بسم الله الرحمن الرحيم

قبول نصيحة من قصده التنقص والذم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فلا يخلوا أحد منا من زلة وخطأ وهفوة، والكريم يستر العيب وينصح إرادة للخيرة، واللئيم يفضح ويعيب ويتنقص إخوانه ويشهر بهم، وهذه أخلاق سيئة ينبغ الترفع عنها.
عن قتيلة، امرأة من جهينة: أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون، وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة.
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ((ورب الكعبة))، ويقولون: ((ما شاء الله، ثم شئت)).
أخرجه النسائي في ((السنن)) واللفظ له وأحمد في ((المسند)) وابن راهوية في ((المسند)) والطبراني في ((الكبير)) والحاكم في ((المستدرك)) وصححه الألباني.
فلم يمتنع الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقبل نصيحة هذا اليهودي الطعان.
فالحق يؤخذ ممن جاء به ولو كان عدوا كما قبل النبي عليه الصلاة والسلام من هذا اليهودي، وكذلك كما أخذت نصيحة الشيطان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة.
قال: فخليت عنه فأصبحت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة)).
قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله.
قال: ((أما إنه قد كذبك وسيعود)).
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود.
فرحمته فخليت سبيله فأصبحت.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة ما فعل أسيرك)).
قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله.
قال: ((أما إنه قد كذبك وسيعود)).
فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود.
قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها.
قلت: ما هو؟
قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح.
فخليت سبيله فأصبحت.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة)).
قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله.
قال: ((ما هي؟)).
قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة)).
قال: لا.
قال: ((ذاك شيطان)).
أخرجه البخاري.

تنبيه:
ليس في هذين الحديثين دليل لمن أجاز أخذ العلم الشرعي عن أعداء الدين والمبتدعة والمخرفين، وقد رددت على هذه الشبهة في مقال بعنوان: (إزالة الإشكال عما يُستدل به من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان بطلب الثمار عند المخالف ورمي الحطب في النار).
فاليهودي جاء للنبي عليه الصلاة والسلام بقصد الذم والطعن ولم يذهب له النبي عليه الصلاة والسلام لأخذ النصيحة منه، والشيطان هو الذي جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه ولم يكن مراده نشر الخير، وكان يريد أن يسرق، وأبو هريرة رضي الله عنه ولم يذهب له للأخذ عنه.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 17 رمضان سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 10 مايو سنة 2020 ف