الشيخ : فيه أيضا نقطة ثانية نضيفها إلى ما قاله الإمام مالك رحمه الله.
السؤال عن كيفية الاستواء مع كونه بدعة من التنطّع في دين الله، التنطّع يعني التعمّق في الدين، التعمّق في الدين والسؤال عما لم تخبر عنه، هذا هلاك، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( هلك المتنطّعون، هلك المتنطّعون، هلك المتنطّعون ) هلك، وهذا يحتمل أن يكون خبرا وأن يكون دعاء، وعلى كل حال فهو تحذير من التنطّع في دين الله اجعل الأمور على ظاهرها.
يذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بحوض إبل فأصاب صاحبا له، معه رجل يمشي، فأصابه من ماء الحوض، فقال الرجل الذي أصابه الماء: يا صاحب الحوض هل الماء نجس؟ فقال عمر: " يا صاحب الحوض لا تخبرنا، يا صاحب الحوض لا تخبرنا "، لماذا؟ لأن السؤال عن ماء الحوض تنطّع والمتنطّع هالك، والهالك لا جواب له.
وعلى هذا إذا أصابك ماء لا تقل هذا ماء مجاري، قد يكون ماء ماسورة منكسرة، فلا تشكك ولا تسأل ولا تبحث، أصابك ماء ميزاب من فوق، يحتمل أن أحدا الصبيان بال في الميزاب وخرّ، ويحتمل أن السطح غسل فخرّ، ويحتمل أن هناك ضباب تكثّف فخرّ، كل هذا محتمل، هل تسأل إذا أصابك ماء الميزاب تقول: يا فلان تطرق على صاحب البيت يا فلان أصابني ماء من ميزابك فهل هو نجس ولا لا؟ لا، إذن لا تنطّع في دين الله، لا في الأمور الخبرية ولا في الأمور الحكمية، سلّم واستسلم ولا تستفصل.
ما عاقبة التنطّع؟ استمع إلى قصّة بني إسرائيل، قتلوا نفسا بغير حق، قبيلة قتلت رجلا من قبيلة، فادارؤوا فيها فجاؤوا إلى موسى، فقال: اذبحوا بقرة، اذبحوا بقرة، واضربوا القتيل ببعض البقرة وسيتبين لكم من هو القتيل، سبحان الله! أرأيتم لو أنهم ذبحوا بقرة أي بقرة كانت وضربوا القتيل ببعضها أيحصل المقصود أو لا يحصل؟
الطالب : يحصل.
الشيخ : يحصل، لكن تعمقوا فهلكوا، تشدّدوا فشدّد الله عليهم (( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي )) كبيرة؟ صغيرة؟ إيش هي؟
الطالب : صفراء ...
الشيخ : لا يا جماعة اصبروا علي (( قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون )) هل فعلوا؟ ما فعلوا.
جاء سؤال آخر: (( قالوا ادع لنا ربّك يبين لنا ما لونها )) الآن عرفنا السّنّ أنها بين الفارض والبكر، لكن نريد اللون، طيب اذبحوا بقرة لون أسود أبيض ما عليكم، قالوا لا لازم نعين اللون (( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين )) ثلاثة أوصاف، ما قال بقرة صفراء وبسّ، (( صفراء فاقع لونها )) شديد الصفار ولا هي قبيحة (( تسرّ الناظرين )) تشديد، لو قيل لهم إنها بقرة صفراء او سوداء أو بيضاء أجيبوا ولا ما أجيبوا؟
الطالب : ...
الشيخ : ما أسرع ما تنهزمون يا جماعة! لو قيل لهم بقرة صفراء فقط أجيبوا ولا لا؟
الطالب : ...
الشيخ : أجيبوا لأن هذا لون، هم قالوا ما لونها فقط، لو قيل صفراء انتهى الموضوع لكن شدّد عليهم (( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين )) بقي، بقي سؤال ما هو؟ ادع لنا ربك ما هي؟ وش عملها؟ حلوب ولود أيش هي؟ (( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا )) ما تشابه عليهم لكن هم كذبة (( إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون )) المسألة فيها إشكال (( إن شاء الله لمهتدون )) قال (( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها ))(( مسلمة )) من كل عيب، (( لا شية فيها )) ما فيها أي عيب، وبعد ذلك شوف الحكم بالعقل (( الآن جئت بالحق )) وقبل؟ قبل ذلك؟ ما جاء بالحق أعوذ بالله! (( الآن جئت بالحق )) كأنهم هم الذين حكموا (( الآن جئت بالحق فذبحوها )) بانقياد وانشراح وانبساط ومسارعة، شوفوا الكلام صحيح ولا غير صحيح؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : ذبحوها بانقياد وانشراح وانبساط وفرح وسرور وايش؟
الطالب : وضيق صدر.
الشيخ : لا، بالعكس، عكس ما أقول (( وما كادوا يفعلون )) ما فعلوا إلا بعد التي والتيّا، هذا كله نتيجة أيه؟
الطالب : التنطّع.
الشيخ : التنطّع والتشديد، ولهذا إذا تنطّع الإنسان حتّى في الوضوء لو تنطّع في الوضوء وقام يفرك زاد عليه الشر انفتح عليه باب أيش؟ باب الوساوس، ثم صار يغسل العضو ثلاث مرات ويقول ما بعد تمّ غسله، ويكرر ويقول: ما تمّ غسله لأنه إذا شدّد الإنسان شدّد الله عليه، سواء كان التشديد شرعيا أم قدريا متى شدّدت على نفسك، فإن الله سيشدّد عليك فخذ بالأسهل والأيسر، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
فأقول: إن الذي يسأل عن كيفية صفات الله متنطّع، والواجب في هذه الأمور الخبرية الغيبية التسليم التام وأن لا نسأل عما سوى ذلك.
بعض الشباب قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
أرجو أن أرجع، إذن نثبت أن معنى قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى )) أي: علا وارتفع بدون تمثيل وبدون تكييف، نحن نشهد أن علو الله على عرشه ليس كعلو الإنسان على البعير، لأن الله يقول (( ليس كمثله شيء )) ونحن نقف فلا نكيّف في صفات الله، لأننا لم نعلم عن كيفية صفاته، ثم إن أي كيفية تقدّرها في ذهنك أو تنطق بها بلسانك فأنت كاذب لأنه ما عندك علم.