فوائد حديث: ( من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً ... ).

الشيخ : هذا الحديث فيه: الوعيد الشديد على من اقتطع شبرًا من الأرض أو أكثر أو أقل.
وفيه أيضًا: أن من اقتطع شبرًا من الأرض بحق فليس عليه شيء، لأن مفهوم قوله: ( ظلمًا ) أنه إذا لم يكن ظلما فليس فيه وعيد، مثل: لو أن رجلاً له جار في الأرض، فجاء هذا الجار فأدخل جزءً من أرض جاره على أرضه، فجاء الآخر الذي قد أُخذ من أرضه ما أُخذ فأدخل الذي أُخد منه إلى أرضه، فهذا لا شك أنه قد اقتطع شبرًا من الأرض أو أكثر لكن بحق، لأن الأرض أرضه، فلا يلحقه هذا الوعيد.
وفيه أن هذا العمل من كبائر الذنوب، يعني اقتطاع الإنسان شبراً من الأرض من كبائر الذنوب، وجهه : أن فيه وعيدًا في الآخرة، وكل شيء فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو نفي إيمان أو ترتيب غضب أو تبرؤ منه أو ما أشبه ذلك، فإنه من كبائر الذنوب، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: " كل شيء رتب عليه عقوبة خاصة في الدنيا أو في الآخرة فإنه من كبائر الذنوب " . وذلك لأن المحرمات نوعان :
نوع يذكر أن هذا الشيء محرم أو ينهي عنه مثلاً، ولكن لا يذكر فيه وعيد فهذا يكون من الصغائر.
ونوع آخر يُذكر فيه وعيد، يعني: يُرتب عليه عقوبة خاصة به ففي هذا يكون هذا الشيء من كبائر الذنوب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنَّ الجزاء من جنس العمل، وذلك أن هذا الرجل لما تحمل هذا الإثم بالنسبة للأرض جُوزي بأن يتحمل العقوبة بمثلها يوم القيامة.
وفيه : إثبات يوم القيامة، وهذا شيء دلَّ عليه السمع والعقل، يوم القيامة دل عليه السمع والعقل :
أما السمع ففي القرآن آيات كثيرة تدل على ثبوت هذا اليوم، وأما السنة فكذلك فيا أحاديث كثيرة تدل عليه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ).
وأما العقل، فلأن العقل يُحيل أن يخلق هذه الخليقة العظيمة ويرسل إليها الرسل، وينزل عليها الكتب، ثم تكون النتيجة أن تموت هذه الخليقة ولا يترتب على ذلك شيء، فإن هذا بلا شك ينافي حكمة الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )) : اختلف ؟!
(( لرادك إلى معاد )) : فيبن الله عز وجل أن الذي أنزل عليه الكتاب لابد أن يرده إلى معاد يجازى فيه الناس على هذا القرآن.
من فوائد هذا الحديث: أن الأرضين سبع لقوله: ( من سبع أرضين ) ، وثبوت كونها سبعًا بهذا العدد المعين ليس مذكورًا في القرآن ، لكنه مشارٌ إليه في قوله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن )) ، فإن المثلية هنا في العدد ، لأنها ليست مثلهن في الكيف ، لأن السماء أعظم مِن الأرض وأوسع، فلا يمكن أن تكون مثلها في الكيفية، إذن هي مثلها في العدد، لكنّ هذا ليس بصريح، أما السنة فإنها صريحة في ذلك.
ومن فوائد الحديث: أن هذه الأرضين متطابقة، هذا هو الظاهر، يعني: ليس بينها فاصل، لأنه لو كان بينها فاصل ما جُوزي الإنسان بالعقوبة إلا على الأرض العليا فقط، دون الأرض السفلى وما بينهما، مع أنه يحتمل أن نقول: إن هذا ليس بصريح في أنها متطابقة، لأنه إذا كانت الأرضون السفلى ليس فيها سكان يعمرونها فإنه يكون لمن في الأرض العليا الحق في هذه الأرضين.
ومن فوائد هذا الحديث: ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله- أنَّ القرار تابع لما فوقه، كما أن الهواء تابع لما تحته، فالإنسان يملك ما تحت أرضه إلى الأرض السابعة، ويملك ما فوق أرضه إلى السماء، فلو أن أحدًا أراد أن يحفر سِربًا تحت أرضه فله أن يمنعه، ولو أراد أن يُخرج جناحًا مِن بنائه على هواء جاره فله أن يمنعه من ذلك، لأن الإنسان يملك ما تحت إلى الأرض السُفلى، وما فوق إلى السماء الدنيا.
ومن فوائد هذا الحديث: أنَّ يوم القيامة لا يُقاس بأيام الدنيا، لأن تطويق الشخص مِن سبع أراضين بمقدار ما غَصب مِن الأرض العليا أمرٌ يبدو مستحيلاً في الدنيا، ولنفرض أنه اقتطع أميالاً ظُلمًا فإنه يطوق إياه يوم القيامة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا لا يمكن في الدنيا أن يتحمله الإنسان، ولكن يقال: إنَّ أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا، بل هي تختلف اختلافًا عظيمًا، ولهذا تدنو الشمس يوم القيامة مِن الخلائق بمقدار مِيل، ولا يحترقون، مع أنها لو دنت إلى الأرض الآن بمقدار أَنملة لفسدت الأرض واحترقت، كذلك أيضًا يعرق الناس يوم القيامة، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حِقويه، ومنهم يلجمه العرق وهم في مكان واحد.
كذلك أيضًا يوم القيامة، نور المؤمنين يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وغير المؤمنين في ظُلمة، وهذا أيضا لا يمكن أن يكون في الدنيا، إذن فأحوال الآخرة لا يمكن أن تقاس بأحوال الدنيا أبدا لوجود الفارق العظيم.
والأبدان يوم القيامة تعطى طاقة عظيمة أكثر من طاقتها اليوم، لأنها تنشأ للبقاء لا للفناء، أما في الدنيا فإنها تُنشأ للفناء، ولكن في الآخرة تُنشأ للبقاء، فتكون الطاقات في ذلك اليوم غيرَ الطاقات في هذا اليوم.
يتفرع على هذه القاعدة: أننا لا نورد على أنفسنا ولا على غيرنا : كيف يكون ذلك، ليش؟
لوجود الفارق العظيم بين هذا وهذا.
ويتفرع على هذا أيضاً: أنه إذا كان هذا الاختلاف بين الخلق لاختلاف الدارين فما بالك بالاختلاف بين الخلق والخالق ؟!
وعلى هذا فلا يمكن أن نقول في شيء من صفات الله يستحيل أن يوجد في صفات المخلوقين، لا يمكن أن نقول: كيف، ولم ؟!
فمثلاً علو الله عز وجل فوق المخلوقات كلها أمر ثابت، ونزوله إلى السماء الدنيا نفسِه أمرٌ ثابتٌ أيضًا، وهذا يبدو بالنسبة للمخلوق إيش؟ أجيبوا يا جماعة!
الطالب : مستحيل .
الشيخ : يبدو بالنسبة للمخلوق أمراً مستحيلاً ، لكنه بالنسبة للخالق ليس بمستحيل، أي: ليس بمستحيل أن يكون الله فوق كل شيء وهو نازل إلى السماء الدنيا، لأن الله لا يقاس بخلقه، وهذه قاعدة ينبغي لكم أن تفهموها: أنه لا يمكن أن يُقاس الغائب -أتموا- بالشاهد ، لا يمكن ، فإذا صح النقل عن صفة من صفات الغائب وجب قبوله ولا نقيسه بالشاهد.