بسم الله الرحمن الرحيم


الرياء التقني



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن الجدير بالذكر أن يحسن المرء نيته ويجمل طويته ويتعهد إخلاصه فيما يأتي ويدر، كما أنه على كل مسلم موحد أن يحرص على مدافعة الرياء والسمعة في حياته الواقعية، كذلك عليه أن يدافع هذا المرض الفتاك والداء عضال والآفة العظيمة في عالمه التقني.

ومن صور الرياء التقني:
تصور المرء نفسه في مشاعر الحج في عرفة وفي رمي الجمار وعند الطواف بالكعبة.
أخذ صورة تذكارية متظاهرا فيها أنه في عبادة مثل السجود أو رفع اليدين بالدعاء أو قراءة القرآن أو غير ذلك، وهذه الصور تأخذ فقط لهذه المظاهر ومجرد انتهاء المصور من التقاط الصورة ينصف ليبحث له عن مكان آخر لتأخذ له مثل تلك الصور.
تصوير الأعمال الخيرية – بناء مسجد حفر بئر مساعدة الأيتام والأرامل – مع ذكر احصائيات طلب المنزلة في قلوب النّاس بإيرائهم خصال الخير.
نشر هذه الصور الصبيانية على صفحات وحسابات برامج التواصل.
أخبار محضة – في الطريق للحج أو عمرة زيارة الوالد العلامة لقاء طيب بالشيخ الفاضل جلسة ممتعة مع ثلة من طلاب العلم – ليري مكانه.
بث الفوائد العلمية والدرر العقدية والمنهجية والمسائل الفقهية على برامج التواصل والمواقع الأثرية لتباهي وحصد الكثير من الإعجابات ونيل العديد من المشاركات ولتفاخر بكثرة التعليقات وإعادة النشر (رتويت) أو لأي مغنم دنيوي.

وقد قيل خواطر الرياء ثلاثة:
الأول: العلم باطلاع الخلق ورجاء اطلاعهم.
الثاني: ثم يتلوه هيجان الرغبة في النفس في حمدهم، وحصول المنزلة عندهم.
الثالث: ثم يتلوه هيجان الرغبة في قبول النفس له، والركون إليه، والقيام به.
فمن لمس من نفسه وقوعه في الخواطر الثلاث في العالم التقني عليه أن يسعى جاهدا في تخلص عمله من درن الريا ويصرف نظره عن تلك الرغبات.

وصاحب الريا التقني على خطر عظيم.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((القول السديد شرح كتاب التوحيد)) : ((فإن كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءاة الناس، واستمر على هذا القصد الفاسد، فعمله حابط وهو شرك أصغر، ويخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر)) اهـ.
والنصوص متظافرة في الحث على إخلاص العمل وتخليصه من شوائب الشرك الأصغر – الرياء -، والتحذير من ركوب هذا الداء والركون إليه والتلطخ به.

ومما جاء في كتاب الله جل جلاله:
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} [البقرة: 264].
وقال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً * وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً} [النساء: 38- 39].
وقال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 142- 143].
وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47].
وقال الله سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ * وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ} [الماعون: 4- 7].

ومما صح في سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)).
متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، الرّجل يقاتل للمغنم، والرّجل يقاتل ليذكر، والرّجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله)). متفق عليه.
وعن المستورد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)). أخرجه أبو داود في ((السنن)) وصححه الألباني.
وعن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر)). قالوا: يا رسول الله، وما الشّرك الأصغر؟ قال: ((الرّياء، إنّ الله تبارك وتعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدّنيا فانظروا، هل تجدون عندهم جزاء؟)). أخرجه أحمد في ((المسند)) وصححه الألباني.
وعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: ((الغزو غزوان، فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد. فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه، وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف)). أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو داود في ((السنن)) والنسائي في ((السنن)) وغيرهم وحسنه الألباني.

فإن هاجت الرغبة إلى لذّة الإعجابات والمشاركات وإعادة النشر عليه أن يتذكر هذه النصوص في ذم الريا وتعرض المرائي لمقت الله عز وجل وعقابه الأليم وعذابه الشديد.
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان من دعائه: (اللهم، اجعل عملي صالحا، واجعله لك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا).
أخرجه الإمام أحمد في ((الزهد)) والراوي عنه الحسن وهو البصري بلفظ يوهم السماع وهو لم يسمع من عمر.
وبهذا أختم، والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
سوكنة ليبيا: ليلة الأثنين 2 ربيع الأول سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 19 أكتوبر سنة 2020 ف