعود في يده حتى علاه الرّحضاء يعني العرق ثمَّ رفع رأسه ورمى بالعود وقال: (الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وأمر به فأُخرج.
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
قال الشيخ الفاضل العالم عبدالرازق بن عبد المحسن البدر حفظه الله في ((الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء)) : ((وهذا بلا شك يدلّ على شدّة تأثُّر الإمام مالك رحمه الله من هذه المقالة، وشدّة غضبه على انتهاك حرمات الله عز وجل)) اهـ.

اغضب لعقيدة التوحيد والسنة، ومن لم يغضب فهو حمار.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (من استُغضب ولم يغضب فهو حمار).
أخرجه البيهقي في ((مناقب الشافعي)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) والفخر الرازي في ((مناقب الشافعي)).
قال العلامة ابن القيم رحمة الله في ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) : ((ومن كلام الشافعي: (من استرضي ولم يرض فهو جبار ومن استغضب ولم يغضب فهو حمار)، وهذا يدل على موت القلب وبطلان الحس وفقد الحياة)) اهـ.

فكل ما سبق ذكره من الغضب المحمود.
قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح الأربعين النووية)) : ((الغضب المحمود هو الذي يكون لله، ومن أجل الله، وإذا انتهكت حرمات الله، فهو يغضب لله، هذا هو الغضب المحمود)) اهـ.

والذين يفسدون الأديان أولى بالحجر ممن يفسد الأبدان وخاصة من يفسد العقيدة والإيمان.
قال الشيخ العالم عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله في ((القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد)) : ((ولم يبعد أحد شيوخنا المعاصرين إذ قال: وكما أنَّه يوضع في زماننا أماكن للحجر الصحيّ لمن بهم أمراض معدية، فإنَّ أهل البدع والأهواء الداعين إلى باطلهم أولى بالحجر من أولئك؛ لأنَّ هؤلاء يمرضون القلوب ويفسدون الأديان، وأولئك يفسدون الأجسام ويمرضون الأبدان)) اهـ.

وهذه رسالة إلى كل متعالم يريد أن يطير ولم يريش.
قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله في ((تفسير القرآن الكريم سورة البقرة)) (2/240) : ((فالقول على الله بلا علم في ذاته، أو أسمائه، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، كل ذلك من أوامر الشيطان؛ والغالب أنه لا يحمل على ذلك إلا محبة الشرف، والسيادة، والجاه؛ وإلا لو كان عند الإنسان تقوى لالتزم الأدب مع الله عز وجل، ولم يتقدم بين يدي الله ورسوله، وصار لا يقول على الله إلا ما يعلم)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 22 شعبان سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 16 أبريل سنة 2020 ف