( لابن الجوززي رحمه الله)

ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية في السماع والرقص والوجد
قال المصنف رحمه اللَّه: اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين أحدهما أنه يلهي القلب عَنِ التفكر فِي عظمة اللَّه سبحانه والقيام بخدمته والثاني أنه يميله إِلَى اللذات العاجلة التي تدعو إِلَى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا فِي المتجددات ولا سبيل إِلَى كثرة المتجددات من الحل فلذلك يحث عَلَى الزنا فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح والزنا أكبر لذات النفس ولهذا جاء فِي الحديث الغناء رقية الزنا وَقَدْ ذكر أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ أن الذي أتخذ الملاهي رجل من ولد قابيل يقال لَهُ ثوبال اتخذ فِي زمان مهلائيل بْن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان فانهمك ولد قابيل فِي اللهو وتناهى خبرهم إِلَى من بالجبل من نسل شيث فنزل منهم قوم وفشت الفاحشة وشرب الخمور.

قَالَ المصنف رحمه اللَّه وهذا لأن الالتذاذ بشيء يدعو إِلَى التذاذه بغيره خصوصا مَا يناسبه ولما يئس إبليس أن يسمع من المتعبدين شيئا من الأصوات المحرمة كالعود نظر إِلَى المغنى الحاصل بالعود فدرجه فِي ضمن الغناء بغير العود وحسنه لهم وإنما مراده التدريج من شيء إِلَى شيء والفقيه
من نظر فِي الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد فَإِن النظر إِلَى الأمرد مباح إن أمن ثوران الشهوة فَإِن لم يؤمن لم يجز وتقبيل الصبية التي لها من العمر ثلاث سنين جائزا إذ لا شهوة تقع هناك فِي الأغلب فَإِن وجد شهوة حرم ذلك وكذلك الخلوة بذوات المحارم فَإِن خيف من ذلك حرم فتأمل هذه القاعدة.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ تكلم الناس فِي الغناء فأطالوا فمنهم من حرمه ومنهم من أباحه من غير كراهة ومنهم من كرهه مَعَ الإباحة وفصل الخطاب أن نقول ينبغي أن ينظر فِي ماهية الشيء ثم يطلق عَلَيْهِ التحريم أَوِ الكراهة أَوْ غير ذلك والغناء اسم يطلق عَلَى أشياء منها غناء الحجيج فِي الطرقات فَإِن أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون فِي الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام وربما ضربوا مَعَ إنشادهم بطبل فسماع تلك الأشعار مباح وليس إنشادهم إياها مما يطرب ويخرج عَنِ الاعتدال وفي معنى هؤلاء الغزاة فإنهم ينشدون أشعارا يحرضون بِهَا عَلَى الغزو وفي معنى هَذَا إنشاد المبارزين للقتال للأشعار تفاخرا عند النزال وفي معنى هَذَا أشعار الحداة فِي طريق مكة كقول قائلهم:
بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا
وهذا يحرك الإبل والآدمي إلا أن ذلك التحريك لا يوجب الطرب المخرج عَنْ حد الاعتدال وأصل الحداء ما أَنْبَأَنَا به يَحْيَى بْن الْحَسَنِ بْن البنا نا أَبُو جَعْفَر بْن المسلمة نا المخلص نا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الطوسي ثنا الزبير بْن بكار ثني إِبْرَاهِيم بْن المنذر ثنا أَبُو البحتري وهب عَنْ طلحة المكي عَنْ بعض علمائهم أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مال ذات ليلة بطريق مكة إِلَى حاد مَعَ قوم فسلم عليهم فَقَالَ إِنَّ حَادِيَنَا نَامَ1 فَسَمِعْنَا حَادِيَكُمْ فَمِلْتُ إِلَيْكُمْ فَهَلْ تَدْرُونَ أَنَّى كَانَ الْحَدَّاءُ قَالُوا لا وَاللَّهِ قَالَ إِنَّ أَبَاهُمْ مُضَرَ خَرَجَ إِلَى بَعْضِ رُعَاتِهِ فَوَجَدَ إِبِلَهُ قَدْ تَفَرَّقَتْ فَأَخَذَ عَصَا فَضَرَبَ بِهَا كَفَّ غُلامِهِ فَعَدَا الْغُلامُ فِي الْوَادِي وَهُوَ يَصِيحُ يَا يَدَاهُ يَا يَدَاهُ2 فَسَمِعَتِ الإِبِلُ ذَلِكَ فَعَطَفَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ مضر لو اشتق مثل هَذَا لانتفعت به الإبل واجتمعت فاشتقت الحداء.
قال المصنف رحمه اللَّه وَقَدْ كان لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاد يقال لَهُ أنجشة يحدو فتعنق3 الابل.


