بيان عقيدة الجهمية المخالفة لعقيدة السلف ، و بيان أن الرسول عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين وكيفية التعليم للصحابي الذي تكلم في الصلاة وفيه تكلم على الكهان وعلى الطيرة وعن حديث الجارية

السائل : ... كتاب الدارمي: " الرد على الجهمية " في المقدمة الكلام عن الجهمية الحديثة، فهل هناك فرق بين الجهمية ... ؟
الشيخ : نعم ، الفرق الحديثة طبعا تتبنى بعض أفكار الجهمية القديمة، لكنها لا تنتمي إليها اسما ولا مذهبا، وإنما تلتقي في بعض ما كانت الجهمية تذهب إليه، فكرا وعقيدة، غلاة الجهمية الحقيقة يلتقون مع القائلين بوحدة الوجود، لأنهم لا يصفون الله عز وجل بالصفات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ينفون عنه الصفات، وإذا نفوا عنه الصفات عطلوه، يعني حكموا عليه بعدم الوجود، كما يقول الدهريون تماما، هؤلاء غلاة الجهمية ، دونهم طبقة من الجهمية ينكرون ما سبق ذكره آنفا، من أن الله عز وجل فوق مخلوقاته كلها، ويصرحون بما يصرح به عامة المسلمين، مع أنهم لا يقصدون ذلك المعنى الذي يقصده أولئك الجهمية، يصرحون بأن الله عز وجل في كل مكان، فكثير من الناس اليوم ، حتى الكتاب ونحو ذلك ممن لم يدرسوا العقيدة الإسلامية الصحيحة يقولون هذه الكلمة ، وينفون أيضا عن الله عز وجل صفات أخرى كثيرة، منها مثلا، يقولون على الرغم من تصريح القرآن بقوله عز وجل: (( وكلم الله موسى تكليما )) يقولون بأن الله لا يتكلم، هذا من عقيدة الجهمية، ووافقهم على ذلك المعتزلة كلهم، فالمعتزلة يصرحون بأنه ليس من صفات الله الكلام، وسبب هذا الإنكار حديثا وقديما، هو تسليط العقول كما أشرت آنفا إلى أمور غيبية، وغيب الغيوب هو الله تبارك وتعالى، فلا يجوز نحن أن نكيف صفات الله عز وجل بالكيفية التي نحن نعرفها، يعرفها بعضنا من بعض، مثلا: الكلام نعرفه، لا بد من جهاز معروف هو الفم واللسان والحلق والأسنان والأضراس إلى آخره، إذا نقص شيء من هذه الآلات التي خلقها الله في الإنسان، صار الكلام شوية غير طبيعي، فلما هم يتصوروا أن الله كلام موسى تكليما، يتنقل تصورهم للمخلوق إلى الخالق، ويستلزموا من ذلك أن الله يتكلم بلهاة بلسان بأضراس بأسنان إلى آخره، وطبعا هذا تشبيه ، والتشبيه باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل.
مقدمات يقيمونها، هي في الأصل على شفا جرف هار خيال، ثم يبنون عليها علالي وقصورا، وهذا الذي يبنون عليه تعطيل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، ربنا عز وجل لحكمته البالغة خلق لهذا البشر في هذا العصر آلة صماء بكماء، وهو المسجلة ، من قبل صندوق السمع الميكرفون، يتكلم بكلام عربي مبين، وليس هناك شيء من هذه الآلات التي يتكلم بها الإنسان ، فالله عز وجل الذي خلق هذا الجهاز جامد ليس بإنسان، والإنسان كما نعلم جميعا مفضل على المخلوقات كلها: (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) هذا الجهاز الأصم الأبكم يتكلم بدون ما يكون تلك الآلات، ترى ربنا عز وجل القادر على كل شيء ، ألا يستطيع أن يتكلم مع أنبيائه ورسله بدون ما نتصور تصور المعتزلة، إنه الإنسان يتكلم بوسائل ، فإذا ربنا لازم يكون له كذا، حاشاه، ولذلك يقول الله عز وجل في القرآن الكريم جمعا بين ما يقوله العلماء الإثبات لصفات الله وتنزيها لهذه الصفات أن تشابه صفات المخلوقات، فيقول سبحانه وتعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) من العجيب أنك ترى هؤلاء المعتزلة وبعض المتشبهين بهم قديما وحديثا، يقولوا إن الله سميع وبصير، طيب كما أثبتم صفة السمع والبصر، وما قلتم أنه لازم يكون له حدقة وله أجفان، ولازم يكون ما أدري عين الإنسان، ولازم و لازم ...، ما قلتم شيئا من ذلك، أطلقتم قال الله تعالى:(( وهو السميع البصير ))كذلك قولوا عن كلام الله عز وجل،(( ليس كمثله شيء )) بتنتهي القضية ، مع ذلك بعض من طرد الفرار من التشبيه بالتعطيل جاء في هذه الآية نفسها (( وهو السميع البصير )).
