بسم الله الرحمن الرحيم

‏‏‏‏التماوت في تكبيرة الإحرام

(بتعليق الشيخ الفاضل زاهد الساحلي حفظه الله)

قال حفظه الله: ((أحسنتم في كتابتكم هذه فقد انتخبتم من غرر العلم فوائد نوعية تثنى عليها الخناصر ، وتضرب أليها أكباد الأبل ، فجزاكم الله خيرا)) اهـ.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فصور ‏‏التماوت في تكبيرة الإحرام الغالب يؤدي إلى بطلان الصلاة، فتكبيرة الإحرام مفتاح الصلاة وهي أول ركن فيها، والإخلال بركن يجر لفساد الصلاة.
وأول صور التماوت في تكبير الإحرام الخطأ في النطق بها بما يحيل المعنى، كقول بعضهم: الله أكبار والأكبار جمع كبر هو الطبل، أو قول: آلله أكبر الله آكبر وهذا تساءل.
قال الخرشي رحمه الله في ((شرح مختصر خليل)) (1/ 265): ((ولو أسقط حرفا أو أشبع الباء أو أتى بمرادف ذلك من لغة أو لغتين كخداي أكبر لم يجزه)) اهـ.
ثم قال رحمه الله في ((شرح مختصر خليل)) (1/ 265): ((أن يمُدَّ في حرفٍ لا مدَّ فيه؛ مثل أن يمدّ الهمزة الأولى، فيقول (آلله) فتصبح بصيغة السؤال، أو يمد لفظ: (آكبر)، أو يزيد ألفاً بعد بالاء فتُلفظَ: (أكبار) وهو اسم للطبل الكبير، فبهذا المدّ والزّيادة يتغيَّرُ المعنى، بل وإن كان متعمّداً فيعتبر سابّاً لله -عزَّ وجلَّ-. كسر همزة (أكبر) والمدُّ معاً، لتصبح: (إِكبار) وهو اسمٌ للحيض، ولا يجوز التلفّظ بذلك. إضافة حرف الواو لأيٍّ من الكلمتين فتصبح: والله أكبر، أو: الله وأكبر، فذلك لا يصحُّ. الفصل بين لفظ الجلالة "الله" ولفظ "أكبر" بضميرٍ أو نداءٍ، فإذا قال المصلّي: "الله هو أكبر"، أو قال: "الله يا رحمن أكبر"، فلا تصحَّ التكبيرة)) اهـ.

ومن صور التماوت في تكبير الإحرام زيادة واو العطف، قولهم: الله وأكبر.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)) (4/170) : ((أما إذا كان يعتقد أن الواو للعطف وأن أكبر غير الله كما هو ظاهر السؤال يعني الله وشيء أكبر مثلاً فإن هذا لا يجوز لأنه لم يبدل الهمزة بواو وإنما أتى بواو يقصد بها العطف والعطف يقتضي المغايرة)) اهـ.
وقول: الله وكبر وذلك بإبدال الهمزة واوًا جائز.
قال الخرشي رحمه الله في ((شرح مختصر خليل)) (1/ 265): ((قال في الذخيرة: وقول العامة " الله وكبر " له مدخل في الجواز لجواز قلب الهمزة واوا إذا وليت ضمة انتهى ونقل ابن جزي في قوانينه لا بقيد العامة فقال من قال الله أكبار بالمد لم يجزه وإن قال الله وكبر بإبدال الهمزة واوا جاز انتهى، وكذلك لا تبطل لو جمع بين الهمزة والواو فقال الله وأكبر)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((تفسير القرآن الكريم سورة النمل)) (ص: 173) : ((إذا جاءت الهمزة بعد الضم جاز أن تقلب واوًا في اللغة العربية، ومنه قول كثير من المؤذنين: الله وكبر، لأنه يجوز: الله أكبر يجوز: الله وكبر)) اهـ.

ومن صور التماوت مسابقة المأموم لإمامه بتكبيرة الإحرام، ربما تقع المسابقة من المأموم وذلك إذا مد الإمام في تكبيرته مدا لا يخل بها، فيشرع المأموم في التكبير وينتهي والإمام ما زال يمطط تكبيره.
قال إبراهيم: (التكبير جزم) يقول: (لا يمد).
أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في ((المصنف)) وذكره الترمذي في ((الجامع)) بصيغة التمريض وزاد فيه (والسلام جزم) ، وفيه يحيى بن العلاء هو: البجلي أبو سلمة رمي بالوضع كما حكم عليه ابن حجر في ((التقريب)).
ورفع هذا الأثر لا يصح.
قال الحافظ ابن حجر في ((تخريج أحاديث الشرح الكبير)): حديث التكبير جزم لا أصل له، وأودعه العلامة الألباني في ((الضعيفة)) (رقم: 71).
قال ابن الأثير النهاية في ((غريب الحديث والأثر)) (1/ 270) : ((في حديث النخعي (التكبير جزم، والتسليم جزم) أراد أنهما لا يمدان، ولا يعرب أواخر حروفهما، ولكن يسكن فيقال الله أكبر، والسلام عليكم ورحمة الله. والجزم: القطع، ومنه سمي جزم الإعراب وهو السكون)) اهـ.
وقال النووي رحمه الله في ((المجموع شرح المهذب)) (3/ 299): ((المذهب الصحيح المشهور أنه يستحب أن يأتي بتكبيرة الإحرام بسرعة ولا يمدها لئلا تزول النية وحكى المتولي وجها أنه يستحب مدها والمذهب الأول، قال الشافعي في الام: يرفع الامام صوته بالتكبير ويبينه من غير تمطيط ولا تحريف، قال الأصحاب أراد بالتمطيط المد وبالتحريف إسقاط بعض الحروف كالراء من أكبر)) اهـ.

