بسم الله الرحمن الرحيم
فقه مكبرات الصوت في المساجد
(الحلقة الأولى)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فعندما جلبت مكبرات الصوت للمساجد ولم يتصور بعض أهل العلم التصور الصحيح لها فبادر البعض لتحرمها، ومن عرفها وفهم طبيعة عملها وتصورها التصور الصحيح أجازها من باب المصالح المرسلة، ومن المقرر عند أهل العلم أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، بل عدها البعض من نعم الله علينا.
وهذه النعمة العظيمة استخدمها البعض في المساجد فيما يخالف الشرع ولم يحسنوا استعمالها، وكذلك تنوع استخدامها، واحتاج الكثير لمعرفة أحكام هذا التنوع في الاستخدام، فجمعت من أقوال العلماء وفتاواهم ليتيسر الوصل للمراد في أقصر طريق وأقرب وقت ولتكون نبراسا لطالب العلم ونورا يضيء له هذه المسائل، وربما ذكرت أكثر من قول في المسألة، وسميته:
((فقه مكبرات الصوت في المساجد))
وهذه الأقوال والفتاوى في عدة مباحث منتشرة في بطون كتب أهل العلم، فجمعت شتاتها، ونظمتها في هذا البحث، حيث أني لم أقف على بحث جمع في هذا الباب.
وأسأل الله تعالى أن ينفعني به {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}، كما أسأله سبحانه أن ينفع به قرأه ومن انتفع به ونظر فيه إن ربي سميع الدعاء وهو أهل الرجاء.

مكبرات الصوت من نعم الله علينا.
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في ((الفواكه الشهية في الخطب المنبرية)) حين وضع مكبر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس: ((فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((وكذلك مكبر الصوت (المكرفون) ، أيضًا أنكره بعض الناس أول ما ظهر، لكن بدون تحقيق، وأما المحققون فلم ينكروه، بل رأوا أنه من نعمة الله - عز وجل- أن يسر لهم ما يوصلوا [كذا] خطبهم ومواعظهم إلى الأبعدين)) اهـ.
ولكن هذه النعمة المفيدة استغلها بعض المخالفين وأهل البدع والأهواء استغلا سيئا واستعملوها فيما يخالف شرع الله وفي تروج الأفكار القبيحة والبدع المضللة.
وفي هذا البحث سأبين جملة من أحكام هذه المكبرات، وبقي أشياء يسر الله تحريرها.

الأصل في استعمال مكبرات الصوت.
قال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام من بلوغ المرام)): ((فكل أداة حديثة وصل إليها الإنسان بما علمه الله، وسخر له من وسائل، إذا كانت تخدم غرضا شرعيا، أو واجبات الإسلام، وتحقق فيه من النجاح ما لم يتحقق دونها -تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذي تخدمه، وتحققه من المطالب الشرعية؛ وفقا للقاعدة الأصولية المعروفة، وهي: أن ما يتوقف عليه تحقيق الواجب فهو واجب، والله سبحانه هو الموفق)) اهـ.

اختلاف أهل العلم في حكمه أول ظهوره.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((كذلك مكبر الصوت (المكرفون) ، أيضًا أنكره بعض الناس أول ما ظهر، لكن بدون تحقيق، وأما المحققون فلم ينكروه، بل رأوا أنه من نعمة الله- عز وجل- أن يسر لهم ما يوصلوا خطبهم ومواعظهم إلى الأبعدين)) اهـ.

حكم وضع مكبر الصوت في المساجد.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة، من ذلك مكبر الصوت، مكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد فيكون خيراً ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها)) اهـ.

الأذان.
قالت اللجنة الدائمة كما في ((فتاواها)): ((يشرع رفع الصوت بالأذان ولو كان الرفع بمكبر الصوت)) اهـ.
لأن مكبرات الصوت تحقق العلة التي من أجلها قُصِدَ الأذان.

الأذان بمكبرات الصوت داخل المسجد.
يوجد قولان لأهل العلم.
القول الأول:
قال ابن الحاج رحمه الله في ((المدخل)): ((فيمنع من الأذان في جوف المسجد لوجوه:
أحدها: أنه لم يكن من فعل من مضى اللهم إلا أن يكون للجمع بين الصلاتين فذلك جائز في جوفه.
وأما الإقامة فلا تكون إلا في المسجد.
الثاني: أن الأذان إنما هو نداء للناس ليأتوا إلى المسجد ومن كان فيه فلا فائدة لندائه لأن ذلك تحصيل حاصل ومن كان في بيته فإنه لا يسمعه من المسجد غالبا. وإذا كان الأذان في المسجد على هذه الصفة فلا فائدة له وما ليس فيه فائدة يمنع.
الثالث: أن الأذان في المسجد فيه تشويش على من هو فيه يتنفل أو يذكر أو يفعل غير ذلك من العبادات التي بني المسجد لأجلها)) اهـ.
وقال العلامة الألباني رحمه الله في ((الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة)): ((لكننا نعتقد أن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع لأمور منها التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين ومنها عدم ظهور المؤذن بجسمه فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم (الأذان).
لذلك نرى أنه لابد للمؤذن من البروز على المسجد والتأذين أمام المكبر فيجمع بين المصلحتين وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه ويوصل إليه مكبر الصوت فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس.
ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد كما هو ظاهر)) اهـ.
القول الثاني:
قالت اللجنة الدائمة كما في ((فتاواها)): ((وإذا كان المقصود من الأذان ما ذكر من إعلان شعيرة الإسلام، والتعريف بدخول وقت الصلاة والدعوة إليها، فحيثما أذن المؤذن داخل المسجد أو عند بابه أو على سطحه، رآه الناس وقت الأذان أو لم يروه فقد أدى المطلوب شرعا، مع مراعاة أن يكون المؤذن صيتا ليكون ذلك أكمل في الإبلاغ ولو بواسطة المكبر للصوت، ولا فرق في ذلك بين الأذان لصلاة الجمعة وغيرها)) اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة أيضا كما في ((فتاواها)): ((لا ينبغي الإنكار على المؤذن إذا أذن داخل المسجد؛ لأننا لا نعلم دليلا يدل على الإنكار عليه)) اهـ.

الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين.
يوجد قولان لأهل العلم.
القول الأول:
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة)): ((ولا بد من التذكير هنا بأنه لابد للمؤمنين من المحافظة على سنة الالتفاف يمنة ويسرة عند الحيعلتين فإنهم كادوا أن يطبقوا على ترك هذه السنة تقيدا منهم باستقبال لاقط الصوت ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين وعلى اليسار قليلا بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها والتبليغ الكامل.
ولا يقال: إن القصد من الالتفاف هو التبليغ فقط وحينئذ فلا داعي إليه مع وجود المكبر لأننا نقول: إنه لا دليل على ذلك فيمكن أن يكون في المر مقاصد أخرى قد تخفى على الناس فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال)) اهـ.
القول الثاني:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((لقاء الباب المفتوح)): ((الالتفات عند الحيعلتين من السنة، لكن الآن لما كان الناس يؤذنون في مكبر الصوت صار الالتفات قد يكون سبباً لخفاء الصوت؛ لأنه إذا التفت لم يكن مقابلاً للآلة اللاقطة وحينئذ يخفى الصوت، فالذي نرى في هذه الحال أنه يبقى متجهاً إلى الآلة اللاقطة بدون التفات، أما وضع اليدين في الأذنين فنعم باقية؛ لأن وضع الإصبعين في الأذنين يؤدي إلى قوة الصوت)) اهـ.

وضع السبابة في الأذنين.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((لقاء الباب المفتوح)): ((لكن وضع السبابة في الأذنين هذه سنة، حتى وإن كنت تؤذِّن في مكبر الصوت)) اهـ.

التثويب.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)): ((إنما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبا لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين)) رواه البيهقي 1 / 423 وكذا الطحاوي في ((شرح المعاني)) 1 / 82 وإسناده حسن كما قال الحافظ. وحديث أبي مخذورة مطلق وهو يشمل الأذانين لكن الأذان الثاني غير مراد لأنه جاء مقيدا في رواية أخرى بلفظ: ((وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم)). أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم وهو مخرج في ((صحيح أبي داود)) 510 - 516 فاتفق حديثه مع حديث ابن عمر ولهذا قال الصنعاني في ((سبل السلام)) 1 / 167 - 168 عقب لفظ النسائي:
((وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات. قال ابن رسلان: وصحح هذه الرواية ابن خزيمة قال: فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر لأنه لإيقاظ النائم وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة. اهـ من ((تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي)). ومثل ذلك في ((سنن البيهقي الكبرى)) عن أبي محذورة: أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم.
قلت: وعلى هذا ليس ((الصلاة خير من النوم)) من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول)).
قلت: وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لجريان العمل من أكثر المؤذنين في البلاد الإسلامية على خلاف السنة فيها أولا ولقلة من صرح بها من المؤلفين ثانيا فان جمهورهم - ومن ورائهم السيد سابق - يقتصرون على إجمال القول فيها ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة خلافا للبيان المتقدم من ابن رسلان والصنعاني جزاهما الله خيرا)) اهـ.

الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بعد الأذان عبر مكبر الصوت.
قال العلامة ابن باز رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)): ((السنة بعد الأذان قفل المكبر إذا قال: لا إله إلا الله.
انتهى الأذان، يقفل المكبر وأن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصوت العادي بعد ذلك من غير أن يكون في المكبر؛ لأن السنة أن المؤذن يجاب، يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) يعني يقول مثله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله.
إلى آخره، إلا: عند حي على الصلاة.
يقول: لا حول ولا قوة إلا الله.
وعند: حي على الفلاح.
يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم يقول بعد هذا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مؤذنا بعد قفل المكبر لا يصلي مع الأذان يصلي بعد انتهاء الأذان بقوله: لا إله إلا الله.
ويقفل المكبر ثم يصلي على النبي يصلي عليه بالصوت العادي الذي يسمعه من حوله ثم يكمل ويصلي على النبي ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، ...)) اهـ.

الدعاء بعد الأذان.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)): ((إذا أتيت بهذا الدعاء المشروع بعد الأذان في مكبر الصوت صار كأنه من الأذان ثم إن هذا الأمر لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فهو من البدع التي ينهى عنها حتى لو قلت مثلاً إنني أقصد التعليم بهذا ليعرف الناس مشروعية هذا الذكر نقول إن التعليم يمكن بعد أن تفرغ من الصلاة ويحضر الناس تنبههم إلى هذا ولو عن طريق مكبر الصوت وتقول إنه ينبغي للإنسان إذا فرغ من الأذان أن يقول كذا وكذا وأما أن تصله بالأذان بحيث يظن الظان أنه منه فإن هذا من البدع)) اهـ.