1 في النسخة الثانية: أن حادينا ونا أي تعب.
2 في النسخة الثانية: وايداه مرة فقط.
3 العنق بفتحتين: نوع من السير سريع فسيح.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير" وفي حديث سلمة بْن الأكوع قَالَ خرجنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خيبر فسرنا ليلا فَقَالَ رجل من القوم لعامر بْن الأكوع ألا تسمعنا من هنياتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدوا بالقول يَقُول:
لاهم لولا أنت مَا اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فالقين سكينة علينا ... وثبت الأقدام إذ لاقينا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من هَذَا السائق"؟ قالوا عامر بْن الأكوع فَقَالَ: "يرحمه اللَّه".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ روينا عَنِ الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قَالَ المصنف رحمه اللَّه ومن إنشاد العرب قول أهل المدينة عند قدوم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داعى
ومن هَذَا الجنس كانوا ينشدون أشعارهم بالمدينة وربما ضربوا عَلَيْهِ بالدف عند إنشاده ومنه مَا أَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أحمد ثنا أَبُو المغيرة ثنا الأوزاعي ثني الزهري عَنْ عروة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن أبا بَكْر دخل عليها وعندها جاريتان فِي أيام منى تضربان بدفين ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجي عَلَيْهِ بثوبه فانتهرهما أَبُو بَكْر فكشف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وجهه وقال: "دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" أخرجاه فِي الصحيحين.
قال المصنف رحمه اللَّه: والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرب1 إليها الجواري فيلعبن معها وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو إِسْحَاق البرمكي أَنْبَأَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر الخلال أَخْبَرَنَا منصور بْن الوليد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد حدثهم قَالَ قلت لأبي عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل

1 في الثانية: وهو تفسير يسرب.
حديث الزهري عَنْ عروة عَنْ عائشة عَنْ جَوَارٍ يُغَنِّينَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْغِنَاءِ قَالَ غِنَاءُ الرَّكْبِ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ قَالَ الخلال وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرج الحمصي ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد ثنا أَبُو عقيل عَنْ نهبة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت كانت عندنا جارية يتيمة من الأنصار فزوجناها رجلا من الأنصار فكنت فيمن أهداها إِلَى زوجها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ: "إِنَّ الأَنْصَارَ أُنَاسٌ فِيهِمْ غَزَلٌ" فَمَا قُلْتِ قَالَتْ دَعَوْنَا بِالْبَرَكَةِ قَالَ أَفَلا قُلْتُمْ:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فحيونا نحييكم
ولولا الذهب الأحم ... ر مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ
وَلْوَلا الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ ... لَمْ تَسْمَنْ عَذَارِيكُمْ"
أَخْبَرَنَا أَبُو الحصين نا ابْن المذهب نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أبي ثنا أسود بْن عامر نا أَبُو بَكْر عَنْ أجلح عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أَهَدَيْتُمُ الْجَارِيَةَ إِلَى بَيْتِهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ: "فَهَلا بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّيهِمْ يَقُولُ:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
فَإِنَّ الأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ".
قال المصنف رحمه اللَّه: فقد بان بما ذكرنا مَا كانوا يغنون به وليس مما يطرب ولا كانت دفوفهن عَلَى مَا يعرف الْيَوْم ومن ذلك أشعار ينشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إِلَى ذكر الآخرة ويسمونها الزهديات كقول بعضهم:
يا غاديا فِي غفلة ورائحا ... إِلَى متى تستحسن القبائحا
وكم إِلَى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق اللَّه به الجوارحا
يا عجبا منك وأنت مبصر ... كيف تجنبت الطريق الواضحا
فهذا مباح أيضا وإلى مثله أشار أَحْمَد بْن حنبل فِي الإباحة فيما أَنْبَأَنَا به أَبُو عَبْد الْعَزِيز كاوس نا المظفر بْن الْحَسَنِ الهمداني نا أَبُو بَكْرِ بْنُ لالي ثنا الفضل الكندي قَالَ سمعت عبدوس يَقُول سمعت أبا حامد الخلفاني يَقُول لأحمد بْن حنبل يا أبا عَبْد اللَّهِ هذه القصائد الرقاق التي فِي ذكر الْجَنَّة والنار أي شيء تقول فيها فَقَالَ مثل أي شيء؟ قلت يقولون:إذا مَا قَالَ لي ربي ... أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي ... وبالعصيان تأتيني
فقال أعد علي فأعدت عَلَيْهِ فقام ودخل بيته ورد الباب فسمعت نحيبه من داخل البيت وَهُوَ يَقُول:
إذا مَا قَالَ لي ربي ... أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي ... وبالعصيان تأتيني
ومن الأشعار أشعار تنشدها النواح يثيرون بِهَا الأحزان والبكاء فينهي عنها لما فِي ضمنها1.
فأما الأشعار التي ينشدها المغنون المتهيئون للغناء ويصفون فيها المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ويخرجها عَنِ الاعتدال ويثير كامنها من حب اللهو وَهُوَ الغناء المعروف فِي هَذَا الزمان مثل قول الشاعر:
ذهبي اللون تحسب من ... وجنتيه النار تقتدح
خوفوني من فضيحته ... ليته وافى وأفتضح
وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحانا مختلفة كلها تخرج سامعها عَنْ حيز الاعتدال وتثير حب الهوى ولهم شيء يسمونه البسيط يزعج القلوب عَنْ مهل ثم يأتون بالنشيد بعده فيعجعج القلوب وَقَدْ أضافوا إِلَى ذلك ضرب القضيب والإيقاع به عَلَى وفق الإنشاد والدف بالجلاجل والشبابة النائبة عَنِ الزمر فهذا الغناء المعروف الْيَوْم.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وقبل أن نتكلم فِي إباحته أَوْ تحريمه أَوْ كراهته نقول ينبغي للعاقل أن ينصح نفسه وإخوانه ويحذر تلبيس إبليس فِي إجراء هَذَا الغناء مجرى الأقسام المتقدمة التي يطلق عليها اسم الغناء فلا يحمل الكل محملا واحدا فيقول قد أباحه فلان وكرهه فلان فنبدأ بالكلام فِي النصيحة للنفس والاخوان فنقول.
معلوم أن طباع الآدميين تتقارب ولا تكاد تتفاوت فَإِذَا ادعى الشاب السليم البدن

