بسم الله الرحمن الرحيم


أكلة الصدقات والزكوات فيهم شبه بالسيئ من الأحبار والرهبان



الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فالذين يأكلون الصدقات والزكوات ويلهثون وراء إنشاء الجمعيات ويعطونها صبغة دينية ويلمعونها بالشعارات البراقة ليوقعوا أصحاب الأموال في شباكهم وحبائلهم؛ فهؤلاء الذين يتلاعبون بتلك الأموال وأمثالهم فيهم شبه بأكلة الأموال باسم الدين من الأحبار والرهبان.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ} . [التوبة: 34] .

قال العلامة نجم الدين الغزي رحمه الله في ((حسن التنبه لما ورد في التشبه)): ((وقد كان أحبار يهود يأمرون بني إسرائيل بصرف الزكاة، ويرغبونهم فيها، ثم كانوا يجمعون الزكاة ويكنزونها)) اهـ.

ومن القصص الشاهدة القصص التي جاءت شاهدة على تأكل أحد الرهبان بالدعوة واستحواذه على الصدقات كما في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه حديثه من فيه، قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟

قالوا: بالشام قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته، قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال: قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟، قال: قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، ثم جاءوا برجل آخر، ... الأثر.

أخرجه أحمد في ((المسند)) وغيره.

قال محققه: إسناده حسن.

ففي هذه القصة بيان أن من الأحبار والرهبان أكلة للصدقات، وأن هؤلاء النصابين الذين شوهوا جمال الدين حالهم حال السابقين لهم من الأكلة باسم مساعدة الأرامل والأيتام والفقراء والمحتاجين.

وأختم بنصيحة للعلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله كما في ((البشائر في السماع المباشر)) (ص 18) قال: ((والله يا إخوان لو يذهب الشخص يكنس في الشوارع أهون من أن يأكل باسم الدين)) اهـ.

هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه

عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار

طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 26 رمضان سنة 1441 هـ

الموافق لـ: 19 مايو سنة 2020 ف