فنفي أن يكون له سمع وأن يكون له بصر، بحجة أن الإنسان له بصر والإنسان له سمع، وهذا تشبيه ،سبحان الله، أجابهم أهل الإثبات من أهل السنة والجماعة إذا أنتم طردتم أن تنفوا عن الله كل الصفات التي أثبتها لنفسه لمجرد الاشتراك في الاسم وليس في الحقيقة، إذا قولوا كما قال غلاة الصوفية: لا وجودان إنما هو وجود واحد، لماذا؟ لأنه الآن نسأل بعضنا البعض، نحن موجودين أم معدومين؟ طبعا موجودين، الله موجود أم معدوم؟ الله موجود وجود الحق كما قلنا من قبل، فإذن صار في اشتراك وجود الله ووجود الإنسان تنكروا إذا وجود الله وبتنتهوا من هذه المشاكل كلها، لا وجود غير وجودنا كلمة حق، أثبتوا عليها وجوده غير وجودنا، صفاته غير صفاتنا، انتهت المشكلة ، فنقول كلامه ليس ككلامنا، بصره ليس كبصرنا، سمعه كذلك ، كل ما أثبته الله عز وجل له من صفات هي لا تشابه صفات المخلوقات، كما في الآية السابقة: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )).
إذا جهمية العصر الحاضر هم الذين يلتقون مع الجهمية الأولين في إنكار بعض صفات الله، أولئك نفوا صفات الله كلها، هؤلاء يشتركون مع الجهمية القديمة في إنكار بعض الصفات باسم التنزيه، لكن حقيقة التنزيه أن نثبت لله عز وجل ما أثبته الله لنفسه دون تكييف ودون تشبيه، وبهذه المناسبة يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:
" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأى فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه "

فنفي الصفات خوفا من التشبيه والتعطيل، هذا مذهب المعتزلة الذين هم فرع عن الجهمية، ومذهب بعض المعاصرين اليوم، ممن يلتقون مع أولئك في بعض ما أنكروه من الصفات.
ويحضرني في هذه المناسبة قصة وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في زمانه ، والحقيقة أنه كان عالما فذا في إحاطته بعلم الكتاب والسنة، زائد معرفته بعقائد الفرق المخالفة بما فيهم الفلاسفة الذين ينكرون الشرائع، فكان من مزاياه الشجاعة التي قل ما توجد مع الأسف في أهل العلم، فشكوه إلى الوالي في دمشق يومئذ بأن هذا يعتقد كذا وكذا، يرمونه بالتشبيه، فعقد له مع الشيوخ مجلس مناظرة، فسمع الأمير لكل من الشيخ والجماعة، الجماعة ينكرون بعض الصفات، منها أن يكون الله عز وجل فوق مخلوقاته ، وسمع من الشيخ آيات كثيرة ذكرنا نحن آنفا بعضها ، ومما ذكر حديث يعرف عند علماء الحديث بحديث الجارية ، وهذا الحديث رواه الإمام مالك من الأئمة الأربعة كما تعلمون في موطئه ، والإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه بالسند الصحيح ...
