بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فقد كانت الجاهلية تتخبط في ظلمات الجهل ، والظلم ، وضيق ، وضنك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى دينا قيما ، وشرعا حنيفا شاملا كاملا لكل مناحي ونواحي الحياة مكانا وزمانا ، وقد شمل التوحيد وبيان العقيدة بجميع أصولها وفروعها ، وشمل جميع الخلق والحكمة من خلقهم ، وبيان أحولهم المتعلقة بجميع حياتهم الدنيوية والدينية ، فهو الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، دون استثناء وهو المنزل من عند الله سبحانه وأكمله تاما غير منقوص ، وما فرط في شيء مما يحتاجونه لتتم بذلك النعمة عليهم ، ويخرجهم من تلك الظلمات المدلهمة إلى نوره ، ومن جور الأديان إلى عدله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، فهو الدين الوحيد الذي يحوي جميع ما يحتاجه الإنسان في أمر دنياه وآخرته ، فلا تحتاج الأمة إلى تشريع بعده ، ولا إلى تقنين يرضى به الجميع ، ويوافق الفطرة السليمة والعقل الصريح ..
وهو التشريع الذي بقي وسيبقى ليسعد البشرية ، وهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره ، فهو الدين ذو المكارم والأخلاق الحسنة ، والمحاسن والمحامد المستحسنة ، من تمسك به هدي إلى صراط العزيز الحميد ، وعاش ومات وهو سعيد ، فلو أن البشرية
تعلمته حق تعلمه ، وعقلت ما فيه ، وفهمت المغزى من إنزاله ، وأخذت به لما احتاجت إلى شيء بعده ، ولتعايشت في سلطانه ، وتحت أحكامه العادلة في راحة ، وسعادة وطمأنينة ورغد عيش وبحبوحة حياة .. فلا غرو ولا عجب حينئذ أن يكون هو المخلص ، ويحل جميع المشاكل الفردية ، والجماعية ، الدينية والدنيوية ، الاجتماعية ، والاقتصادية ، والأمنية ، ولا عجب أن يحل جميع مشاكل الزمان التي تعتري بني الإنسان ، وتحدث لهم في كل مكان فهو الصالح المصلح لكل شيء مهما كان .. لأنه جاء من لدن حكيم خبير عليم ، الواحد الديان.
فالله سبحانه هو الملك الحق العليم الحكيم ، الحكم العدل ، الذي يعلم ما يُصلح العباد وما لا يَصلح لهم ، فالكون ملكه والخلق عبيده ، وهذه الدنيا بما فيها لا تخرج عن ملكه وسلطانه ، فهي مملكته ، وكل الخلق فيها عبيده ، وقد جعل لهم دستورا ونظاما يتعايشون به ويرجعون إليه ويصدرون عنه ، دستورا لا يجور ولا يحور ، يعدل في القضية ويحكم بالسوية ، يدعو إلى الأمن والإيمان ، والسعادة والاطمئنان ، ولا يحتاجون بعده إلى تشريعات زبالة الأذهان ، وقوانين الظلم والطغيان .
ولكن عبيده عصوه في داره ،وخرجوا عن سلطانه ، وجاءوا بنظم ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا أحد فيهم يرضى ذلك لنفسه في بيته وملكه ، ولكنهم رضوه لربهم وخالقهم فأَبِقُوا عن عبادته وطاعته ، وحكمه وتشريعه ، فلا أحد من العبيد يرضى أن يعيش في بيته ومملكته أحدٌ من الناس مهما كان ، ثم يفعل ما يشاء بغير إذنه ، ويقنن ما يحلو له في سلطانه ثم يعمل به بغير رضا صاحب البيت ، ولو فعل أحد في بيت أحدهم ما لا يرضاه لصاح به وغضب عليه وأخرجه من بيته ، ولكن أن يفعل هو في مملكة ربه ما يشاء فذلك جائز ولا حرج عليه .
كذلك لو كان لأحدهم مصنعا فإنه لا يرضى لعماله أن يتحزبوا ويختلفوا على من يحكم المصنع ويسيره ، وكل منهم يقول الحق لي وأنا أولى به ، ويظلم بعضهم بعضا ، ويطغى أصحاب القوة والمال والمناصب العليا على الضعفاء ، ورب العمل المالك للمصنع يُهمش ويُعرض عنه ولا يطاع ولا يستشار نهائيا ، فلا شك أن هذا المعمل سيعيش حالة من الفوضى ، ولا شك أن مالكه لا يرضى ؛ بل سيضطر إلى أن يأتي بعمال يسمعون ويطيعون وينضبطون وفق دستور المؤسسة التي أنشاها ، وجعلها تسير وفق قوانين دقيقة وحكيمة .

