بيان معنى الاستواء على العرش والرد على المخالفين ، وإثبات الصفات لله من غير تمثيل ولا تعطيل، وبيان انحراف المبتدعة في مسألة العلو والاستواء.
العلامة محمد ناصر الدين الالباني -رحمه الله-
الشيخ : نعم ؟
السائل : العرش كان ولا يزال ؟
الشيخ : العرش كان.
السائل : أزلياً ؟
الشيخ : ليس أزلياً لكنه هو من أول المخلوقات.
السائل : قبل العرش ؟
الشيخ : لا شيء معه، ( كان الله ولا شيء معه ).
السائل : كيف العرش ما كان مستولي عليه؟
الشيخ : هون جاء الخطأ، وأنت ذكرتيني الآن أنا كنت أردت أن أقول: أن هذول فسروا استوى بمعنى استولى يطلع منه هالكلمة التي تكلمت بها أم العبد وهي لا تريدها بطبيعة الحال هي قالت: إذا ما كان مستولي، الله عز وجل قبل أن يخلق أي مخلوق هو مستولي عليه، ولذلك فهن قلت أنا وما يعني قدمت المبتدأ وما جئت بالخبر قلت هن ليش فسروا استوى بمعنى استولى فكرهم إنهم ما يحصروا الله في مكان فنحن أثبتنا الآن أن الله من حيث المكان هو كما كان فكان ولا شيء معه فلم يكن هناك مكان وكذلك لما خلق المخلوقات ووجد المكان فهو ما تغير سبحانه وتعالى ولا علا هذا المكان هذا رد الشبهة التي اضطرتهم إلى تأويل استوى بمعنى استولى، لكن يا تُرى ما الذي استفادوه من هذا التأويل ؟
لا شيء أبدًا، وهاكم البيان:
قيل لهم الآيات الواردة في إثبات استواء الرحمن على عرشه كثيرة منها: (( خلق السماوات والأرض ثم استوى )) ثم استوى : ثم : تفيد التراخي يعني بالمرتبة الثانية ، يعني بعد أن خلق السماوات والأرض في يومين بعدين استوى على العرش ، الآن ورد عليهم سؤال طيب قبل أن يستوي على العرش بنص القرآن الكريم أليس كان مستوياً عليه ؟
السائلة : كان موجود العرش ؟
الشيخ : نعم ؟
السائلة : كان موجود العرش قبل الخلق ؟
الشيخ : خلق السماوات والأرض، العرش موجود قبل السماوات والأرض، يعني خلق السماوات والأرض بعد العرش، العرش أقدم، حتى قال بعض العلماء جوابًا عن سؤال ما هو أول مخلوق لله عز وجل ؟
قولان:
منهم من يقول العرش .
ومنهم من يقول القلم وأنا أذهب إلى هذا المذهب، لأنه هناك نص: ( أول ما خلق الله القلم ).
( أول ما خلق الله القلم ) هذا نص صريح إنه أول مخلوق هو القلم، لكن بعض العلماء الذين بدا لهم أن العرش مخلوق قبل القلم يقولون: لا، القلم خلق بعد العرش.
المهم لا يوجد شيء أزلي إلا الله عز وجل ، عرفتي شلون ، وهذا يعني عقيدة إسلامية من لا يؤمن بها فهو كافر ، لكن فيه خلاف أول مخلوق كان يا ترى العرش ولا القلم فلو نيجي للآية: (( خلق السماوات والأرض في يومين ثم استوى على العرش )) معناه أن العرش كان موجوداً قبل خلق السماوات الأرض ، فنحن لو فرضنا أن خلق السماوات والأرض خلقهما الله أو خلقها الله في لمحة البصر مع أنه يقول لحكمة بالغة يومين ، طيب بعد اليومين استوى على العرش أي استولى، يا ترى قبل يومين ما كان مستولي ؟! إذا قالوا كان مو مستولي عجّزوه، وكيف يعقل أن ينسب الله خالق كل شيء ومدبر كل شيء إلى العجز ؟!
لا يقول هذا مسلم، لما ورد عليهم هذا السؤال من العلماء السلفيين: كيف أنتم تقولون ثم استولى هل نسبتم الله إلى العجز وإلى أنه كان غير مستولٍ على هذا الخلق العظيم وهو العرش الكريم ؟!
فبيقولوا : لا ، نحن بدنا نقول استيلاؤه -هم يقولون- ليس كاستيلاء البشر إذن ارجعوا للتفسير السلفي استوى استعلى، لكن استعلاء الله على عرشه ليس كاستعلاء الملوك على عروشهم، انتهى الأمر.
وهكذا يجب أن يقال في كل الصفات الإلهية، وهذا أثبته ربنا عز وجل في غير ما آية كريمة فهو يقول مثلا في السورة التي تساوي ثلث القرآن: (( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد )) شو معنى كفء؟ يعني شبيه ونظير ومثيل.
والآية الأخرى كذلك أو أصرح : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) فالآية جمعت بين التنزيه (( ليس كمثله شيء )) ، وبين الإثبات للصفات (( وهو السميع البصير )) .
فنحن نقول كما قال السلف وغيرهم : الله سميع لكن سمعه ليس كسمعنا، وبصير لكن بصره ليس كبصرنا، وهكذا فرض التنزيه في كل الآيات، آيات الصفات وأحاديث الصفات، هذا هو منهج السلف ومذهب السلف، إثبات كل الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه أو أخبر بها نبيُه في سنته، إثبات مع تنزيه لا تشبيه ولا تعطيل.