حكم إعادة الأذان عبر المكبر بعد الأذان بدونه.
سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((لقاء الباب المفتوح)): ((فضيلة الشيخ: إذا أذن المؤذن بدون مكبر الصوت لانقطاع التيار الكهربائي، ثم بعد أذانه مباشرة جاء التيار، فهل يعيد الأذان في مكبر الصوت أم يكتفي بأذانه الأول؟
الجواب: يكفي أذانه الأول ولا حاجة للإعادة؛ لأن هناك مساجد أخرى حوله قد سمع الناس التأذين منها، أما لو كان مسجداً منفرداً ليس هناك غيره فهنا يعيد؛ حتى يعلم الناس بدخول وقت الصلاة)) اهـ.

وضع تسجيل الأذان أمام مكبر الصوت.
قال العلامة حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله كما في ((المجموع)): ((دخلت دولة تونس، فرأيتهم لا يؤذنون في مساجدهم وإنما يضعون مسجلاً بجانب مكبر الصوت فيه أذان مكة أو المدينة)) اهـ.
وقال العلامة الألباني رحمه الله في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)): ((وما لنا نذهب بعيداً؛ فقد شاهدت أنا وغيري في بعض قرى عمان؛ (الناعور) - لما ذهبنا إلى صلاة المغرب في مسجدها- الشمس لما تغرب بعد، والأذان يعلن من مكبر الصوت الذي على المنارة مذاعاً من إذاعة الدولة من بعض مناطق عمان! وتتكرر هذه المشاهد المخالفة في كثير من البلاد كما رأينا وسمعنا مثله من غيرنا)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((الضعيفة)): ((ولعل هذا الحديث هو حجة من ابتدع الأذان الموحد في عمان - الأردن، وغيرها من البلاد الإسلامية، فإنهم يذيعون الأذان في مسجد أبي درويش في الأشرفية، فيعطلون الأذان في سائر المساجد! ومع أن الحديث ضعيف كما بينّا فإنه ليس صريحًا في ذلك.
ولست أدري - والله! - كيف تجرّأ على إحداث هذه البدعة من أحدثها بعد هذه القرون الطويلة، ومع استمرار سائر عواصم البلاد الإسلامية على المحافظة على الأذان في كل مسجد وإعلانه بواسطة مكبر الصوت!)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((فإن جعل عنده مسجلاً فيه التسمية وعند الذبح شغل المسجل، أو عند الإرسال فلا ينفع؛ لأن التسجيل حكاية صوت، وليس إنشاء صوت. ومثل ذلك عمل الذين يضعون مسجلاً قد سجلوا فيه الأذان، فإذا دخل وقت الصلاة وضعوه أمام مكبر الصوت فهذا لا يجزئ)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)): ((وأما كونها قد سجلت صوت زوجها بالأذان من أجل أن تضعه عند مكبر الصوت حين يحين الوقت فإن هذا ليس بجائز وذلك لأن الأذان عبادة فيجب أن يتعبد به الإنسان على حسب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوم الإنسان به بنفسه ولا يجعله مسجلاً فمثل هذه الحال ننصحها بأن ترتب مؤذناً لهذا المسجد إن كانت تستطيع وإلا فلتتصل بوزارة الشؤون الدينية حتى ترتب لهذا المسجد مؤذناً)) اهـ.

حكم الأذان العثماني مع وجود المكبر.
يوجد قولان لأهل العلم.
القول الأول:
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة)): ((ولا يفوتني أن أقول: إن هذا الذي ذهبنا إليه إنما هو إذا لم يذع الأذان عند باب المسجد بالمذياع أو مكبر الصوت وإلا نرى جوازه لأنه حينئذ تحصيل حاصل كما سبق بيانه.
ثم قال:
قد مضى أن عثمان رضي الله عنه إنما زاد الأذان الأول: (ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت) فإذا أذيع الأذان المحمدي بالمذياع فقد حصلت الغاية التي رمى إليها عثمان بأذانه وأعتقد أنه لو كان هذا المذياع في عهد عثمان وكان يرى جواز استعماله كما نعتقد لكان رضي الله عنه اكتفى بإذاعة الأذان المحمدي وأغناه عن زيادته)) اهـ.
القول الثاني:
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله كما في ((المنتقى من فتاواه)): ((الأذان الأول سنة الخلفاء الراشدين، فقد أمر به عثمان - رضي الله عنه - في خلافته لما كثر الناس وتباعدت أماكنهم، فصاروا بحاجة إلى من ينبههم لقرب صلاة الجمعة، فصار سنة إلى يومنا هذا، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. وعثمان من الخلفاء الراشدين وقد فعل هذا وأقره الموجودون في خلافته من المهاجرين والأنصار، فصار سنة ثابتة)) اهـ.

سماع الأذان عبر المكبر من المسجد البعيد الذي يشق الوصول إليه لا يتعلق به حكم.
قال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام من بلوغ المرام)): ((أما سماع النداء من مكان بعيد يشق الوصول إليه بواسطة مكبر الصوت-: فهذا سماع لا يتعلق به حكم، فلا يجب على سامعه الحضور؛ فإنَّ العبرة بالمعاني المرادة في هذه الفقرة، وفي التي قبلها، ومراد الشارع معروف من الأمر)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((فإذا كانوا يسمعون الأذان لولا مكبر الصوت بمعنى: أنهم يكونون قريباً من المسجد فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد، أما إذا كانوا بعيداً ولولا مكبر الصوت لما سمعوه فلا بأس أن يصلوا جميعاً في مكانهم، لكن عليهم أن يبادروا بصلاة الظهر، وصلاة العصر، والمغرب، أما صلاة العشاء فالأفضل أن يؤخروها إلى ثلث الليل)) اهـ.