كذلكم الحكام المستبدين لا أحد منهم يرضى أن يتدخل مواطنوه في تغيير القوانين ، بغير إذنهم ولا أحد منهم يرضى بالعبث بدستور الدولة وتجاوزه ، ولكنهم رضوا لأنفسهم أن يغيروا قوانين الشرع الحنيف ، وأن يبعدوا أحكامه من مملكته سبحانه ومن داره التي هم فيها عبيده ، وقد أنزله الله لسعادتهم مراعيا مصالحهم في معاشهم ومعادهم ...لو كانوا يعقلون .
فالله سبحانه له مقاليد السموات والأرض شرع شرعا محكما مناسبا لجميع ملكه عدلا ، فلا ظلم فيه ، ورحمة وسعت كل شيء ، وشمولا لكل شيء بعلم وحكمة وحق في أصوله وفروعه في غايته ومقاصده في مبادئه و ثماره كما وكيفا ، لمَِ تركتموه أيها العبيد أليس هو تشريعٌ من ملككم وربكم الذي يريد بكم الخير والسادة ؟؟ قال تعالى :{ لهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ }(13) الشورى . وقال تعالى في نفس السورة : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(21)الشورى .
وقال تعالى يخاطب نبيه ويحذره من الاغترار بتشريعات أصحاب الأهواء الظالمين المعتدين الخارجين عن سلطانه من اليهود والنصارى ، وألا يفتتن ببعض ما عندهم من أحكام الجاهلية عما أنزله إليه من الحكم العدل والقول الفصل .
قال تعالى : {
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50)المائدة .
وهذا الخطاب - وإن كان لنبيه - فهو لأمته من بعده يحذرهم من الاغترار بالتشريعات المخالفة لتشريعه ، وأن لا يغتروا ببعض ما عند أعدائهم من بهرج التشريع وزخرف القول ، فهم مهما عدلتم فيهم فلن يعدلوا فيكم ومهما رضيتم بما عندهم فلن يرضوا عنكم حتى تتبعوا ملتهم : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } (120) البقرة.
وَقَالَ تعالى{ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } (39) يوسف .
قال أ
هل التفسير : " أي: أرباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر، ولا تعطي ولا تمنع، وهي متفرقة ما بين أشجار وأحجار وملائكة وأموات، وغير ذلك من أنواع المعبودات التي يتخذها المشركون، أتلك {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ} الذي له صفات الكمال، {الْوَاحِدُ} في ذاته وصفاته وأفعاله فلا شريك له في شيء من ذلك. كذلك يقال لهؤلاء الذين يقدسون تشريعات البشر ولا يرضون عنها بديلا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ فليس من شك أن حكم الله خير من أحكام الجاهلية ؛ بل لا مقارنة بين حكم الخبير الحكيم ؛ وبين الجاهل العنيد المتسلط الحقير المقهور .
وقال تعالى :{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(31) التوبة .
قال الإمام الطبراني في تفسيرها : اتخذَ النصارَى واليهود علماءَهم وعُبَّادَهم أرْبَاباً ؛ أي أطاعُوهم في معاصِي الله ، فجعلَ اللهُ طاعَتهم عبادتَهم ؛ لأنَّهم اتَّبعُوهم وتركُوا أوامرَ الله ونواهيهِ في كُتبهم .
وقال ابن كثير- رحمه الله - روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن جرير من طرق في قصة عدي بن حاتم لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه صليب من فضة، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. فقال: << بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم>>. والحديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود.

وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، - رضي الله عنهما - وغيرهما في تفسير: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا. وقال السدي: استنصحوا الرجال ، وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم.
وبعد أن تفرقت الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وتنازعت فضعفت ، استطاع أعداء الله وأعداء دينه أن يتوغلوا في المسلمين وأن يغزوهم في ديارهم بمذاهب فكرية باطلة وأنظمة كفرية هدامة للدين والأخلاق ومنها هذه الديمقراطية اللعينة التي طال أمدها ، وجاءت بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة ، وبالعولمة التي تبيح كل شيء، وتعطي الحرية في الاعتقاد في أي دين باطل ، والتفسخ والإباحية بلا حدود ، وتحارب الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل جميعا ؛ وتصفه بأنه إرهاب ورجعية ، وأفيون الشعوب ، أو غير ذلك من الألقاب الشنيعة التي رموا بها الإسلام الدين الحنيف عن قوس واحدة ، وقد عم بهم الشر وتغلبوا على أهل الإسلام وحكامهم إلا دولة التوحيد - حفظها الله - وبقايا ممن ينتهجون منهج الطائفة المنصورة والفرقة الناجية من أهل العلم ، وأهل الحديث ..أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.