1 كذا في النسختين: وقد سقط ذكر العلة.الصحيح المزاج أن رؤية المستحسنات لا تزعجه ولا تؤثر عنده ولا تضره فِي دينه كذبناه لما نعلم من استواء الطباع فَإِن ثبت صدقه عرفنا أن به مرضا خرج به عَنْ حيز الاعتدال فَإِن تعلل فَقَالَ إنما أنظر إِلَى هذه المستحسنات معتبرا فأتعجب من حسن الصنعة فِي دعج العينين ورقة الأنف ونقاء البياض قلنا لَهُ فِي أنواع المباحات مَا يكفي فِي العبرة وههنا ميل طبعك يشغلك عَنْ الفكرة ولا يدع لبلوغ شهوتك وجود فكرة فَإِن ميل الطبع شاغل عَنْ ذلك وكذا من قَالَ إن هَذَا الغناء المطرب المزعج للطباع المحرك لها إِلَى العشق وحب الدنيا لا يؤثر عندي ولا يلفت قلبي إِلَى حب الدنيا الموصوفة فيه فإنا نكذبه لموضع اشتراك الطباع ثم إن كان قلبه بالخوف من اللَّه عز وجل غائبا عَنْ الهوى لأحضر هَذَا المسموع الطبع وإن كانت قد طالت غيبته فِي سفر الخوف وأقبح القبيح البهرجة ثم كيف تمر البهرجة عَلَى من يعلم السر وأخفى ثم إن كان الأمر كَمَا زعم هَذَا المتصوف فينبغي أن لا نبيحه إلا لمن هذه صفته والقوم قد أباحوه على الأطلاق للشاب المبتدىء والصبي الجاهل حتى قَالَ أَبُو حامد الغزالي إن التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء الصحيح أنه لا يحرم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فأما من قَالَ إني لا أسمع الغناء للدنيا وإنما آخذ منه إشارات فهو يخطىء من وجهين أحدهما أن الطبع يسبق إِلَى مقصوده قبل أخذ الإشارات فيكون كمن قَالَ إني أنظر إِلَى هذه المرأة المستحسنة لا تفكر فِي الصنعة والثاني إنه يقل فيه وجود شيء يشار به إِلَى الخالق وَقَدْ جل الخالق تبارك وتعالى أن يقال فِي حقه أنه يعشق ويقع الهيمان به وإنما نصيبنا من معرفته الهيبة والتعظيم فقط وإذ قد انْتَهَتِ النصيحة فنذكر ما قيل في الغناء.
فصل: أما مذهب أَحْمَد رحمه اللَّه فإنه كان الغناء فِي زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه فروى عنه ابنه عَبْد اللَّهِ أنه قَالَ الغناء ينبت النفاق فِي القلب لا يعجبني وروى عنه إسماعيل بْن إسحاق الثقفي أنه سئل عَنِ استماع القصائد فَقَالَ أكرهه هو بدعة ولا يجالسون وروى عنه أَبُو الحارث أنه قَالَ التغيير1 بدعة فَقِيلَ لَهُ أنه يرقق القلب فَقَالَ هو بدعة وروى عنه يعقوب الهاشمي التغيير بدعة محدث وروى عنه يعقوب بْن غياث2 أكره التغيير وأنه نهى عَنِ استماعه.

