بسم الله الرحمن الرحيم

الفلاح في تكبيرة الإحرام مع الإمام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء في شريعتنا الغراء الحث على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في المسجد ورغبت فيها ورتبت عليها الأجور العظيمة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق)).
أخرجه الترمذي في ((السنن)) وحسنه الألباني في ((الصحيحة)) (1979 و 2652) وتوسع في تخريجه.
أما ما جاء مرفوعا (لكل شيء صفوة، وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والعقيلي في ((الضعفاء)) وضعفه الألباني وأودعه ((الضعيفة)) تحت (رقم: 4323).
وجاء أيضا (إن لكل شيء أنفة، وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى، فحافظوا عليها) .
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) والبزار في ((المسند)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والبيهقي في ((شعب الإيمان)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التلخيص الحبير)) : وفي إسناده مجهول، وضعفه الألباني وأودعه ((الضعيفة)) تحت (رقم: 2621).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الأذان الأول ليتيسر أهل الصلاة لصلاتهم، فإذا سمعتم الأذان فأسبغوا الوضوء، وإذا سمعتم الإقامة فبادروا التكبيرة الأولى، فإنها فرع الصلاة وتمامها، ولا تبادروا القارئ الركوع، والسجود)).
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والعقيلي في ((الضعفاء)) مختصرا.
قال العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) : عاصم بن مضرس عن جبلة بن سليمان، حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، وجبلة لا بأس به، ولا يعرف هذا المتن إلا بعاصم بن مضرس.
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : رواه الطبراني في الكبير، وفيه جبلة بن سليمان ضعفه ابن معين.

وهذه السنة ورد الأمر بها والمسارعة لتطبيقها.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا)).
متفق عليه.
قال العلامة النووي رحمه الله في ((روضة الطالبين وعمدة المفتين)) : ((يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام)) اهـ.
وقال العلامة المباركفوري رحمه الله في ((تحفة الأحوذي)) : ((ومن ثم كان إدراكها سنة مؤكدة)) اهـ.

وجاء في المسارعة لتكبيرة الإحرام، والمسابقة للخيرات.
قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148، والمائدة: 48].
وقال سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21].
وقال الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
أخرج ابن المنذر كما في ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} قال: التكبيرة الأولى.
قال الرازي رحمه الله في ((تفسيره)) : ((قال سعيد بن جبير: إنها التكبيرة الأولى)) اهـ.

حرص السلف الصالح على إدراك التكبيرة الأولى والحث عليها وسرعة المبادرة إليها.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بحد الصلاة: التكبيرة الأولى).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)).
وعن مجاهد قال: سمعت رجلا، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أعلمه إلا من شهد بدرا، قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟
قال: (أدركت التكبيرة الأولى؟)
قال: لا.
قال: (لما فاتك منها خير من مائة ناقة، كلها سود العين).
أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في ((المصنف)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم حذيفة، قال رجل منهم: ما يسرني أني فاتتني التكبيرة الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مائة من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر، ولو فعلت ما رأيت أني فعلت ما فاتتني).
أخرجه ابن شاهين في ((الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك)).
وعن برد مولى ابن المسيب قال: (ما نودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: (ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وقال وكيع: (كان الأعمش [سليمان بن مِهرْان الأسدي]قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة).
أخرجه ابن الجعد في ((المسند)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن إبراهيم بن يزيد النخعي رحمه الله، قال: (إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن إبراهيم بن يزيد التيمي رحمه الله، قال: (إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن وكيع بن الجراح رحمه الله، قال: (من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره).
أخرجه يحيى بن معين في ((تاريخه)) ومن طريقه البيهقي في ((شعب الإيمان)) وابن شاهين في ((الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك)).
وقال وكيع: (من تهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن أسيد بن جعفر بن أخي بشر بن منصور قال: (بشر بن منصور ما فاتته التكبيرة الأولى قط).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وقال محمد بن سماعة القاضي رحمه الله: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوما واحدا ماتت فيه أمي، ففاتني فيه صلاة واحدة في جماعة، فقمت فصليت خمسا وعشرين صلاة أريد بذلك التضعيف فغلبتني عيني، فأتاني آت فقال: يا محمد قد صليت خمسا وعشرين صلاة ولكن كيف لك بتأمين الملائكة؟
أخرجه ابن الجوزي في ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) والخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)).
وهذه الآثار السلفية دالة على حرص السلف على التكبيرة الأولى مع الإمام، وما ورد في فضل تكبيرة الإحرام مع الإمام عنهم كثير.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التلخيص الحبير)) : ((والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى آثار كثيرة)) اهـ.
فهذا حالهم في صلاتهم، فما هو حالنا؟

فتشبهوا أن لم تكونوا مثلهم *** إنَّ التشبه بالكرامِ فلاحُ

بل جاء عن السلف أنه كان يعزي بعضهم بعضا لمن فاتته التكبيرة الأولى مع الإمام.