ولقد جروا كثيرا من المسلمين حتى أقنعوهم بتلك النظم ، وأكرهوا آخرين منهم على تلك القوانين التي نظموها وقننوها في نظام عالمي تحت قبة مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان- زعموا - بما يوافق مصالحهم ويخدم دنياهم ، مع مكر وخبث شديدين ، وتشويه للإسلام ، وعلماء المسلمين وخاصة منهم السنيين السلفيين الذين يحرمون ويطلقون الكفر على الديمقراطية ، ويا ويح من خالف ديمقراطيتهم ولم يؤمن بها ، فهذا ينبذ ويضيق عليه ويتهم بشتى الأوصاف المشينة التي تنفر الناس منه ونسوا أو تناسوا أنهم خرجوا عن حكم الله وسلطانه وعتوا عن أمر ربهم وطغوا طغيانا كبيرا ، وجاءوا يحملون ديمقراطيتهم فوق الذبابات والطائرات وأسلحة الدمار المحرمة في قوانينهم إلى بلاد الإسلام يرهبون بها الدول والشعوب الإسلامية ويراقبون ديمقراطيتهم .. إلا أن الشعوب في هذا العصر انكشفت لهم اللعبة فلم تعد تخشاهم وأصبحت تحاججهم بأسلحتهم ؛ فهم من أعطاها الحق الديمقراطي في الخروج للشوارع والتظاهر ، والاعتصامات والإضرابات ، والتخريب ، والفوضى والمواجهات ولو بالدم ، والمطالبة والمغالبة بالتغيير السلمي - زعموا- عن طريق تبادل السلطة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع ، والانتخاب .وجعلوا ذلك واجبا وطنيا ، ومن تخلى عنه أو تولى فهو الرجعي الذي لا يحب وطنه الديمقراطي... إن أهل الإسلام على مر تاريخهم لا يعرفون هذه الانتخابات ، والاقتراع على السلطة إلى عهد قريب ...
وهذه كتبهم التاريخية والفقهية لم تتطرق إلى هذه الطرق المحدثة والمخترعة ، التي غزانا بها أعداء الإسلام ، وفرقوا بها دوله حتى لا تقم لدولة منهم قائمة ولا يكون لها أي قوة واتحاد ، فعندهم الغاية تبرر الوسيلة ، وفرق تسد، ولتبقى لهم
السيادة والريادة لابد من سبيل لتفرقة الدول الإسلامية ، وبث العداوة بينهم ، فلم يجدوا أفضل من الديمقراطية المبنية على الحكم للشعب أو للأغلبية منه، وليس لرب الشعب الذي يملكوهم وما يملكون ، وذلك لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الحزبية ، والتبادل على السلطة عن طريق الانتخاب ، وهكذا تكونت أحزاب ، وأحزاب وانتسب البعض من المسلمين إلى الاشتراكية والآخر إلى الشيوعية والآخر إلى الرأسمالية ، وهكذا ما بين مشرق ومغرب وكون البعض الآخر أحزاب إسلامية في بلدان إسلامية فرقت المسلمين ، ليحتدم الصراع على أوجه في الحملات الانتخابية يكشف بعضهم عيوب بعض ، ويفضح بعضهم بعضا، ويسفه بعضهم بعضا ، ويسب بعضهم بعضا ، سالكين سَنَن أعدائهم ، متعصبين بشدة إلى أفكارهم وحزبياتهم ، ينتصرون لها ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح وإراقة الدماء ، في وجه بعضهم البعض ، من أجل التنافس على السلطة التي تخدم مصالحهم الضيقة والخاصة ليس إلا .
فشغلوا الأمة وضيعوها ، وانشغلوا بمصالحهم الضيقة عنها همهم الوحيد الوصول إلى سدة الحكم ، وقبة التشريع من دون الله ، ولم يلتفتوا إلى وعودهم التي كانوا يمنون بها شعوبهم ، فكل ما كان ما هو إلا در للرماد على العيون وكسب للأصوات السذج من أجل امتطاء جواد الريادة الوهمية التي تخدم المصالح الحزبية أو القومية أو الجهوية الطائفية أو الشخصية ...