فيقول معاوية هذا يحدث عما وقع له في أول إسلامه، قال : ( صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم يوما فعطس رجل بجانبي فقلت له : يرحمك الله ) هو يصلي ( قال : فنظروا إلي هكذا، فقال أو هو قال : وثكلى أمياه ) وهو عم بصلي الرجال ( وثكلى أمياه ، ما لكم تنظرون إلي ) هو حديث عهد في الإسلام، مش متعلم أحكام الصلاة كما ينبغي، مش داري هو أن الكلام في الصلاة يفسدها ويبطلها، ولذلك صاح بعادة الأعراب، ورفع عقيرته ( وثكلى أمياه ، ما لكم تنظرون إلي ) شو أنا عامل معكم؟ " الجماعة يضربون على أفخاذهم تسكيتا له " بلا شك الرجل صلى، وما درى كيف صلى، يريد أن يعرف شو ذنبه، لكن بلا شك بصورة عامة يفهم أن الجماعة ما عملوا هذه المعاملة إلا إنه هو مخطئ، ولذلك هو يتصور الآن أنه هذا النبي الذي صلى خلفه، ترى ماذا سيفعل به ؟ وإذا به يفاجئ كما هو الطبيعي من الرسول عليه السلام ،" فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إلي فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، وإنما قال لي : ( إنما هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وذكر وتلاوة القرآن ) " هذا كل شيء فعله معه، ولا شك أن الواحد منا لما يبدوا أنه أخطأ خطأ مع رجل كبير، يتصور أن هذا كبير يريد أن ينهره، يريد أن يقهره، وإذا به يفاجئ بما هو مفروض ولائق بالرسول، كما قال تعالى: (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) وإذا به لا يرى إلا التعليم، وكأنه لم يصنع شيئا ( لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ... ) إلى آخره، فلما رأى هذا اللطف، وهو يشعر الآن بأنه بحاجة لأن يتعلم، فأخذ يلقي السؤال على الرسول عليه السلام بعد السؤال، والرسول يجيبه، فقال: " يا رسول الله إن منا قوما يأتون الكهان ". المنجمين، العرافين، يلي يسموهم البصاره، قال: ( فلا تأتهم ) كلام موجز، شرحه معروف عند العلماء ، قال: " يا رسول الله إن منا أقواما يخطون " خط يعني بالضرب على الرمل،
" إن منا أقواما يخطون، فقال عليه السلام : ( قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك ) " هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال، يقول الرسول عليه السلام لهذا السائل ...
السائل : ما المقصود بالخط ؟
الشيخ : الرمل يا أستاذ، بكتبوا على الرمل، بعض المنجمين يستعملوا الرمل كوسيلة بزعمهم، لاكتشاف المغيبات، ما في عندكم شيء صاير ؟
السائل : معروف هذه البصارة، بتبصر بالرمل.
الشيخ : أيوه، أيوه هذه البصارة
السائل : النبي يفعل هكذا ؟
الشيخ : ( قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك ) قلت آخر ما قلت: هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال أي من البيان، أي أن الله عز وجل كان قد جعل لنبي من الأنبياء السابقين الضرب على الرمل وسيلة من الوسائل الخاصة به ، لاكتشاف بعض المغيبات، لذلك قال عليه السلام لهذا السائل لما قال إن فينا أقواما يخطون، كان جوابه: ( قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه ) منكم خط ذاك ( فذاك ) أي المصيب، لكن هذا تعليق بالمحال، هذا مستحيل لأن تلك كانت معجزة لذلك النبي .
( قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك ) . قال : " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن منا أقواما يتطيرون " قال : ( فلا يصدنكم ) التطير هو التشاؤم، معروف هذا، والتشاؤم اليوم بالرغم أن الإسلام أبطله وقال: ( لا طيرة ) ستجد كثيرا من المسلمين بسبب إغراقهم في جهلهم يتطيروا، خاصة النساء منهن، يعني الغسيل مثلا يوم كذا لا يجوز، إدخال الصابون يوم كذا لا يجوز ، خرافات وخرافات كثيرة جدا، هذا كله تطير لا يجوز في الإسلام، لا طيرة في الإسلام.