الإقامة.
قولان لأهل العلم.
القول الأول:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)): ((ففي يستفاد من هذا الحديث فوائد كثيرة؛ منها: أن الإقامة تسمع من خارج المسجد لقوله: "إذا سمعتم الإقامة"، ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي للمقيم أن يرفع صوته بها، لا يقول: إن العدد الحاضر قليل يكفيهم أدنى صوت ليس الأمر كذلك بل يرفع صوته ليسمع من خارج المسجد.
ويستفاد من هذا: أنه لا بأس أن ترفع الإقامة من مكبر الصوت؛ لأنه إذا رفعت من مكبر الصوت سمعه الناس وحضروا، كما أن النداء ليوم الجمعة الذي أنيط به الحكم بالحضورية يسمع من خارج المسجد، ويكون بمكبر الصوت.
يقول بعض الناس: إنه يحصل بذلك مفسدة، والمفسدة هي أن الناس يتأخرون في بيوتهم إلى الإقامة.
والجواب على ذلك: أنه لا يلزمهم الحضور إلا إذا سمعوا الإقامة لقوله: ((إذا سمعتم الإقامة))، ما قال: ((إذا أذن)).
ولكن هل نقول: إنه إذا كان محله بعيدًا بحيث يكون حضوره أو وصوله إلى المسجد بمنزلة حضور من سعى عند سماع الإقامة، فهل يلزمه أن يتقدم كما قال العلماء -رحمهم الله- فيمن كان منزله بعيدًا يوم الجمعة: إنه يجب عليه أن يسعى إلى الجمعة، وإن لم يسمع المؤذن إذا كان مكانه بعيدًا بحيث يدرك الخطبة والصلاة؟
يحتمل هذا، ويحتمل أن يبقى الحديث على عمومه، ويقال: لا يجب السعي إلى الصلاة إلا بسماع الإقامة)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون يعني إذا سمعتم الإقامة من خارج المسجد وهذا يدل على أن الإقامة تسمع من خارج المسجد وهو الظاهر.
ثم قال: يستفاد من هذا الحديث فوائد منها ...
ومنها: أنه لا بأس أن تسمع الإقامة من خارج المسجد وعلى هذا فإذا أقام المؤذن في مكبر الصوت ليسمع من كان خارج المسجد فلا بأس وإن كان بعض الناس قد اعترض على هذا إذا وقال إنه إذا أقام من خارج المسجد تكاسل الناس وصاروا لا يحضرون إلا إذا سمعوا الإقامة وربما تفوتهم الركعة الأولى أو يفوتهم أكثر حسب قربهم من المسجد أو بعدهم منه ولكن ما دام قد حدث مثله في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأن الإقامة كانت تسمع من الخارج فإننا نرى أنه لا بأس بذلك)) اهـ.
القول الثاني:
قال العلامة الألباني رحمه الله كما في ((سلسلة الهدى والنور)): (([ الكلام أوله مبتور] ما بيصلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، تركوا هذه الصلاة للمؤذن بس ، مع أن القضية معكوسة ، المؤذن وظيفته : الأذان وبس ، بينتهي أذانه بـ (لا إله إلا الله( ، آخرين وظيفتهم : يصلوا على الرسول عليه السلام ، والمليح منهم : اللي بيقول : اللهم صلِ على محمد ، بينما لازم تكون صلاة كاملة ، فيه صلاة بنصليها في الصلاة التي اسمها : الصلاة الإبراهيمية فهذا بعد الإجابة يأتي الأذان أي : يأتي الصلاة ، بعد الصلاة يأتي الدعاء له عليه السلام بالوسيلة ، وهو أن يقول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آتِ محمد الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقامًا محموداً الذي وعدته (( بس ، إلى هنا ، ما فيه إنك لا تخلف الميعاد)) اهـ.

الاستغناء عن المنارة مع وجود المكبرات.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة)): ((غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المأذنة كأداة للتبليغ لا سيما وهي تكلف المبالغ الطائلة فبناؤها والحالة هذه مع كونه بدعة - ووجود ما يغني عنه - غير مشروع لما فيه من إسراف وتضييع للمال ومما يدل دلالة قاطعة على أنها صارت اليوم عديمة الفائدة أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة مستغنين عنها بمكبر الصوت)) اهـ.

تأدية الصلاة عبر مكبر الصوت في محيط المسجد.
قال العلامة حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله كما في ((المجموع)): ((إن بعض الأئمة يروق له أن يصلي على مكبر الصوت، وهذا إذا كان ينشط المأمومين لا بأس به بشرط أن يكون ذلك داخل المسجد لئلا يشوش على من حوله من المساجد أو على من حوله من البيوت فمن يصلون ويعبدون الله، فإن كان يشوش عليهم فليس له أن يرفعه في مكبر الصوت، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فأخبرهم أن كل مصلٍ يناجي ربه، وقال لهم: ((لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن)) فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهر بعضهم على بعض في القرآن، لأن ذلك يشوش على الناس)) اهـ.