فكلهم طلاب دنيا ليس إلا ، وهكذا دواليك تدور رحى الديمقراطية بشرها لتغرق الأمة في الفرقة والخلافات السياسية الناتجة عن زبالة أذهان البشر .
يا قوم لقد جربتم كل النظم البشرية فلم تفلحوا ولن تفلحوا في إخراج الأمة من الحياة الضنكة إلى رغد العيش وبر الأمان والأمن ، وها هي الأمة تتخبط في دياجير الظلم والفوضى والجريمة والفقر ولن يتحقق لكم الخروج من نفق الزجاجة إلا بالرجوع إلى ربكم وتحكيم شرعه الذي فيه سعادتكم دنيا وأخرى ، جربوا تحكيم شر
ع الله تفلحوا .
وبعد هذه المقدمة أريد أن أعرف بمعنى الانتخاب ، والشورى ، والفرق بينهما ، ثم أذكر بعد ذلك فضائل الشورى وفوائدها ، ومفاسد الانتخابات وأضرارها لأن البعض ممن يسوغون هذه النظم والقوانين يورد على أهل العلم شبهة وهي : أن الانتخابات من قبيل الشورى إن لم تكن هي الشورى نفسها ، ومن خلال التعريفين والفرق بينهما يظهر لكل ذي عقل منصف أن هذه الشبهة باطلة ، وأنه لا مقارنة بين الشورى والانتخابات ، وهناك شبه أخرى أرجيها للجزء الثاني - إن شاء الله -.
تعريف الانتخابات : الانتخابات جمع انتخاب مأخوذ من مادة : ن خ ب : ينتخب ، والانْتِخابُ الاختيار والنُّخَبَةُ مثل النُّجَبَة والجمع نُخَبٌ كرُطبة ورُطب يقال جاء في نُخب أصحابه أي في خِيارهم. مختار الصحاح (1/688) للرازي .
وفي المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لأبي العباس الحموي (9/194): انْتَخَبْتُهُ إذَا انْتَزَعْتَهُ ، وَرَجُلٌ نَخِيبٌ وَمُنْتَخَبٌ ذَاهِبُ الْعَقْلِ .
وَهُوَ نُخَبَةٌ وِزَانُ رُطَبَةٍ أَيْ خِيَارُ الْقَوْمِ وَهُوَ نَخِيبُ الْقَوْمِ .

وفي أساس البلاغة للزمخشري (1/466) : انتخب الشيءَ : اختاره . والنُّخبة : ما اختاره منه . ونُخبة القوم ، ونَخَبَتهم : خيارهم .
وفي المحكم والمحيط الأعظم (5/221) لأبي الحسن بن سيده المرسي : من قولهم: نخبت الشيء وانتخبته إذا نزعته، ومنه: الانتخاب: الاختيار كأنك تنتزعه من بين الأشياء، وهؤلاء نخبة قومهم: لخيارهم...
قال ابن النحاس :
اليومَ شيءٌ وغداً مثلُهُ - - - يُحصِّل المرءُ بها حِكْمةً
مِنْ
نُخَبِ العلمِ التي تُلتَقَطْ - - - وإنما السيلُ اجتماعُ النُقَطْ .
وفي تاج العروس من جواهر القاموس (1/
246) ( وانْتَخَبَهُ : اخْتَارَهُ ) . ونُخْبَةُ القَوْمِ ونُخَبَُهمْ : خِيارُهم . وجاءَ في نُخَبِ أَصحابِهِ : أَي في خِيَارِهِم والنُّخْبَةُ : الجماعةُ تُخْتارُ من الرِّجال فتُنْزَعُ منهم .
وفي العامي الفصيح (24/4) من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
نَخَِبَ: انْتَخَبَ فلانٌ فلانًا : اختاره وانتقاه ، أو أعطاه صَوْتَهُ في الانتخاب (محدثة) . والمنتخَبُ والمنتخِبُ والانتخاب والناخب والنُّخبة وما أخذ منها كلمات معروفة وأكثرها (محدث).
هذا هو تعريف الانتخاب ، في كتب أهل اللسان من ملتنا بمعنى أن القوم ينتزعون ويختارون النخبة من بينهم .

أما تعريفه في الاصطلاح الأنظمة الوضعية فيمكن أن يعرف بما جاء في المعجم الوسيط(2/908 ) تحقيق مجمع اللغة العربية : ( انتخبه ) اختاره وانتقاه واختاره بإعطائه صوته في الانتخاب ( محدثة ) .
