بسم الله الرحمن الرحيم

تكثير سواد المجرمين مسلك الشياطين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فلما كان تكثير سواد المؤمنين مسلك الصادقين، ومرغب به في شرع رب العالمين، كان تكثير سواد المجرمين مسلك الشياطين.
قال الله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ} [الأنفال: 48].
أخرج ابن جرير في ((تفسيره)) (11/221-222) عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي، فجاء على فرس، فقال للمشركين: ) لا غالب لكم اليوم من الناس (!
فقالوا: ومن أنت؟
قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم.
وأخرج ابن جرير في ((تفسيره)) (11/222) عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر - يعني من الحرب - فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجيّ - وكان من أشراف بني كنانة - فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه. فخرجوا سراعا.
وأخرج ابن جرير في ((تفسيره)) (11/225) عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر.
فقال لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (3/212): ((ولما عزموا على الخروج، ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم، فلما تعبئوا للقتال، ورأى عدو الله جند الله قد نزلت من السماء، فر ونكص على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، وصدق في قوله: إني أرى ما لا ترون، وكذب في قوله: إني أخاف الله، وقيل: كان خوفه على نفسه أن يهلك معهم، وهذا أظهر)) اهـ.
قال العلامة ابن كثير رحمه الله في ((الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)) (ص: 99): ((وكان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج، فأجارهم، وزين لهم الذهاب إلى ما هم فيه، وذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم، فذلك قوله تعالى: ) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ( [الأنفال: 48]، وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت القتال، ورأى ما لا قبل له به، ففر، وقاتلت الملائكة كما أمرها الله، وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه، فإذا به قد سقط أمامه.
ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين)) اهـ.
وكذلك في قصة تأمر زعماء قريش في دار الندوة، ليتشاوروا في قتل النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة، أتاهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد.
وهذه القصة أخرجها عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) (11/134-135) وابن أبى حاتم في ((تفسيره)) (5/ 1686-1687) (رقم: 8794) والشبلي في ((آكام المرجان في احكام الجان)) (ص: 212-213) وذكرها ابن كثير في ((تفسيره)) (4/44-45) وعزاها لمحمد بن إسحاق بن يسار صاحب ((المغازي)).
فمن كثر سواد المجرمين والفاجرين في مشابهة للشياطين.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة السبت 24 شعبان سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 18 أبريل سنة 2020 ف