بسم الله الرحمن الرحيم
إحصار المعتكف زمن الوباء (كورونا)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
ففي مواسم الخيرات يقبل أهل الخير على الطاعات ويسارع العباد للتزود بالقربات، من ذكر ودعاء وقراءة القرآن والصلاة والصدقة والصيام وغير ذلك.
ومن العبادات التي يشمر لها المجدون الاعتكاف.
غير أن في زمن الوباء (كورونا) كثير من الجهات المختصة منعت الاعتكاف، وهناك من كان مجدا خاصة في رمضان وخاصة في العشر الأخيرة منه.
كما أن هناك من لم يتمكن في هذا العام من الاعتكاف لمرض أو كبر سن أو لشغل أو لغير ذلك من الموانع.
فللجميع البشارة أن أجرهم حاصل – فضل من الله الكريم -.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)).
أخرجه البخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فقال: ((إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر)).
أخرجه البخاري.
بل من نوى الاعتكاف له أجر على نيته.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنية)).
متفق عليه.
قال العلامة ابن باز رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)) (18/ 266-268) : ((لعبد إذا نوى الخير ومنعه مانع شرعي، أو مانع حسي كالمرض، فإنه يكتب له أجر العاملين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند غزوة تبوك: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة، قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر)) وفي لفظ آخر: ((إلا شركوكم في الأجر)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)) هذا من فضل الله عز وجل، وقال في الحديث الصحيح: ((الدنيا لأربعة: رجل، أعطاه الله مالا وعلما فهو يتقي في ماله ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقه، فهذا بأرفع المنازل، ورجل أعطاه الله علما ولم يعط مالا، فكان يقول: لو كان لي من المال مثل فلان لعملت فيه مثل عمله، قال: فهذا بنيته فهم في الأجر سواء)) ولما قالت عائشة: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد، قال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)) فجهادكن الحج والعمرة، متى تيسر لك الحج أو العمرة، ووافق زوجك على ذلك، فهذا من الجهاد في حقكن، وعليك الجهاد بالمال، إذا كان عندك مال تساعدين بالمال حسب الطاقة، فيكون لك أجر الجهاد بالمال، تسلحين بالمال ما تستطيعين للجهات التي تقبل المال للمجاهدين، ويكون لك نصيب وأجر المجاهدين بالمال، ونرجو لك أيضًا أجر المجاهدين بأنفسهم؛ لأنه منعك من الجهاد بالنفس العذر الشرعي، وهو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن عليكن جهادًا لا قتال فيه؛ الحج والعمرة، وأن الله أسقط عنكن الجهاد بالنفس، وجعل عليكن الجهاد بالحج والعمرة، والمال كما في النصوص الأخرى، لقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقد اختلف العلماء، هل على المرأة جهاد بالمال على قولين: والأقرب والأرجح أن عليها جهادًا بالمال؛ لأنها داخلة في العموم إذا كان عندها مال وعندها سعة فإنها تجاهد من مالها مع قيامها بما يسر الله من الحج والعمرة، والمرأة قد تصل بنيتها إذا أحسنتها ما لا يصل إليه الرجال)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)) (8/ 507) : ((بل إن الإنسان إذا كان من عادته العمل، وحيل بينه وبينه لسبب؛ فإنه يكتب له أجره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)) اهـ.
فمن هذه النصوص النبوية وأقوال علماء الملة يتبين أن من كانت عادته الاعتكاف في شهر رمضان واحصر بسبب وباء كورونا أو حبسه حابس أو منعه مانع شرعي أو حسي لا يعدم من الأجر فضل من الله ورحمة.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 23 رمضان سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 5 مايو سنة 2021 ف