و( الانتخاب ) الاختيار وهو وإجراء قانوني (وضعي ) يحدد نظامه ووقته ومكانه في دستور أو لائحة ليختار على مقتضاه شخص أو أكثر لرياسة مجلس أو نقابة أو ندوة أو لعضويتها أو نحو ذلك ( محدثة ).
و( المُنتَخِبُ ) من له حق التصويت في الانتخاب ( محدثة ) و ( المُنتَخَب ) من أُعطيَ الصوت في الانتخاب ، ومن نال أكثر الأصوات فكان هو المختار ( محدثة ) .
وهذا التعريف ينطبق إلى حد ما مع التعريف اللغوي إلا أنه يحتاج إلى بيان ما يقصد بالخيار في المنتَخَب ، هل هو نفسه بأفضلية حزبه وكثرة المنتسبين إليه أو بالمشروع والبرنامج الذي جاء به أو بكليهما .
مع أن الاختيار للمسئولية في شرعنا يقوم على اختيار الكفاءة المتمثلة في القوة العلمية والبدنية ، والأمانة ، والحفظ ، والصلاح ، وأن لا تعطى لمن يطلبها بل تساق إليه دون رغبته فيها ، ولا استشراف لها .
وأما تعريف الانتخاب في النظم الديمقراطية فقد جاء في الموسوعة العربية العالمية بشأن الانتخابات : (( الانتخاب عملية يدلي فيها الناس بأصواتهم للمرشح، أو الاقتراع الذي يفضلونه وتجري الانتخابات باختيار المسئولين في كثير من التنظيمات مثل الجمعيات والنقابات والنوادي الرياضية والاجتماعية.
و يعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى شخص آخر ، وفي كثير من البلاد يجري أحياناً نوع آخر يعرف باسم الاستفتاء للبث في مسائل دستورية أو سياسية مهمة. الموسوعة العربية العالمية، وهي ترجمة بتصرف عن: دائرة المعارف العالمية (3/154- 155).
والانتخابات السياسية بالطريقة الديمقراطية لا تجوز، لأنه لا يُشترط في المنتخَب والناخب الصفات الشرعية لمن يستحق الولاية العامة أو الخاصة، فهي بهذه الطريقة تؤدي إلى أن يتولى حكم المسلمين من لا يجوز توليته ولا استشارته، ولأن المقصود بالمنتخَب أن يكون عضواً في مجلس النواب التشريعي والمجالس النيابية التي لا تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإنما تتحاكم إلى الأكثرية من الشعب كيفما كان وأي كان إذ الحكم فيها للشعب وليس لرب الشعب .
تعريف الشورى : مادة شَوَرَ ، وأَشارَ إليه باليد: أومأ. وأَشارَ عليه بالرأي. والمَشْوَرَةُ : الشُورى. وكذلك المَشُورَةُ بضم الشين. تقول منه: شاورْتُهُ في الأمر واسْتَشَرْتُهُ، بمعنىً وفلان خَيِّرٌ شَيِّرٌ، أي يصلح للمُشاوَرة. الصحاح في اللغة (1/373) للجوهري .
وشاوره في الأمر مشاورةً طلب رأيه فيه وفي التنزيل العزيز :{{ وشاورهم في الأمر }} وروى ابن مَرْدُويه، عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العَزْم؟ قال : << مُشَاوَرَةُ أهْلِ الرَّأْي ثُمَّ اتِّبَاعُهُمْ >> (1). المعجم الوسيط (1/499) لإبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ...

والشورى : هي مشاورة ذوي الرأي من أهل العلم والحزم من أهل الحل والعقد كل في اختصاصه ، وقد أمر الله بها في كتابه العزيز ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يستشير أصحابه رضوان الله عليهم ..
قال تَعَالَى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } قال الطبراني في تفسيرها في التفسير المنسوب إليه: أي إذا أردتَ أن تعملَ عملاً مِمَّا لم يكن عندكَ فيه وحيٌ فَشَاورْهُمْ فيهِ ، وَاعْمَل أبداً بتدبيرِهم ومشورتِهم ، وكانَ صلى الله عليه وسلم مُسْتَغْنِياً عن مشورتِهم ، فإنَّهُ كان أرشدَهم وأكملَهم رأياً ، لكنَّ الله إنَّما أمرهُ بالْمُشَاوَرَةِ لِتَقْتَدِيَ بهِ الأُمَّةُ ، وليكونَ فيه تطييبٌ لنفوسِ المؤمنينَ ، ورفعٌ لأقدارهم وثناءٌ عليهم .
