بسم الله الرحمن الرحيم
● التحريف التقني ●


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فتحريف كلام أهل العلم بالبتر المخل أو الزيادة الغير مبينه، يعتبر من الخيانة والغش.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟)).
قال أصابته السماء يا رسول الله.
قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني)).
أخرجه مسلم.
فالغش لأمراض الأبدان أو قتلها أيسر من إعلال القلوب ووأدها.

وتحريف النصوص من عمل اليهود والنصارى فقد مسخوا وحرفوا وبدلوا ما في التوراة والإنجيل، وتبعهم في هذا بعض الفرق الضالة وأصحاب البدع، غير أنهم عملوا على تحريف معاني القرآن، فألفاظ القرآن محفوظة، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ثم من بعد ذلك عمل بعض أهل البدع والأهواء على تحريف كلام العلماء المحققين من أهل السنة والجماعة، لترويج أفكارهم المنحرفة.

ثم في هذا العصر عمل أهل الإنحراف والضلال وأصحاب القلوب المريضة على التحريف التقني.
قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله في ((تفسير القرآن الكريم سورة النساء)) (1/127) : ((والدبلجة هذه مشكلة كبيرة، نسأل الله أن يكفينا شرها، فقد بدؤوا يدبلجون الكلام، يأخذون مثلا من بعض كلامي حرفا في كلمة من الكلمات، وحرفا من كلمة أخرى، ويركبون بعضها على بعض، فينشؤون خطبة بصوتي على ما يريدونه، والصوت صوتي، ونبرات الكلام نبرات كلامي، فأي إنسان يرد أن يتقول على شخص فإنه يمكنه ذلك، لكن أسأل الله أن يسخر فيروسًا لهذه الآلات)) اهـ.

وما قصة نشر الشريط المزور المكذوب فيه تبرير الإمام ابن باز رحمه الله للبس الصليب لأحد الأمراء عنا ببعيد.
وقد جاء تكذيب هذا العمل الإجرامي من الشيخ ابن باز رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه)) : ((تكذيب بصدور فتوى لسماحته عن جواز لبس الصليب.
الأخ الفاضل الدكتور محمد بن سعد الشويعر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، الحمد لله عز وجل الذي سخر لهذه الأمة من يرعى أبناءها ويمد يد العون لهم كلما أرادوه، ويعلم الله كم أنا مسرور عندما أجد من يهتم برسائلي في وقت قل فيه أهل الخير إلا من رحم الله.
لقد بعثت لك يا دكتور محمد مجموعة من الرسائل على فترات، وطلبت في هذه الرسائل مجلة البحوث الإسلامية وبعض الكتب، وكانت عندي بعض الأسئلة كذلك فقمتم مشكورين بالإجابة عليها خير إجابة، ولاقى هذا العمل صدى جميلا في نفسي ونفس أصدقائي الذين أخبرتهم بذلك.
واليوم يا دكتور عندي استفسار عن أمر دار حوله جدل طويل وانقسام عظيم، وتناحر بين الأصدقاء والإخوة، وذلك عندما وصلنا شريط فيه مجموعة أسئلة طرحت على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - ومن ضمن هذه الأسئلة سؤال من أخ مصري سأله فيه عن حكم لبس الصليب؟ فأجابه الشيخ بجواز ذلك مما أثار موجة عارمة بين الجميع، وشخصيا ما كدت أصدق ذلك من هول ما سمعت، وقد نصبت نفسي محامي دفاع عن الشيخ ولكن موقفي كان ضعيفا فالصوت صوت الشيخ - حفظه الله - والقاضي عياض نقل الإجماع في كتاب الشفا على كفر لابس الصليب.
فأرجو يا دكتور أن توضح لنا الأمر فهنالك الكثير من الشباب المسلم ينتظر هذه الإجابة منك كونك من المقربين للشيخ - حفظه الله - أرجو أن تشفي صدورنا ويا حبذا لو أن سماحته شخصيا - يجيبنا على هذا الاستفسار.
ولا أخفيك القول أن صورة الشيخ قد اهتزت عند كثير من الشباب بعد سماع ذلك الشريط، وأن كثيرا من أصحاب النفوس المريضة انتهزوها فرصة للنيل من مكانة الشيخ وتجريحه.
فلا تبخل علينا يا دكتور بما سيكون لك في ميزان عملك إن شاء الله، بما سيقطع الطريق على مرضى النفوس، وفقكم ورعاكم الله لما فيه خير هذه الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المرسل ج. ع. ع. الأردن – إربد ولقد عرضت هذه الرسالة على سماحته - رحمه الله - فاسترجع وحوقل، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم أملى علي هذا الجواب الذي بعث للمرسل.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ج. ع. ع. وفقه الله لما فيه رضاه وثبته على دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على رسالتكم المؤرخة 14 ربيع الأول عام 1417 هـ الموجهة لفضيلة الدكتور محمد بن سعد الشويعر، حول الشريط المنسوب إلي وفيه فتوى عن جواز لبس الصليب، وأنني أجبت بجواز ذلك.
فأحيطكم علما أن هذا لم يصدر مني وأنه كذب علي ولا أصل لذلك، جازى الله من عمله بما يستحق، وليست هذه أول كذبة يفتريها بعض المغرضين علي وعلى غيري من أصحاب الفضيلة المشايخ وغيرهم فقد سبقها كثير، ومن ذلك ما نشر عندكم في الأردن قبل شهر في صحيفة الرأي وغيرها من أني أقول بأن المرأة إذا ذهبت للعمل فهي زانية، فقد ابتسروا من كلمة لي صدرت منذ عشرين عاما ما يوافق أهواءهم، وعنوانها: (حكم مشاركة المرأة للرجل في العمل) وقد نشرت في مركز الدعوة الإسلامية بلاهور الباكستان - الطبعة الأولى في ربيع الثاني عام 1399 هـ الموافق مارس 1979 م، وضمن كتابنا مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الأول من ص (422- 432) وقد طبع هذا الجزء عام 1408 هـ الموافق 1987 م وكان إعادة نشر المقالة هو الرد على أولئك، ونرفق لكم نسخة منها.
ولذا نرجو من فضيلتكم تزويدنا بنسخة من الشريط الذي نوهتم عنه للاطلاع وإجراء ما يلزم، جعلنا الله وإياكم من المتعاونين على الحق الناصرين لدين الله المعينين على قمع البدع والأهواء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية)) اهـ.
فبان بهذا التحريف التقني أنه أسوأ بكثير من التحريف التقليدي وأخطر.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الخميس 5 شوال سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 28 مايو سنة 2020 ف