بسم الله الرحمن الرحيم
المجاهر التقني بالمعاصي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
فقد جاءت الشريعة الغراء بالترغيب في ستر عيوب من حولنا من المسلمين.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)).
متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة)).
أخرجه مسلم.

كذلك حث شرعنا على أن يستر المسلم نفسه، ونهت أن يجاهر الواحد منا بالمعصية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)).
متفق عليه.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الفوائد)) (ص: 43) : ((للعبد ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس؛ فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله؛ هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس)) اهـ.

ومن المجاهرة في هذا العصر ما يُنشر على برامج التواصل من فجور ومعاصي، وهذه المجاهرة لم يشهد لها مثيل عبر القرون السابقة، فقد كان الوحد يهتك ستر الله عليه للواحد والاثنين، وربما زاد في القبح فجاهر بمعصيته في مجمع من الناس، أما ما يفعله سفهاء عصرنا من نشر صور فتوغرافية أو مقاطع فيديو لفعلهم الشنيع عبر تلك البرامج ولعل تصل مجاهرته للمئات والآلاف وربما تصل مجاهرته إلى الملايين من المشاهدين، وأحسن هؤلاء المجاهرين للمعصية من يكتب على جدران مواقع التواصل بلا حياء ولا خجل بما وقع فيه من فحش.
ومن المجاهرة بالمعصية مما لا يلتفت إليه الكثير أن ينشر الواحد صورته على صفحته وهو حالق للحيته أو يشرب الدخان، وكذلك من المجاهرة ما تنشره الفتيات والنساء من صورهن متبرجات ومتزينات على برامج التواصل.

والمجاهر بالذنب والمظهر له يعد فاسقا، فعليه أن يعض على أصابع الندم ويبكي على خطيئته وينطرح بين يدي الله تعالى ويدعو الله الغفور الستير أن يغفر له ويستر عليه، ويصلح ما أفسد فيحذف تلك الجرائم والقبائح، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل من صدق في توبته بدل الله عز وجل سيئاته حسنات.
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
فباب التوبة واسع فكل من طرقه ولجه ما لم تبلغ الروح الحلقوم وما لم تطلع الشمس من مغربها.

ومن ستر ذنوبه بستر الله تعالى عليه ينل مغفرتها يوم القيامة فضل من الله وستر.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته)).
متفق عليه.

هذا ويشرع هجر من جاهر بمعصيته من الذين لا ينفع معهم النصح على الوسائل التقنية ويكون هجرهم بالحظر وإلغاء الصداقة.
قال العلامة البغوي رحمه الله في ((شرح السنة)) : ((وأما هجر أهل المعاصي وأهل الريب والبدع في الدين، فيشرع إلى أن تزول الريبة عن حالهم، وتظهر علامات توبتهم وأماراتها)) اهـ.
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في ((الدر السنية)) : ((وأرى هجر أهل المعاصي والبدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله)) اهـ.

بل ويجب هجر المجاهر بالمعاصي عند وقوع الضرر.
أما من يرجى منه الخير ويأمن شره فيرفق به، ويقدم له النصيحة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)) : ((وخلاصة الكلام أن هجر أهل المعاصي إن كان فيه مصلحة وفائدة فهو مشروع وإلا فليس بمشروع)) اهـ.

هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 23 جمادي الأول سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 7 يناير سنة 2021 ف


ش