قال مقاتلُ وقتادة : (كَانَتْ سَادَاتُ الْعَرَبِ إذا لَمْ يُشَاوَرُواْ فِي الأَمْرِ شُقَّ عَلَيْهِمْ ، فَأُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الأَمْرِ ؛ فَإنَّهُ أطْيَبُ لأَنْفُسِهِمْ ، وَإذا شاوَرُواْ عَرَفُواْ إكْرَامَهُ لَهُمْ ).

قال القرطبي - رحمه الله – قوله تعالى :{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} فيه ثمان مسائل :
الأولى : ما : أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ ؛ وذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة ؛ فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة أيضا ، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور.
قلت : قال البخاري : وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها.
وقال سفيان الثوري : ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ، ومن يخشى الله تعالى.
الفرق بين الشورى والانتخاب : أبدأ بفضائل الشورى ثم آتي على مفاسد الانتخابات حتى يتبين الفرق العظيم بين ما هو وحي من الله وما فيه من حكم وفضائل عظيمة ، وبين ما هو وحي من الشيطان وفكر زبالة الأذهان ، فشتان شتان بينهما ، فكيف يقارن بين ما أمر الله الحكيم العليم به في كتابه ، وقرره رسول لله وهو أشرف الخلق وأرجحهم عقلا وعلما ممتثلا أمر ربه تعالى ، في حياته ، وما عاش عليه خلفاؤه من بعده ، أفضل الخلق في أفضل جيل في أفضل الناس بعد الأنبياء ممتثلين قوله تعالى : { وأمرهم شورى بينهم }..
فضائل الشورى :
1- الشورى مأمور بها في الشرع فهي عبادة وتدين يتقرب به إلى الله ... قال تعالى : { وشاورهم في الأمر } . قال الشيخ السعدي – رحمه الله - في تفسيرها : أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره :
2 - منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله . شرح : ومعنى أن الذي يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأصحابه فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، ممتثلا قوله تعالى :{ وأمرهم شورى بينهم } فيما لا دليل عليه من الوحي على ضوء القواعد الكلية ونصوص الشرع يعتبر متعبدا لله تعالى بذلك .
3- ومنها: أن فيها تطييبا لنفوسهم وخواطرهم ، ورفعا لأقدارهم ، وتألفا على دينهم ، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس - إذا جمع أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم ، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع ، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته ، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم ، بخلاف من ليس كذلك ، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
4- ومنها: أن في الاستشارة لأهل الاختصاص تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول .
قلت : من استشار العقلاء اكتسب أحسن العقل ، ومن استشار العلماء استفاد أحسن الحِكِم ، واتسعت مداركه في العلم .
وما ندم ما استشار ..

قال أعرابي : ما غبنت قط حتى يغبن قومي ؛ قيل : وكيف ذلك ؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم.
وقيل: من شاور أهل النصيحة سلم من الفضيحة.

5- ومنها : ما تنتجه الاستشارة من الرأي : المصيب ، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله ، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب ، فليس بملوم ، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم - وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: { وشاورهم في الأمر } فكيف بغيره؟!
6 - قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب . هذا ما لا خلاف فيه. وقد مدح الله المؤمنين بقوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [الشورى : 38].
وقال ابن خويز منداد - رحمه الله - : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين . لأنهم مصابيح الدجى يكشفون الظلام بنور العلم الذي أتوه .
7- الشورى تكون فيما لا علم للولاة فيه ، وفيما أشكل عليهم وعلى الناس من أمور الدين والدنيا ، وفي القضاء ونزع الخصومات ..كل بحسب اختصاصه. وتكون لوجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ومفاسد الأعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها... ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، وحماية بيضة الإسلام من العدو ، ووجوه الكُتّاب والوزراء ، في تنظيم الحياة واستقرارها .
روي في ذلك عن الحسن البصري والضحاك قالا : ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ، ولتقتدي به أمته من بعده. وفي قراءة ابن عباس : { وشاورهم في بعض الأمر }.
ولقد أحسن القائل :
شاور صديقك في الخفي المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه
... في قوله : ( شاورهم) و ( توكل )
8- والشورى مبنية على اختلاف الآراء الاجتهادية في ظل القواعد والأدلة العامة فيما لا نص فيه ، والمستشير أمين ينظر في ذلك الخلاف ، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسنة إن أمكنه ، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلا عليه ، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب ؛ وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية. أما الأحكام التي قطع الله فيها حكمه فلا اجتهاد فيها ، كرجم الزاني وجلده ، والقصاص في القتل والجروح ، والقذف وشرب الخمور والسرقة وغير ذلك في العقود والمعاملات ..