ومن صور التماوت في تكبير الإحرام امرارها على القلب دون تحرك اللسان والشفتين واشترط بعض أهل العلم التلفظ بها بحيث يسمع صوته.
قال العلامة ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/276) : ((يجب على المصلي أن يسمعه نفسه إماماً كان أو غيره، إلا أن يكون به عارض من طرش، أو ما يمنعه السماع، فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمِعَه، ولأنه ذكر محله اللسان، ولا يكون كلاما بدون الصوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه، فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه)) اهـ.
وقال العلامة النووي رحمه الله في ((المجموع)) (3/256) : ((وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره . وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره، والتشهد والسلام والدعاء، سواء واجبها ونفلها لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله ((الشرح الممتع)) (3/25): ((والصَّحيحُ: أنه لا يُشترط أن يُسمِعَ نفسَه؛ لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ. وعلى هذا: فلو تأكَّدَ الإنسان من خروج الحروف مِن مخارجها، ولم يُسمعْ نفسَه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حولَه، أم لغير ذلك؛ فالرَّاجحُ أنَّ جميعَ أقواله معتبرة، وأنه لا يُشترط أكثر مما دلَّت النُّصوصُ على اشتراطِه وهو القول)) اهـ.

ومن صور التماوت بعض الإخوة المصلين – وفقهم الله – ممن يصلي جالسًا أو على الكراسي، تجد الواحد منهم يسير على قدميه ومنهم من يستخدم عكازًا ويدب إلى المسجد، غير أنه لا يقف لتكبيرة الإحرام – مع الاستطاعة -.
يقال لمثل هذا: ارجع فصل فإنك لم تصل، لأن تكبيرة الإحرام ركن والقيام لها ركن آخر، وبعض أهل العلم جعلها شرطًا.
قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].
عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: ((صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب)).
أخرجه البخاري.
قال العلامة ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) : ((أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسًا)) اهـ.
وقال العلامة النووي رحمه الله في ((المجموع)) : ((أجمعت الأمة علي أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه)) اهـ.

ومن صور التماوت التكبير مع طأطأ الرأس، ومن وقع في هذه المخالفة فعليه أن يأتي بدليل صحيح، والسنة اعتدال الرأس عند تكبيرة الإحرام.

ومن دخل المسجد ووجد الإمام راكعًا وأتى بتكبيرة الإحرام أو ببعضها راكعًا عرض صلاته للفساد وأبطلها، لأنه يجب عليه الاعتدال حال القيام وعند تكبيرة الإحرام.
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه).
أخرجه أحمد في ((المسند)) والترمذي في ((الجامع)) وابن ماجه في ((السنن)) وابن خزيمة في ((صحيحه)) وابن حبان في ((صحيحه)) والبغوي في ((شرح السنة)) وصححه الألباني.

ومن صور التماوت تجده جالسًا على الكراسي قبل الصلاة وقبل أن يستتم قائمًا يكبر تكبيرة الإحرام ومثل هذا لم تنعقد صلاته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)).
متفق عليه.
قال النووي رحمه الله في ((المجموع شرح المهذب)) (3/ 296): ((يجب أن يكبر للإحرام قائما حيث يجب القيام وكذا المسبوق الذي يدرك الإمام راكعا يجب أن تقع تكبيرة الإحرام بجميع حروفها في حال قيامه فإن أتى بحرف منها في غير حال القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف)) اهـ.

ومن صور التماوت من كبر تكبيرة الإحرام وهو جالس على الكرسي واضعًا إحدى قدميه على الأخرى فصلاته في خطر، وهذا حاله كحال الصحيح الذي كبر تكبيرة الإحرام قائمًا وهو واضع إحدى قدميه على الأخرى أو رافعًا أحدهما فيكره فعله.

ومن صور التماوت والتباطؤ في تكبير الإحرام تأخر المأموم عن الإمام.
وجاء في المسارعة لتكبيرة الإحرام، والمسابقة للخيرات.
قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148، والمائدة: 48].
وقال سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21].
وقال الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
أخرج ابن المنذر كما في ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} قال: التكبيرة الأولى.
قال الرازي رحمه الله في ((تفسيره)) : ((قال سعيد بن جبير: إنها التكبيرة الأولى)) اهـ.

ومن أراد ادراك تكبيرة الإحرام مع الإمام عليه أن يتهيأ لها عند إقامة الصلاة.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) : ((فإذا كانت السنة غير محددة للقيام؛ كان القيام عند أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها، كل ذلك جائز.
المهم: أن تكون متهيئا للدخول في الصلاة قبل تكبيرة الإمام؛ لئلا تفوتك تكبيرة الإحرام)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
🏻 كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة السبت 23 صفر سنة 1443 هـ
الموافق لـ: 2 أكتوبر سنة 2021 ف