نقل الصلاة عبر مكبر الصوت خارج المسجد.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرونَ بالقراءة، فكَشَفَ السترَ فقال: ((ألا إنَ كُلَّكم مُناجِ ربَّه، فلا يُؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً، ولا يَرْفَعْ بعضُكم على بعضٍ في القراءة)) أو قال: ((في الصلاة)).
أخرجه أبو داود واللفظ له، وأحمد والنسائي في ((السنن الكبرى)) وابن خزيمة وعبد بن حميد وصححه الألباني.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العشاء وبعدها، يغلط أصحابه وهم يصلون).
أخرجه أحمد ومسدد كما في ((المطالب العالية)) للحافظ ابن حجر العسقلاني وأبو نعيم الأصبهاني في ((أخبار أصبهان)) وقال محقق المسند: حسن لغيره.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟))
فقال رجل: نعم يا رسول الله.
قال: ((إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟))
قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الهدى والنور/361/ 36: 11)): ((كنت في الطائف لما أُذِّن لأذان المغرب، ومعي ناس من إخواننا المصاحبين لنا من بعض البلاد وهم مسافرون معي، فتَرَخَّصت ولم أنزل إلى المسجد، وصليت في الدار إماماً، وإذا بي أفاجأ بشيء لم يسبق لي مثل هذه المفاجأة، أنا أقرأ والإمام يقرأ أيضاً، الإمام يقرأ وصوته كالأذان مذاع، فهو يُشوِّش عليّ، إن كان لا يشوش علي فيشوش على غيري من النساء والحريم الِّلي قال عنهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((بيوتهن خير لهن)).
إذاً: ساعتها انتبهت لهذا الموضوع، وقلت: هذا ينبغي أن أتنبه أنه لا يجوز إذاعة الصلاة كما نذيع ماذا؟ الأذان، وبدأت أيضاً ألاحظ وكلما فكرت ازددت إيماناً بصواب هذا التنبه والتنبيه، فقد ذهبنا إلى بعض البلاد في المنطقة الشرقية وإلى .. الإحساء، فأقاموا لنا مخيماً كبيراً، وألقينا بعض الكلمات من العصر إلى أذان المغرب.
المخيم فيه ناس أكثر من أي مسجد في ذلك الوقت، وصلينا هناك إماماً، قبل الصلاة سمعنا أذاناً من هنا، وأذاناً من هنا، مساجد هناك -والحمد لله- كثيرة يعني، ثم يذاع الأذان بمكبر الصوت، وسرعان ما أذيعت الصلاة بمكبر الصوت، فتسمع من هاهنا قراءة إمام، وتسمع من هاهنا قراءة إمام؛ يصير فيه أيش؟ تشويش على بعضنا البعض، ثم نحن أيضاً لما صلينا أصابنا ما أصاب غيرنا من التشويش.
فإذاً: ينبغي أن نلاحظ القواعد الشرعية، وأن نُحسن تطبيقها مع مراعاة دقة الأحكام الشرعية في الإسلام؛ فالتفريق المعروف بين الأذان والإقامة لا يجيز لنا التسوية في الإذاعة، وهذا ما هو اليوم -مع الأسف- واقع وليس يُلاحظ به هذا المعنى الفقهي الدقيق)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((لكن الشيء الذي يخشى منه الإثم ما يفعله بعض الناس فينقل الصلاة نفسها عبر مكبر الصوت من المنارة، فإن هذا يشوش على من حوله لاسيما في صلاة الليل الجهرية، يشوش على أصل البيوت، ويشوش على المساجد القريبة، حتى إننا سمعنا بعض الناس إذا سمع مكبر الصوت من مسجد قريب وكان الإمام حسن الصوت والقراءة صار المأموم الذي في هذا المسجد يتابع بقلبه الإمام في المسجد الثاني، حتى سمعنا أن بعضهم أمن على قراءة إمام المسجد الثاني لما قال إمام المسجد الثاني {ولا الضالين} قال هؤلاء: آمين، وهذا ليس ببعيد لأن القلب إذا انشغل بشيء أعرض عن غيره، فإذا كانوا يتابعون قراءة المسجد المجاور وكانت قراءة الإمام جيدة في الصوت والأداء فإن القلب قد يلهى عن الإمام الذي بين يديه، وقد ثبت في موطأ الإمام مالك رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة وأصحابه في المسجد يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بم يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن))، وعند أبي داود ((ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة))، فجعل هذا أذية ونهى عنه والواقع شاهد بذلك، ولهذا نرى أن الذين يفعلون هذا، يؤدون الصلاة عبر مكبر الصوت نرى أنهم إذا كانوا يؤذون من حولهم فإنهم آثمون، فإذا كان هذا العمل يكون فيه الإنسان إما آثما وإما سالما، فلا شك أن تركه أولى، وهو في الحقيقة لا فائدة منه، لأن الإنسان لا يصلي إلى من هم خارج المسجد، إنما يصلى لأهل المسجد، أما الذين في الخارج فلا عليك منهم، ثم إن هذا العمل فيه مفسدة أخرى: وهي أن بعض الناس يتكاسل عن آتيان المسجد للصلاة ما دام أنه يسمع صوت قراءة الإمام، فيتكاسل وكلما أراد أن يقوم ثبطه الشيطان وقال له انتظر الركعة الثانية، انتظر الثالثة، اجلس حتى لا يبقى إلا ركعة، فيحرم بذلك من الخير، لهذا نوصى إخواننا لاسيما الأئمة ألا يفعلوا هذا، وأن تسلم ذممهم ويسلم إخوانهم من أذيتهم حتى في البيوت أيضا، ربما بعض الناس يكون قد صلى ويجب أن ينام ويرتاح، قد يكون مريضا فيزعجه هذا الصوت، وقد يكون المسجد قريبا من السطوح في أيام القيظ وفيه الصبيان فيفزعهم صوت المكبر، فالحاصل أن هذه المسالة ابتلى بها بعض الناس نسأل الله أن يعافينا وصاروا يؤذون من بجوارهم من المساجد أو البيوت في أمر لا فائدة منه)) اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله في ((تعليقات على الكافي لابن قدامة)): ((ومن هذا ما حدث أخيراً من رفع الصلاة على مكبر الصوت في المنارة، فإن بعض المساجد إذا سمعوا تكبير من حولهم ظنوه إمامهم فركعوا أو سجدوا، بل إن بعض المأمومين إذا كان قراءة جارهم في المسجد قراءة جيدة مجودة بصوت حسن يمشون مع هذا الإمام ويتركون إمامهم، ما يدرون ما الذي قرأ يمشون مع هذا الإمام فإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} قالوا: آمين، وإن كان إمامهم في سورة أخرى وهذا من مفاسد رفع الصلاة بمكبر الصوت من فوق المنارة)) اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله في ((جلسات رمضانية)): ((وفي حديث آخر: ((لا يؤذينَّ بعضُكم بعضاً)) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا إيذاءً، وصدق رسول الله، إذا سَمعتَ إنساناً يَجهر بالقراءة حولك، وأنت تصلي لا شك أنه يؤذيك، ويشوش عليك، وربما تكرر الآية مرتين أو ثلاثاً مع الانشغال.
ومن هنا نأخذ خطأ أولئك الذين يصلون في المنارة، الآن بعض الناس في المنارة يفتحون مكبر الصوت على المنارة وهو يصلي الفريضة أو النافلة، هذا لا شك أنهم مخطئون، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة؛ لأنهم يؤذون من حولهم من أهل البيوت، يمكن بعض الناس يريد يصلي، ومن النساء من تصلي في بيتها، وهذا مكبر الصوت يشوش عليها، ما يتركها تصلي، ربما يوجد أناس في البيوت يحتاجون إلى نوم وراحة، لمرض أو غير مرض، فيشوش عليهم هذا الصوت، ويزعجهم ويقلقهم، وأيضاً في المساجد المتقاربة يحصل التشويش، ولقد حُدِّثْت أن بعض الناس في المساجد القريبة تكون قراءة إمام المسجد الذي هو جار لمسجدهم قراءة جيدة، وإلقاء طيب، وصوت جميل، فينسجمون معه، ويتركون إمامهم، فإذا قال المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال هؤلاء: آمين، أحياناً ربما يرفعون معه، هذا من أعظم الجناية على الناس.
ولهذا أنا أرجو منكم إذا سمعتم مسجدنا على هذا أن تنصحوه لله، وتقولوا: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكم بيننا وبينك فهذا كلامٌ لأصحابه، قال: ((لا يؤذين بعضُكم بعضًا في القراءة)) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم عليه الصلاة والسلام: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] نحن لا نعارضك بعقولنا، حتى تقول: أنا عندي عقل مثلك، نعارضك بنص واضح، وأنت تؤذي، لا أحد يشك في أذيتك)) اهـ.