9- والشورى مستمرة باقية ، وتكون بين الأمراء والعلماء ، من وجهاء الأمة، والخبراء وأهل الاختصاص كل حسب اختصاصه وتقدمه فيه ، وليست لمن هب ودب من رعاع الشعب ، فإن ذلك لا يمكن أن يجمع كلمة الأمة على رأي صحيح ، بخلاف إذا كانت الشورى في أهل العلم وأهل الحل والعقد فاجتماعهم متيسر ، وكذلك إذا كانت من أهل اختصاص فن فاجتماعهم ممكن . 10- الشورى فيها بيان تواضع الولاة ، وتعاونهم مع العلماء والخبراء وأهل الاختصاص من كل علم وحرفة ، والأخذ بأفضل الرأي المبني على التقوى والورع والعدل ورعاية مصالح الأمة ورفع الغبن والظلم على الرعية بما في ذلك الضعفاء وذوي الحقوق . وعدم الاستبداد بالرأي ، والطغيان .
11 – في الإسلام ، المسؤولية لا تعطى لمن طلبها ، فهناك طرق لانعقاد الإمامة الكبرى ، أما ما دونها من مسئوليات فهي ترجع إلى ولي الأمر ويستشير في ذلك أهل الحل والعقد ، وأهل الاختصاص في الأمر الذي يراد تولية أحد الأكفاء فيه .
مفاسد الانتخابات : الانتخابات مفاسدها ومضارها أكثر من منافعها ؛ بل لا يكون مبالغا من قال لا فائدة فيها ، ويكفي أن تكون باطلة لأنها مبنية على باطل .
1- ما بني على فاسد فهو فاسد ، فالانتخابات مبنية على فاسد وهو الحكم للأغلبية من الشعب حتى لو كانوا من أفجر وأفسق خلق الله ، بل حتى لو كانوا من الكفار الفجار، أو يحملون أفكار الكفار وبرامج كافرة استوردوها يقلدون أعداء الله من اللبيراليين والعلمانيين والشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين وكلها مذاهب كفرية هدامة ..
2- الانتخابات لا دليل عليها من كتاب الله ولا سنة ، ولا أثر من السلف الصالح ، ولم تكن معهودة ، ولم يكن عليها عمل أهل الإسلام من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم إلى القرن التاسع عشر حيث ابتدع وقنن أعداء الإسلام والمسلمين من الغرب تكوين أحزاب سياسية تتداول على السلطة بهذه الانتخابات واستحسنها بعض حكام العرب والمسلمين ..وقلدوهم في ذلك .
3- الانتخابات تشريع من تشريعات الكفار ، ووسيلة من وسائلهم ، والوسائل تعطى حكم المقاصد ، فمقصدهم إبعاد حكم الله في الأرض ليحل محله حكم الطاغوت (( الديمقراطية )) .والغاية تبرر الوسيلة .
4- الانتخابات فيها إقرار بالكفر ، وحكم الطاغوت ، وقد أمرنا أن نكفر به ، فالديمقراطية كفر لاشك فيه ، لأنها تقوم على أن الشعب يحكم نفسه بنفسه ، وأن الحكم للأغلبية التي معها قوة المال والسلاح ...
5 – الانتخابات فيها إقرار للحزبية التي ذمها الله تعالى ونهانا عنها والتي كانت ولا زالت السبب الأكبر في تفريق المسلمين ، وقد جاءت آيات كثيرة في كتاب ربنا وأحاديث في سنة نبينا تحذرنا من التفرق والاختلاف ..
6 – الانتخابات تسبب الخصومة بين المسلمين ، والولاء والبراء والحب والبغض عليها حتى بين الإخوة الأشقاء والأخوات في العائلة الواحدة ، بل حتى بين الآباء والأبناء فقد يكون الأب من حزب والابن من حزب ، والأخ من حزب والزوجة من حزب ، والأخت أو البنت من حزب ، فيحصل بينهما الخصومة والهجر والسب والشتم ، وربما التقاتل ، وهذا واقع فالديمقراطية تعطيهم الحق في ذلك ..
