بسم الله الرحمن الرحيم
النمام التقني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالإفساد التقني بين الناس كبيرة من كبائر الذنوب، ومنه: النميمة التقنية، ويكون في هذه البرامج الإلكترونية بتصوير المحادثات ونقلها ونقل الصوتيات وتسجيل المكالمات ونشرها بين الأصدقاء والمعارف والأقارب للإفساد بينهم.

فمن الخيانة التقنية نشر المحادثات والمكالمات والصوتيات الخاصة بين الناس، ويزداد الطين بلة إذا كان على وجه الإفساد.
سئل العلامة سليمان الرحيلي حفظه الله ما نصيحتكم لمن يصور مثلا المحادثات الشخصية بينه وبين أخيه ثم يرسلها؟
فأجاب حفظه الله: هذه من الخيانة، هذه من الخيانة، أن يتحدث الإنسان مع أخيه بالهاتف بهذه الوسائل الواتساب، ثم ينشرها بين الناس، فهذه من الخيانة، إلا بإذنه، إذا كان الإنسان إذا حدث أخاه فالتفت فهي أمانة، فكيف بما علم بين الناس أنها أمانة؟ من الخيانة سواء في خير أو شر، أن يصور الإنسان المحادثة بينه وبين أخيه ثم ينشرها بدون إذنه، هذه خيانة ولا تجوز، ويجب على الناس أن ينتهوا عنها. انتهى.
رابط الصوتية:
https://www.youtube.com/watch?v=jPE9AthtBok

والنمام التقني : هو من يسعى في برامج التواصل وغيرها لنقل المحادثات والمكالمات والصوتيات للإفساد بين الناس.
والنميمة كبيرة عظيمة وصفة ذميمة، جاء النهي عنها والتحذير منها ومن أهلها.
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم: 11].
قال العلامة البغوي رحمه الله في ((تفسيره)) (8/ 192): ((قتات يسعى بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم)) اهـ.
وقال العلامة ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (7/ 376): ((أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: {ولا تلمزوا أنفسكم})) اهـ.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال: ((يعذبان، وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة)).
متفق عليه.
قال العلامة فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله في ((تطريز رياض الصالحين)) (ص: 849): ((في هذا الحديث: إثبات عذاب القبر، ووجوب إزالة النجاسة مطلقا، والتحذير من ملابستها.
وفيه: أن النميمة من الكبائر)) اهـ.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس)).
أخرجه مسلم.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 147): ((والعضه: من القطع والتمزيق ومنه قوله تعالى: الذين جعلوا القرآن عضين يعني قطعًا وأجزاء، يؤمنون ببعضه ويكفرون ببعضه فما هي الأداة المفرقة للأمة الممزقة لهم، قال: هي النميمة: أن ينقل الإنسان كلام الناس بعضهم في بعض من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب، وقد كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن رجلين يعذبان في قبورهما، وأخبر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة، وذلك أن بعض الناس والعياذ بالله يفتن فيكون شغوفًا بنقل الكلام، كلام الناس بعضهم لبعض، يتزين بها عند الناس، يأتي لفلان ويقول فلان قال فيك كذا وكذا قد يكون صادقًا وقد يكون كاذبًا حتى إن كان صادقًا فإنه حرام، ومن كبائر الذنوب، وقد نهى الله تعالى أن يطاع مثل هذا الرجل قال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم})) اهـ.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يدخل الجنة قتات)).
متفق عليه.
قال العلامة ابن هبيرة رحمه الله في ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (2/ 215): ((وفي رواية: (نمام، والقتات: هو النمام).
قال أبو عبيد: يقال فلان يقت الأحاديث قتًا أي ينمها.
وفيه من الفقه أن المسلم أخو المسلم، وقد يكون من الأخ على أخيه في وقت ضجره أو غضبه حال يستنزل فيها الحلم للكلمة، فإذا نقلها الناقل إلى من قيلت عنه، ولم يعين له الحال التي هاجتها، والصورة التي أثارتها، كان ذلك الناقل ساعيًا في إفساد الحال بين عباد الله عز وجل.
ولا يسمى قتاتًا إلا إذا نقل الخبيث من القول، فأما إذا نقل القول الصالح والكلم الطيب كان مصلحًا لا قتاتًا)) اهـ.

هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 5 رجب سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 17 فبراير سنة 2021 ف