تكبيرات الانتقال.
قال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام من بلوغ المرام)):
((قرار المجمع الفقهي الإسلامي ...
2 - أن استخدام مكبر الصوت في أداء خطبة الجمعة والعيدين، وكذا القراءة في الصلاة، وتكبيرات الانتقال -لا مانع منه شرعا، بل إنه ينبغي استعماله في المساجد الكبيرة المتباعدة الأطراف؛ لما يترتب عليه من المصالح الشرعية)) اهـ.

التبليغ.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله في ((التحبير لإيضاح معاني التيسير)): ((وأما التبليغ جماعة الذي عملوا لأجله الدكّة فهو غير مشروع بهذه الصفة التي هم عليها، بل هو من البدع التي أدّت إلى مفاسد، فكيف يعمل له دكّة لا سيما من مال الوقف.
قال في ((المدخل)) ما ملخصه: أن التبليغ جماعة يوقع خللاً في الصلاة, ذلك أنهم يبلغون مثنياً بعضهم على صوت بعض مع رفع أصواتهم بالتكبير في الصلاة, على ما يعلم من زعقاتهم، وذلك يذهب الحضور والخشوع أو بعضه، ويذهب السكينة والوقار ... )) اهـ.

اقتداء النساء بالإمام بواسطة مكبر الصوت.
قالت اللجنة الدائمة وفقها الله في ((فتاواها)): ((إذا كان مصلى النساء الذي تريدون بناءه داخل حدود المسجد فلا مانع منه، ويكفي في اقتداء النساء بالإمام سماع صوت الإمام بواسطة مكبر الصوت، ولا يشترط في هذه الحالة رؤيتهن للإمام أو أحد المأمومين)) اهـ.