1 في النسخة الثانية يعقوب بن محيان ولفظ التغيير هو تغيير الذكر بدعاء وتضرع كما ذكره المصنف بعد في صحيفة 230.
2 في نسخة الطباخ.قَالَ المصنف: فهذه الروايات كلها دليل عَلَى كراهية الغناء قَالَ أَبُو بَكْر الخلال كره أَحْمَد القصائد لما قيل لَهُ إنهم يتماجنون ثم روى عنه مَا يدل عَلَى أنه لا بأس بِهَا قَالَ المرزوي سألت أبا عُبَيْد اللَّه عَنِ القصائد فَقَالَ بدعة فقلت لَهُ إنهم يهجرون فَقَالَ لا يبلغ بهم هَذَا كله.
قال المصنف: وَقَدْ روينا أن أَحْمَد سمع قوالا عند ابنه صالح فم ينكر عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صالح يا أبت أليس كنت تنكر هَذَا فَقَالَ إنما قيل لي انهم يستعملون المنكر فكرهته فأما هَذَا فأني لا أكرهه قال المصنف رحمه اللَّه قلت وَقَدْ ذكر أصحابنا عَنْ أبي بَكْر الخلال وصاحبه عَبْد الْعَزِيز إباحة الغناء وإنما أشار إِلَى مَا كان فِي زمانهما من القصائد الزهديات وعلى هَذَا يحمل مَا لم يكرهه أَحْمَد ويدل عَلَى مَا قلت أن أَحْمَد بْن حنبل سئل عَنْ رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إِلَى بيعها فَقَالَ لا تباع عَلَى أنها مغنية فَقِيلَ لَهُ أنها تساوي ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا فَقَالَ لا تباع إلا عَلَى أنها ساذجة.
قَالَ المصنف: وإنما قَالَ هَذَا لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إِلَى العشق وهذا دليل عَلَى أن الغناء محظور إذ لو لم يكن محظورا مَا أجاز تفويت المال عَلَى اليتيم وصار هَذَا كقول أبي طلحة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندي خمر لأيتام فَقَالَ أرقها فلو جاز استصلاحها لما أمره بتضييع أموال اليتامى وروى المرزوي عَنْ أَحْمَد بْن حنبل أنه قَالَ كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية إنما يغنى بالغزل والنوح فبان من هذه الجملة أن الروايتين عَنْ أَحْمَد فِي الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة فأما الغناء المعروف الْيَوْم فمحظور عنده كيف ولو علم مَا أحدث الناس من الزيادات.
فصل: قال المصنف: وأما مذهب مالك بْن أنس رحمه اللَّه فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو إسحاق البرمكي نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر الخلال وأَخْبَرَنَا عاليا سَعِيد بْن الْحَسَنِ بْن البنا نا أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الدبيثي نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الوراق نا مُحَمَّد بْن السري بْن عثمان التمار قالا أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ عَنْ أبيه عَنْ إسحاق بْن عِيسَى الطباع1 قَالَ سألت مالك بْن مالك بْن أنس عَنْ مَا يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فَقَالَ إنما يفعله الفساق أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن أَحْمَدَ الحريري قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ قَالَ أما مالك بن

1 في نسخة الطباخ.