قال: إن منا أقواما يتطيرون، قال: ( فلا يصدنكم ) جواب في منتهى الحكمة واللطف وعدم التحجير والتضييق على الناس، لأنه لا يقول لا تتطيروا، فيه فرق كبير جدا، بينما قال عليه السلام لا يصدنكم، وبينما لو كان القول لا تتطيروا، لو قال لا تطيروا، تكليف بما لا يطاق، والله يقول: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) لكن كلفهم بما يطيقون .
أصل كلمة التطير مشتقة من الطير، وكانوا في الجاهلية من خرافاتهم وانصرافاتهم ، كان أحدهم إذا عزم على سفر وخرج من داره لابد ما يصدفه طير، هذا الطير الحيوان إذا طار يمينا فالسفر ميمون في زعم هذا الإنسان، يا ترى أيهما أحيون هذا الإنسان أو ذاك الحيوان؟ إذا طار هذا الطير، وهو الطير نفسه لو سئل لماذا طرت يمينا؟ لا يدري، إذا طار يمينا فسفره ميمونة، وإذا طار شمالا فسفره مشئوم هذه عادة الجاهلية طار شمال يرجع إلى بيته، كل التخطيط اللي وضعه في هذا السفر يبطل لمجرد طيران الطير شمالا ويسارا، فالرسول عليه أبطل هذه الطيرة، لكن ما أبطلها كشيء يصدر من الإنسان فجأة دون تفكير تخطيط، لكن أبطل التجاوب مع الطيرة، أبطل التجاوب مع الطيرة فقال: ( لا يصدنكم ) فمثلا إنسان عزم على سفر، خرج من بيته، وأخذ الشنطة معه ... إلى آخره، وإذا واحد يتخانق مع الثاني ويتخاصم معه، ويقول له: الله لا يوفقك، بتيجي طخ في أذنه، يتشاءم منها، يرجع، لكن إذا كان مسلما تأدب بأدب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يرجع، كلمة جاءت على الطاير، مثل ذاك الطير شو لها تأثير؟ ما لها تأثير، لذلك قال عليه السلام: ( لا يصدنكم ) فأنت سمعت كلمة منها تشاؤم، لا تتجاوب معها، كونك تشاءمت في أول وهلة ما عليك مؤاخذة، لكن إذا تجاوبت معها فهنا تأتي المؤاخذة.
قال: " إن منا أقواما يتطيرون " قال: ( فلا يصدنكم ) الآن يأتي الشاهد، قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي جارية ترعى غنما لي في أحد، فسطا الذئب يوما على غنمي " افترس الذئب ما شاء الله من غنم هذا الرجل، قال: وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فصككتها صكة " وين كنت غافلة نائمة إلى آخره، " حتى سطا الذئب على غنمي " طبعا هو صكها هذه الصكة ثم ندم، لذلك يقول في تمام سؤاله: " وعلي عتق رقبة، كأنه يقول أعتقها، يجوز لي كفارة "، قال: ( ائتي بها ) فلما فلما جاءت قال لها عليه الصلاة والسلام:( أين الله؟ ) قالت: في السماء، قال لها: ( من أنا؟ ) قالت: أنت رسول الله، قال لسيدها: ( اعتقها فإنها مؤمنة ) يقول أهل العلم عرفت ربها في السماء كما قال: (( أأمنتم من في السماء ... )) " إلى آخر الآية التي ذكرناها آنفا، وعرفت أن محمدا عبده ورسوله في الأرض، فشهد لها بالإيمان وقال لسيدها اعتقها، فعتقك إياها وفاء لنذرك بأن تعتق رقبة.