7 – الانتخابات من أكبر الأسباب التي أبعدت الشريعة الإسلامية ولا زالت تبعدها في كل انتخاب ، وما وجدت هذه البرلمانات والمجالس النيابية إلا من أجل التشريع والتصويت على الاقتراحات والقوانين التي يتقدم بها الحزب الفلاني ، أو المسئول الفلاني ، وفي قاعة المناقشات والمحاورات حيث تعرض هذه القوانين، ويمنع منعا باتا أن تناقش حكما من تلك الأحكام من وجهة شرعية ، لقد حصل مرة في أحد البرلمانات مناقشة استيراد الخمر فتكلم أحد الأعضاء الذين يمثلون حزب إسلامي وقال أن الخمر حرام فقال له رئيس الأحزاب الأغلبية دع الله في المسجد ولا تدخله هنا ؛ فإن ترك استيراد الخمر يسبب لنا خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني ، الله أكبر ، كيف يقابلون شرع الله ؛ وكأن هذه القاعة أو حتى الدولة بكاملها ملكه هو ، وليست ملكا لله تعالى ولا تدخل تحت سلطانه وحكمه سبحانه ، ثم يضيف قائلا نحن مسلمون من قبل أربعة عشر قرنا منذ أن دخل الإسلام بلدنا ، هكذا يتبجح دون حياء ولا حشمة معتديا على سلطان الله في داره ومملكته ، وجهل المسكين أن الإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والتسليم والتعظيم .
8- في الانتخابات طلب المسؤولية ، ودفع الأموال من أجل الحصول عليها ، فإن من أراد أن يتصدر القائمة الانتخابية لابد أن يدفع الرشوة ، وكذلك يدفعون الأموال ويشترون أصوات الناخبين يرشونهم ، فمجرد طلب المسؤولية فيه كراهة أو تحريم فكيف إذا أنضاف إلى ذلك الرشوة والمحسوبية ، والتحايل والتزوير والتحالف حتى مع أهل الباطل ، المهم أن يحصل على كثرة الأصوات التي يفوز بها على مقعد ديمقراطي من أجل الدنيا ..
9 – ترشح غير الأكفاء ؛ فإن الترشح لا يقوم على الكفاءات من التقوى والعلم والخبرة والنزاهة والأمانة والحفظ ، من شروط الكفاءة المشترطة في القيادة كما في الشرع ، وإنما يقوم على الوطنية والديمقراطية ، والحزبية ، والمحسوبية والحرية المطلقة للرجال والنساء، وحتى الشهادات العلمية أصبح لا اعتبار لها ، ولذلك ترى أنه يترشح لها كل من هب ودب ، شيعي صوفي أشعري تكفيري ليبرالي علماني شيوعي راديكالي ، اشتراكي بعثي نصراني مسيحي ، مزارع ، بناء ، خباز ؛ عامي وشبه متعلم ، لا مانع المهم الوطنية وأن يكون ديمقراطيا ، وفيهم من لا يصلح حتى أن يسوس قطيعا من الغنم فضلا عن أمة من الناس .
10 – ترشح النساء وطلبهن للمسؤولية ، والمرأة في ديننا لا تولى المناصب فضلا عن أن تسألها ؛ وتنافس عليها في خضم الفوضى القائمة على الانتخابات وتخرج للشارع وتصرخ ، وتلهث وراء إقناع الرجل قبل النساء على التصويت عليها دون حياء ولا حشمة ، مختلطة سافرة متبرجة قد طلقت جلباب الستر والحياء ، يا للعار أين غيرة رجال الإسلام ، لقد كان أهل الجاهلية يدفنون بناتهم خوف العار ، واليوم رجال الإسلام هم الذين يجلبون ويقررون العار في نسائهم وللأسف السديد .
وهذه هي الفوارق بين الشورى والانتخابات وهي فوارق جوهرية ، وأنه لا مقارنه بينهما ، وناهيك عن الاعتقادات والانتقادات والاتهامات ، والتزوير ، وشهادة الزور وغير ذلك ..
وبقيت بعض الشبه التي يستند إليها بعض الحزبيين ، وأهل الأهواء من أن بعض العلماء السلفيين أجازها ، وأننا نذهب إلى البرلمان لتقليل الشر ، وأننا نختار الأصلح ، وأن الانتخابات واجب شرعي ، وأنه من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به ، فهذه الشبه أرجيها إلى الجزء الثاني حيث أنقل فيها أقوال أهل العلم الذين فندوها وردوها على أصحابها . والحمد لله رب العالمين ، وصلاة وتسليما على نبينا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
.
-------------------
الهوامش :
(1) قال الشيخ الألباني في الضعيفة (10/376)رواه ابن مردويه ؛ يعني في التفسير ؛ كما في الدر المنثور للسيوطي (2/ 90) ؛ تبعًا لابن كثير في تفسيره (1/ 420) ، وسكتا عن إسناده ؛ وما أراه يصح ، وليتهما ساقاه لننظر فيه ، ونكشف عن علته !