قال العلامة ابن الملقن رحمه الله في ((البدر المنير)) : ((وعن السلف أنهم كانوا يعزون أنفسهم إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويعزون سبعا إذا فاتتهم الجماعة)) اهـ.

بما تدرك فضيلة تكبيرة الإحرام ؟
يوجد خمسة أقوال في المسألة، أرجحها قولان والله أعلم:
الأول: تدرك بعد تكبيرة إحرام إمامه مباشرة دون تأخير.
الثاني: تدرك ما لم يشرع إمامه في الفاتحة.
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله في ((الفروع)) : ((قال جماعة: وفضيلة التكبيرة الأولى لا تحصل إلا بشهود تحريم الإمام)) اهـ.
وقال العلامة الحجاوي رحمه الله في ((الإقناع)) : ((وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه لحديث الشيخين إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا والفاء للتعقيب)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((لقاء الباب المفتوح)) : ((السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام )) اهـ.
وقال رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)) : ((وإدراك تكبيرة الإحرام يكون بالتكبير بعدها مباشرة فإذا شرع الإمام بالاستفتاح فقد فاتت الإنسان تكبيرة الإحرام وذلك لأن إدراك الشيء يكون بالمتابعة عليه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا كبر فكبروا) فجعل موضع تكبير المأموم بعد تكبير الإمام مباشرة وعليه فإذا دخل المأموم مع الإمام بعد أن كبر وشرع في الاستفتاح فقد فاتته تكبيرة الإحرام )) اهـ.
وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في ((الملخص الفقهي)) : ((ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام)) اهـ.
فمن كبر مباشرة بعد تكبيرة الإمام لا خلاف أنه حاز فضل المسارعة وأدرك التكبيرة الأولى مع إمامه.

ومن تأخر وسمع إقامة الصلاة فلا يشرع له الإسراع ليدرك تكبيره الإحرام .
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).
متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) : ((المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهى عن الإسراع من باب الأولى)) اهـ.
أما ما جاء عند الطبراني في ((الكبير)) عن رجل من طيء عن أبيه أن ابن مسعود خرج إلى المسجد فجعل يهرول فقيل له أتفعل هذا وأنت تنهى عنه.
قال: (إنما أردت حد الصلاة التكبيرة الأولى).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم يسم كما تراه.

ويخشى على من تكرر منه التأخر بغير عذر عن التكبيرة الأولى أن يؤخره الله تعالى.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)).
أخرجه مسلم.
وقد ذهب بعض أهل العلم أن المراد هو التأخر عن الصف الأول والتكبيرة الإحرام وخاصة لمن عادته التأخر، فالجزاء من جنس العمل.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)) : ((وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى شيء يفعله بعض الناس تجد المقيم يقيم الصلاة والرجل جالس إلى جنب أخيه يتحدثان ويبقيان في الحديث إلى أن يركع الإمام ثم يقومان ويركعان معه هذا لا شك أنه حرمان عظيم حيث إنه فاتهم إدراك تكبيرة الإحرام وفاتتهم قراءة الفاتحة وفاتهم الاجتماع إلى المسلمين وشذوا عن المسلمين وما يتحدثان فيه يمكنهم مواصلته بعد الصلاة فليحذر الإنسان من تغرير الشيطان وتثبيطه عن الخير وليقم إلى الصلاة من حين إقامة الصلاة ليدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام ويدرك قراءة الفاتحة وما تيسر وشيء آخر والشيء بالشيء يذكر كما يقولون فإننا نجد بعض الناس يأتون متقدمين إلى المسجد ثم يجلسون في آخر المسجد فإذا أقيمت الصلاة قاموا ودخلوا في الصف وهذا من الحرمان أن يتخلفوا عن الصف الأول مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصف الأول وقال (لو يعلم الناس ما في النداء يعني الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا) يعني لو لم يجد الناس في الحصول على الصف الأول إلا أن يقترعوا أيهم يكون في الصف الأول لاقترعوا فكيف والأمر سهل فنصيحتي لإخواني الذين يتأخرون على الوجه الذي ذكرناه أن يبادروا الخير وأن يستبقوا إليه وأحذرهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأى في أصحابه تأخرا (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) اهـ.

ومن الفلاح إدراك التكبيرة الأولي مع الإمام، وفي نداء المؤذن للصلاة الدعوة لنيل فضل التبكير والتكبير -تكبيرة الإحرام مع الإمام-، وهذا من الفوز الذي يدعو له المؤذن، وهذه اللطيفة لعلي لم أسبق لها.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

🏻 كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الجمعة 8 ذي القعدة سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 18 يونيو سنة 2021 ف