الشاهد كنا في قصة ابن تيمية مع مجلس الاختبار والمناقشة والمناظرة، فذكر ابن تيمية من هذه الأحاديث ما شاء الله، منها الحديث، والحمد لله لايزال شائعا على ألسنة الناس ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) سمع كلام ابن تيمية قال الله قال الرسول، مثل ما قال ابن القيم في الشعر السابق:
" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأى فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه "

سمع ابن تيمية يثبت وجود الله وأنه فوق المخلوقات كلها، أما المشايخ فإذا قيل له أين الله ؟ قالوا لا ندري، فماذا كان جواب الأمير العاقل ، قال: " هؤلاء قوم أضاعوا ربهم " فعلا ربنا يلي خلق الكون، وكان الله كما جاء في حديث عمران بن الحصين في صحيح البخاري: ( كان الله ولا شيء معه ) ثم خلق هذا الكون بما فيه من سموات، من أراضين من جبال من وديان، من ملائكة من انس من جن من دواب، كيف لا يدرون أين الله والآيات والأحاديث متواترة متضافرة كلها على أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها! ولذلك كان من أوراد المسلم إذا وضع جبهته ساجدا لربه أن يعظمه ويقول " سبحان الله ربي الأعلى، سبحان الله ربي الأعلى ".
(( سبح اسم ربك الأعلى )) من السنة إذا سمع هذه الآية تتلى أن يقول سبحان الله ربي الأعلى، لأن الله أمر في الآية أن يقول " سبحان ربي الأعلى " فلما سمع المناظرة ذاك الأمير العاقل، والنقاش بين الشيخ من جهة والمشايخ من جهة أخرى، قال :" هؤلاء قوم أضاعوا ربهم " ، فعلا هذه حقيقة نسمعها اليوم، نلمسها لمس اليد، أما أن يقول لا ندري، ويتبع هذا النفي إنكار السؤال الصادر من الرسول، الرسول قال للجارية أين الله؟ فالآن نسمع إنكارا للسؤال الصادر من الرسول فضلا أن يقروا الجواب الصادر من الجارية، والذي عليه شهد الرسول لها بالإيمان، ومن ذلك أمر سيدها بأن يعتقها. الناس اليوم إما أن يقولوا حقيقة أن الله في كل مكان، وهؤلاء هم الجهمية وبعض المعتزلة، وإما أن يقولوا جوابا عن سؤال الرسول للجارية أين الله؟ لا ندري. وأنا سمعت من أحد الخطباء ممن درست عليه الفقه وعلم النحو على المنبر وفي مسجد، إذا كان فيكم أحد يعرف دمشق جيدا، اسمه جامع التوبة في العقيبة، سمعته يقول: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه. وأنا بقول يا جماعة وأظن رايحين تؤيدوني جميعا، لو قيل لأفصح العرب لسانا، صف لنا المعدوم الذي لا وجود له، لما وسعته لغته العربية الفصيحة كلها أن يصف المعدوم بمثل ما وصف هذا الشيخ، وهذا مش من عنده، هذا متلقيه من كتب بمثل ما وصف هذا الشيخ ربه، حيث قال: لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، ولا داخل العالم ولا خارجه. هذا هو العدم يا جماعة، هذا هو العدم، بعض الفلاسفة يزيدها ضغثا على ابالة كما يقال، يقولوا: لا متصلا به ولا منفصلا عنه. لا متصلا به ولا منفصلا عنه، إذن هذا هو المعدوم، هذه هي وحدة الوجود فعلا، لكن غلاة الصوفية يعلنونها صريحة لا هو إلا هو، كل ما تراه بعينك فهو الله، لكن ناس آخرون على طريقة اللف والدوران، ويصلوا ويصوموا، لكن هذا مما تأثروا به من منطق الفلاسفة وما استطاعوا بسبب جهلهم بكتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ذلك بمثل ما سمعتم من كلام عبد الله بن المبارك، " الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته بائن من خلقه ، وهو معهم بعلمه ".
هذه قصة وقعت لابن تيمية رحمه الله تعالى مع المشايخ، والحاكم كما تعلمون، يعني أغلب الحكام ما في عندهم علم، لكن المفروض فيهم يكون عندهم عقل، وعندهم كياسة يميزوا الصواب من الخطأ، فهو بعقله وفطرته السليمة قال عن المشايخ أهل العلم : " هؤلاء قوم أضاعوا ربهم "، فعلا كلام صحيح .