بسم الله الرحمن الرحيم
التصفيق التقني


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
فإشارة التصفيق التقني الذي ظهرت في البرامج الإلكترونية لها أحكام، وسأستعرض لما يخص هذه الأحكام.

أولًا: تصفيق الرجال.
لا يشرع للرجال والشباب نشر وإرسال إشارة التصفيق التقني في الصفحات والمجموعات التي في البرامج الإلكترونية، لأن التصفيق من أعمال الجاهلية ومن خصائص النساء.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35].
التصدية معناها: التصفيق.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)).
أخرجه الشيخان.
وعن سهل بن سعد الساعدي قال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فليسبح الرجال وليصفح النساء)).
أخرجه البخاري وفي رواية لمسلم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء)).
معني التصفيح.
قال القاضي عياض رحمه الله في ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)): ((قوله فصفح القوم وأخذ الناس في التصفيح وأكثرتم من التصفيح وإنما التصفيح للنساء روى في الأمهات كذا بالحاء وروى التصفيق بالقاف أيضا ومعناهما متقارب قيل هما سواء صفق بيده وصفح إذا ضرب بأحدهما على الأخرى وقد جاء مفسرا في آخر كتاب الصلاة من البخاري في الحديث نفسه قال سهل التصفيح هو التصفيق وقيل التصفيح بالحاء الضرب بظاهر إحداهما على باطن الأخرى وقيل بل بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى وهذا للإنذار والتنبيه والتصفيق بالقاف الضرب بجميع إحدى الصفحتين على الأخرى وهو للعب واللهو)) اهـ.
ثم قال رحمه الله: ((وذم التصفيق وأنه من شأن النساء في لهوهن وأن حكم التنبيه في الصلاة التسبيح لا غير وقيل بل هو إنكار على الرجال وأنه من شأن النساء خاصة)) اهـ.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في ((تلبيس إبليس)): ((والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن الاعتدال وتتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} فالمكاء الصفير والتصدية التصفيق أخبرنا عبد الوهاب الحافظ نا أبو الفضل بن حيرون نا أبو علي بن شاذان نا احمد بن كامل ثنى محمد بن سعد ثنى أبي ثني عمى عن أبيه عن جده عن ابن عباس الامكاء يعني التصفير وتصدية يقول التصفيق.
ثم قال رحمه الله: وفيه أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة)) اهـ.
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في ((قواعد الأحكام)): ((وقد حرم بعض العلماء التصفيق على الرجال بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما التصفيق للنساء)). ولعن عليه الصلاة والسلام ((المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء)) اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله كما في ((شرح الزرقاني)): ((القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرا ونظرا لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء )) اهـ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)): ((والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا)) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء)) اهـ.
وقال عبيد الله المباركفوري رحمه الله في ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)): ((وأما قوله: والتصفيق للنساء، أي من شأنهن في غير الصلاة، وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة، أي لأنه من دأب النساء الناقصات ولهوهن خارج الصلاة)) اهـ.
وقال العلامة حمود بن عبد الله بن حمود التويجري رحمه الله في ((الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين)): ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على الرجال لما صفقوا في الصلاة لأنهم فعلوا فعلاً لا يجوز للرجال فعله ولا يليق بهم وإنما يليق بالنساء وقد قرن الإنكار ببيان العلة في ذلك فقال إنما التصفيق للنساء.
فهذه الجملة تفيد منع الرجال من التصفيق ألبتة وأنه ينبغي الإنكار على من صفق منهم)) اهـ.
ثم قال رحمه الله: ((لأن التشبه بالنساء حرام على الرجال والمتشبه بهن ملعون واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر وفيما قاله هؤلاء كفاية في بيان قبح التصفيق من الرجال وذم من يتعاطى ذلك منهم)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)): ((وكثير منهم يصفقون في الأندية والمجتمعات عند التعجب واستحسان المقالات فيتشبهون بكفار قريش وبطوائف الإفرنج في زماننا وغيرهم من أمم الكفر والضلال ويتشبهون أيضًا بالنسوان لأن التصفيق من أفعالهن في الصلاة إذا ناب الإمام شيء فيها)) اهـ.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في ((مجموع فتاوى)): ((ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكلا ذلك منهي عنه. والله ولي التوفيق)) اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة كما في ((الفتاوى)): ((لا ينبغي هذا التصفيق، وأقل أحواله الكراهة الشديدة لكونه من خصال الجاهلية ولأنه أيضاً من خصائص النساء للتنبيه في الصلاة عند السهو)) اهـ.

ثانيًا: تصفيق النساء.
أما إشارة التصفيق التقنية للنساء فلا بأس بها بشرط أن تكون في نطاق ضيق في مجموعات النساء وفي المراسلات الخاصة بينهن.
وإذا كان ارسال إشارة التصفيق التقني في المجموعات المختلطة وعلى الصفحات العامة وفيما يشاهده الجميع، فأقل أحواله الكراهة.

تنبيه:
من استحسن شيء واعجبه كبر أو سبح أو قال: أحسنت أو أصبت.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت. فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له.
فقال للذي لم يعد: ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)) وقال للآخر: ((لك الأجر مرتين)).
أخرجه أبو داود و النسائي وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) (1/667): ((تشجيع من أصاب السنة في عمله حتى يقوى على معرفة السنة ليكون مصيبًا لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصبت السنة)) ولم يقل: أجزأتك صلاتك فقط أو ما أشبه ذلك من العبارات، لكن قال: ((أصبت السنة)) تشجيعًا له ولغيره على أن يحرص على إصابة السنة)) اهـ.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء.
فقال لي: ((أحججت)).
فقلت: نعم.
فقال: ((بم أهللت)).
قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ((فقد أحسنت)).
متفق عليه.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه)) (6/ 15) : ((ولا يفوتني هنا أن أنبه أنه يشرع عند سماع الإنسان ما يسره من خطبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله، أما التصفيق الذي يفعله بعض الناس فليس من شرع الله سبحانه وتعالى بل هو منكر، ومن أعمال الجاهلية التي كانوا يفعلونها، ولكن المشروع عند سماع الإنسان في الخطبة أو ما يقوله مديره أو غيره من كلمات طيبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله)) اهـ.

هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
âœچï¸ڈ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 19 شعبان سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 2 أبريل سنة 2021 ف