التشبيه أن يقال: بصره كبصرنا حاشاه وسمعه كسمعنا وكلامه ككلامنا إلى آخر الصفات، هذا كفر لا يجوز (( ليس كمثله شيء )).
التعطيل: نفي الصفات مطلقاً حذراً من التشبيه، لا، نحن لما نأخذ الميزان الإلهي بيدنا (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) لا نقع في التشبيه.
على الرغم من ذلك تجد المعتزلة بصورة خاصة وأكثر الطوائف الأخرى بصورة عامة كالماتريدية والأشاعرة ينكرون كثيرًا من الصفات الإلهية كالاستواء على العرش يقولون: استوى بمعنى استولى، طيب استولى معناه ما كان مستولي من قبل (( ثم استوى على العرش )) لا، استيلاء الله ليس كاستيلاء البشر، طيب استيلاء الله أي: استعلاؤه خلوا الآية إذاً كما فسرها السلف وجيبوا هذا القيد استعلاء الله على عرشه ليس كاستعلاء الملك على كرسيه وعرشه.
لذلك جاء في عقيدة من عقائد الحنفية الجيدة قال:
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصفِّ التمكن واتصال " :
قوله " بلا وصف التمكن واتصال " : هو تأكيد لكون الله علوه على عرشه ليس كعلو المخلوق على عرشه ، لأن هذا المخلوق لو سُحِب العرش من تحته لوقع على أمِّ رأسه ولما استطاع أن يستقل بنفسه هذا فارق كبير ، لذلك قال هذا العالم الفاضل :
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصف التمكن واتصال " .
السائل : هذه قصيدة؟
الشيخ : إي نعم، هذه قصيدة اسمها *بدر الأماني* :
" يقول العبد في بدر الأماني " : قصيدة فيها أوصاف لله عز وجل جيدة.
السائل : الأحناف ...
الشيخ : الأحناف المتأخرين مثل الأشاعرة بيأولوا ، لكن المتقدمين منهم وبخاصة إمامهم فهو سلفي العقيدة، يقول: " من لم يقل أن الله عز وجل في السماء فقد كفر " ، ليه لأن ربنا يقول : (( أأمنتم من في السماء )) فهؤلاء الذين يغالون في القرآن ماذا يقولون (( أأمنتم من في السماء )) يعني الملائكة الله أكبر ربنا بيتكلم عن ذاته (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير )) كل هذه الصفات أعطوها للملائكة ، فأبو حنيفة يقول : " من لم يعتقد بأن الله في السماء فقد كفر " ، لأن معناها إنكار هذه الآية بل آيات كثيرة وأحاديث نبوية كالحديث المشهور ، لكن الناس غافلون عن العقيدة التي تنطوي تحت هذا الحديث المشهور: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ، ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ، ( ارحموا من في الأرض ) ليس المقصود بالحديث من في الأرض يعني الحشرات التي تحت التراب بطبقات التي لا تصل إليها أبصارنا ولا اكتشفاتنا وإنما : ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) مَن في الأرض من الإنسان والحيوان ولا تحملوهم ما لا يطيقون ولا تعذبوهم وإلى آخره كما جاء ذلك مفصلاً في كثير من الأحاديث الصحيحة، فحينئذ نفهم تمام الحديث: ( يرحمكم مَن في السماء ) أي: يرحمكم من على السماء ، فيأتي المؤولة والمعطلة فيفسرون هذه النصوص من الآيات والأحاديث النبوية بخلاف ظواهرها ، ليش ؟ قال : لحتى ما نشبه ، لك أنتم شبهتم ونقصتم كمان لأنكم قلتم :
" استوى بشرٌ على العراق *** بغير سيف ولا دم مهراق "
هذا بيت شعر استدلوا فيه في تفسير الآية ، مع أنه من حيث الأدب العربي لا يصح تفسير نصوص الكتاب والسنة بالشعر الحادث ، وإنما الشعر العربي في الجاهلية باعتبار لساتهم على أصالتهم في اللغة العربية وما تسربت إليهم العُجمة ، فيستشهد العلماء حتى في إثبات ألفاظ لغوية بالشعر الجاهلي القديم، فمع أن هذا الشعر ليس قديماً يُستدل به إنه استوى يأتي بمعنى استولى مع ذلك فقد شبهوا الله عز وجل ببشر.
" استوى بشر على العراق " : بمعنى حكم .
" *** بغير سيف ولا دم مهراق " :
فلما قيل لهم كيف تشبهون استواء الله على العرش باستواء بشر على العراق ؟!
استيلاء الله تشبهونه باستيلاء بشر على العراق ؟!
بينسحبوا بيقولوا : لا، نحن ما بنقول أن استيلاء الله على عرشه كاستيلاء بشر على العراق ، فإذاً دعوا الآية على ظاهرها وقولوا كما قال السلف استوى بمعنى استعلى لكن استعلاؤه ليس كاستعلاء البشر وانتهى الأمر .
هذا البحث في الحقيقة يطول أمره ويكفي الآن هذا المقدار لتفسير هالجملة هذه : ( وحامل القرآن غير الغالي فيه ) : يغلو يشتط ويزيد في تفسير الآيات ما ليس منها .