اقتداء النساء وهن في البيوت بالإمام بواسطة مكبر الصوت.
سئلت اللجنة الدائمة وفقها الله في ((فتاواها)) الفتوى رقم (19767): ((إنني أسكن في فلة ملاصقة للمسجد من جهة الجنوب، وقد خصصنا الملحق الموجود في ساحة الفلة الملاصق للمسجد لأصلي فيه الفروض والتراويح أنا ومن يحضر عندي من النساء متابعات لإمام المسجد، حيث نسمع صوته عبر مكبر الصوت، كما أننا قد خصصنا سماعة من المسجد للمنزل بواسطة سلك ممدود إليه، وأصلي أحيانا كثيرة بمفردي داخل الفلة متابعة للإمام الذي أسمع صوته عن طريق مكبر الصوت.
وسؤالي يا سماحة الشيخ: هل صلاتي لوحدي متابعة للإمام جائزة، سواء داخل الفلة أو في الملحق الملاصق للمسجد؟ فقد شككني بصحة ذلك بعض الناس، أرجو إفتائي عن ذلك أثابكم الله وأجزل أجركم.
فأجابت:
لا تصح صلاتكن مع إمام المسجد بالصورة المذكورة إلا إذا كنتن ترين الإمام أو ترين بعض من خلفه؛ لأن مصلاكن خارج عن المسجد، فلا يصح اقتداؤكن به إلا بالشرط الذي ذكرنا.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة وفقها الله في ((فتاواها)) الفتوى رقم (21597): ((نود أن نسأل عن صحة متابعة النساء للإمام في صلاة الجمع والجماعة عبر مكبر الصوت، وهن في مكان لا يشاهدن الإمام ولا المأمومين، وخاصة في الحالتين التاليتين.
الحالة الأولى: مسجد صغير وألحق به مسجد كبير حديثا ولكن يفصل بينهما بيت سكني، والمباني الثلاثة متلاصقة بعضها ببعض، وجعل المسجد الكبير للرجال والصغير للنساء.
الحالة الثانية: النساء يصلين في صالة تابعة للمسجد لكنها في مؤخرته، ويفصلهن عن صالة الرجال غرف وصالات أخرى تابعة للمسجد.
فأجابت:
أما في الحال الأولى: فلا يصح اقتداء النساء بإمام المسجد المذكور؛ لأن مصلاهن منفصل عن المسجد ببيت سكني.
وأما في الحال الثانية: فيصح اقتداء النساء بالإمام إذا كن يسمعن صوته؛ لأن هذه الفواصل تابعة للمسجد، فلا تؤثر في صحة الاقتداء)) اهـ.

التكلف باستخدام الصدى في مكبر الصوت.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((نعم أفتيت بأن الصدى حرام، وأرجو ممن سمع مقالي هذا أن يبلغه؛ لأن الصدى كما سمعت يردد الحرف ولا سيما الحرف الأخير، هو يردد كل الحروف لكن الحروف التي قبل الأخير تدخل في الحرف الثاني ولا يبين التردد لكن في الحرف الأخير يبين، ولا شك أن هذا زيادة في كلام الله عز وجل.
وإلحاق للقرآن الكريم بالأغاني المطربة، وهذا مما نهي عنه وذمه السلف، السلف ليس عندهم هذا لكن يقولون: إن الإنسان إذا جعل نغماته في القرآن الكريم كنغمات الأغاني فإن ذلك منهي عنه ومذموم، فكيف إذا جعلت هذه الآلة التي تزيد في القرآن ما ليس منه، يجعل الراء كم مرات؟ عدة راءات، والنون عدة نونات وهكذا بقية الآية، ونحن ما جئنا لنطرب، الذي يريد الطرب يذهب إلى محلٍ آخر.
وأما كونه أزيد في الخشوع فهذا ليس عند من يرى أن ذلك حراماً، عند إنسان جاهل سمع هذا الإطراب والتغني وتلذذ به، لكن عند من يرى أن ذلك حراماً وأنه زيادة في كلام الله ما ليس منه، فلا يمكن أن يخشع، بل لا يزداد إلا نفوراً عن المكان والمسجد والإمام.
وأرى أن الإمام الذي يفعل هذا يجب أن ينصح ويقال: يا أخي! الناس يتعلقون بذمتك، وهذا أمر ليس جائزاً فلا تفعل، لا بأس إن اكتفى بالميكرفون الداخلي خاصة دون المنارة، لا بأس إذا كان هذا أبين لصوتك وأهون لك أنت؛ لأن الإنسان في التراويح إذا لم يكن صوته قوياً جداً ربما يزداد في رفع الصوت فيتكلف ويشق عليه، فإذا جعل مكبر الصوت مكبراً عادياً أعانه على ذلك، هذا لا بأس لكن بشرط: ألا يكون في المنارة، وبشرط أن يكون مكبر الصوت بلا صدى، الصدى يقطع سلكه على طول ويبعد في الحال)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((إن هذا الصدى حسب ما سمعنا عنه يشبه البوق الذي يستعمله اليهود في صلواتهم، وفيه -أيضاً- محذور آخر وهو أنه يردد الحرف فيكون الحرف الواحد حرفين أو أكثر، وهذا زيادة في القرآن لا تجوز، ولذلك عد العلماء رحمهم الله الشدات في الفاتحة عدوا كل شدة حرفاً، وقالوا: لو أنه ترك التشديد في آية فقال: الحمد لله ربِ العالمين لم تصح قراءته؛ لأن التشديد وهو تكرار الحرف يعتبر حرفين، وعلى هذا فالصدى يعني: أن الذي قرأ فيه زاد في القرآن ما ليس منه؛ ومن هنا نعرف التحريم.
أولاً: إن صح أنه يشبه بوق اليهود في صلاتهم فهو حرام للتشبه.
والثاني: إذا لم يصح هذا فهو حرام لزيادة الحروف، ونحن لا نريد من القرآن أن نحوله إلى أغاني، القرآن نزل للخشوع والخضوع.
ثم إن بعض الناس يقول لي: إن مسجده صغيراً لا يتحمل مكبر الصوت بلا صدى، ومع ذلك يستعمل الصدى! والله هذا يؤسفنا كثيراً أن يتعبد الإنسان لربه بهواه لا بالهدى)) اهـ.
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((يوجد في بعض المساجد الأجهزة الترديد (الصدى) فهل هذا يجوز؟
الشيخ: هذا يسأل يقول: عن الصدى في المساجد.
أرى: أنها لا تجوز، فإن كانت تستوجب ترديد الحرف، فعدم الجواز فيها أمر قطعي عندي؛ لأن ترديد الحرف يعني زيادة في كلام الله عز وجل، وقد كره الإمام أحمد وغيره من العلماء قراءة الكسائي لشدة الإدغام فيها أو لطول المد فيها؛ لأن هذا يقتضي أن يكون هناك زيادة على كلام الله عز وجل، لكن إذا كانت لا توجب ترديد الحرف فأرى أيضاً المنع فيها لكني لا أجزم به جزماً بيناً؛ وذلك لأنه ليس المقصود من القرآن الكريم أن يكون كنغمات الأغاني والطبول، المقصود أن يقرأه الإنسان بخشوع، وربما يكون قراءته بدون مكبر الصوت أدعى للخشوع كما هو المشاهد غالباً، وأما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزيين الأصوات بالقرآن فالمراد الأصوات التي خلق الله الإنسان عليها، لا بأن يأتي بآلة، لكن إن اضطر للآلة لأننا لا نحرمها بل نقول هي من فضل الله لو كان المسجد واسعاً يحتاج صوتك فيه إلى تكبير فلا بأس كما هو معروف الآن في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيره من مساجد المسلمين، أما هذا الصوت الذي يسمى الصدى فهو إن كان يلزم منه ترديد الحرف فهو حرام ولا إشكال فيه لما فيه من الزيادة على القرآن، وإن كان لا يتضمن ذلك فأنا أيضاً أرى منعه)) اهـ.

