حكم قراءة المرأة الحائض للقرآن .
السائل : نفس السائل يقول : هل يجوز للمرأة قراءة القرآن وهي حائض ؛ علمًا بأنها مُدرِّسة تربية إسلامية ؛ تدرِّس الطالبات تربية إسلامية ؟

الشيخ : هذه مشكلة قلَّما تتعرَّض لها المجلات والجرائد ، ولا يجدون لها جوابًا ، وسبب ذلك انغماسهم في التقليد وابتعادهم عن هدي الكتاب والسنة ، لو أنهم درسوا السنة لَاستراحوا وأراحوا ، لقد جاء في " صحيح البخاري " من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما حجَّ حجَّة الوداع ، وكان معه نساؤه فيهنَّ عائشة ، فنزل منزلًا في مكان قريب من مكَّة اسمه " سرب " ، ومعنى نزل أي : نصب الخيام أو نُصبت له الخيام ، الخيام لزوجاته بطبيعة الحال ، فدخل على السيدة عائشة فوجدها تبكي ؛ قال : ( ما لك ؟ أنفست ؟ ) قالت : نعم يا رسول الله ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاصنعي ما يصنع الحاجُّ غير أن لا تطوفي ولا تصلي ) ، اصنعي ما يصنع الحاج يا أيتها المرأة الحائضة ، اصنعي ما يصنع الحاج غير أن تصلي ولا تطوفي ، ماذا يصنع الحاج ؟ يدخل المسجد الحرام بطبيعة الحال ، ويجلس ويقرأ القرآن ، لكنه - أيضًا - يطوف ويصلي ، فمنعها من الصلاة والطواف ؛ لأن كلًّا من الصلاة والطواف يُشترط فيه الطهارة الكاملة ، فإذا كان الرسول يقول لعائشة - وهي كما تعلمون أحبُّ الخلق أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوابًا منه عن سؤال مَن سألَه عن أحبِّ الناس إليه ؟ قال : ( عائشة ) . قال : ومن الرجال ؟ قال : ( أبوها ) ، إذا كان هذا جواب الرسول - عليه السلام - لعائشة وقد حاضت يقول لها : ( اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي ) ؛ معنى ذلك أنه يقول لها - هنا بحث - أيضًا - له علاقة توجيهنا إياكم إلى ضرورة دراسة علم أصول الفقه مع علم أصول الحديث - ، مفهوم الكلام ، منطوقه : لا تصلي ولا تصومي ، مفهومه أنُّو اقرئي القرآن ، ادخلي المسجد لأنُّو قال لها : ( اصنعي ما يصنع الحاج ) في هذه الأمور تصنع إذًا هذه الأمور هذه الأشياء التي لم ينهها الرسول - عليه السلام - .

والآن أستدرك على نفسي فأقول : هذا مثال بإعمال النص العام ؛ دَعْ قضية المنطوق والمفهوم ، فالنص العام : ( اصنعي ما يصنع الحاج ) استثنى من هذا النص العام ( لا تصومي ولا تصلي ) .

السائل : ( لا تطوفي ولا تصلي ) .

الشيخ : ( لا تطوفي ولا تصلي ) نعم ، إذًا يجوز للمرأة الحائض أينما كانت أن تدخل المسجد ، وأن تجلس فيه ، وأن تقرأ القرآن فيه أو في غيره لا حرج عليها في ذلك ؛ ذلك لأن الرسول - عليه السلام - أباح لها وهي حائض أن تعمل كل شيء يعمله الحاج غير ألا تطوف ولا تصلي ، وثانيًا لأنه لم يأتِ نصٌّ صحيح ثابت عن الرسول - عليه السلام - يحرِّم عليها شيئًا من ذلك ؛ من تلاوتها للقرآن ، أو من دخولها إلى المسجد الحرام ، فضلًا عن غيره من المساجد ، بل قد جاء في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يومًا لعائشة - رضي الله عنها - : ( ناوليني الخُمْرة من المسجد ) ، الخمرة : حصير يصلي عليه الإنسان ، قيل أنها بقدر السجود يعني قصير نحو 30 سنتي ، وقيل أنها مصلى يصلي عليه الإنسان ، ( ناوليني - يا عائشة - الخُمْرة من المسجد ) ، قالت : يا سول الله ، إني حائض . قال : ( إنَّ حيضتك ليست في يدك ) ؛ هذا يفيدنا شيئين هامين : الأول أن كون المرأة حائضًا لا تصلِّي لا يعني بنجاستها العينيَّة ، بل هذه نجاسة شرعية حكميَّة ؛ بدليل قوله - عليه السلام - : ( إن حيضتك ليست بيدك ) ، فبدنك كلُّه طاهر إلا ذلك المكان الذي يخرج منه ذلك الدم الأسود النجس القذر ، فإذًا ليس هناك ما يمنع - هذا الحديث يعطينا الفائدتين - ؛ ليس هناك ما يمنع الحائض أن تدخل المسجد ، وليس هناك ما يمنع الحائض أن تتناول الشيء الطاهر وتعطيه لأطهر الناس ، وهو الرسول - عليه السلام - .

... بهذا نفهم أن لا حرج على المرأة الحائض أن تقرأ القرآن أو تُقرئ القرآن ؛ سواء كانت مدرِّسة أو غير مدرِّسة .

السائل : نكتفي - إن شاء الله - ، ونسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا للعمل بما سمعنا ، وأن نُوفَّق - أيضًا - - إن شاء الله - لأن نطلب العلم الصحيح الذي هو علم الكتاب والسنة ، ولعل فيما سمعنا في هذا اللقاء واللقاءات السابقة يكون لنا حافز أكثر لأن نتفرَّغ إلى دراسة علم الحديث ، وأن لا نستعجل ... لأن نعتبر أنفسنا محدِّثين ، وإنما لأن نبدأ أولًا بدراسة هذا العلم الصحيح ، والله - عز وجل - نسأل الهداية والتوفيق .

الشيخ : ... والحمد لله رب العالمين .