ماذا يفعل المأموم إذا توقف مكبر الصوت.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)): ((وهذه الصورة تقع كثيرًا في مكبر الصوت، ربما يكون مسجد الجمعة فانقطع الصوت في الركعة الأولى وكان يقرأ: {سبح اسم ربك الأعلى}. وانقطع الصوت فبقيت واقفًا فما أن لبثت حتى سمعته يقرأ: {هل أتاك حديث الغاشية}؛ إذن عرفنا الآن أنه في الركعة الثانية فتعتبر هذه الركعة الأولى بالنسبة لك، قال أهل العلم: وفي هذه الحال تكون لك ركعة ملفقة من الأولى والثانية بالنسبة للإمام شاركته في الأولى والثانية، فإذا سلم تأتي بركعة)) اهـ.
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((فضيلة الشيخ! صليت مع الإمام ودخلت معه في تكبيرة الإحرام وسمعت قراءة الفاتحة، ثم فجأة انقطع صوت الإمام ولم أسمع التكبيرة للركوع بسبب خلل في مكبر الصوت، فلم أستطع متابعة الإمام وأكملت صلاتي منفردة.
فهل الصلاة صحيحة بمخالفتي للإمام؟
الجواب: الصلاة صحيحة، إذا انقطع صوت الإمام وانفرد الإنسان عن الإمام فصلاته صحيحة؛ لأنه معذور، لكن لو فرضنا أن هذا في صلاة الجمعة وانقطع الصوت في الركعة الأولى وانفرد الإنسان عن الإمام فإنه لا يصلي جمعة؛ لأنه لم يدرك منها ركعة، ولو انقطع في الركعة الثانية وانفرد عن الإمام أتمها جمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة.
ولكن لا ينبغي للمأموم - ذكراً كان أو أنثى- إذا انقطع الصوت أن ينوي الانفراد في الحال، بل عليه أن ينتظر؛ لأنه أحياناً ينقطع الصوت ثم يصلحونه، فإذا أيس حينئذٍ ينفرد)) اهـ.
وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)): ((ولو حصل أن توقف مكبر الصوت ولم يمكن الائتمام فإنه يمكن أن ينفصل المأمومون وكل واحد منهم يكمل صلاته على حدة أو يتقدم شخص ويكون إماماً لهم في بقية الصلاة)) اهـ.

السلام.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)): ((كما أني رأيت بعض الأئمة يقول السلام عليكم ورحمة الله على اليمين السلام عليكم أيضاً على اليمين لأن مكبر الصوت على يمينه فيخشى إذا قال السلام عليكم ورحمة الله التي على الشمال أن يضعف صوت المكبر وهذا أيضاً لا أصل له ولا ينبغي أن يلاحظ هذا بل يسلم السلام عليكم ورحمة الله على اليمين ثم يلتفت على اليسار ويقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولو كان مكبر الصوت عن يمينه أو عن يساره لا يهتم بهذا المهم فعل السنة ولا بد أن يسمع الناس إلا أن الصوت يضعف فقط)) اهـ.
يتبع
✍️ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار