السؤال:
مما لا شك فيه أنه منذ قتل عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقعت حروب كثيرة في الدول الإسلامية, ثم اتسعت هذه الحروب وتعددت ألوانها وأشكالها بتعدد الممالك العربية والإسلامية, ولا شك أنه إذا قامت الحرب بين دولتين عربيتين ومسلمتين فإن الذين يقاتلون في هذه المعارك هم جنود مسلمون, فنريد أن نعرف إذا تقاتل المسلمان في هذه الحالة هل يقع الإثم عليهما أو على الدول أو الخلفاء أو رؤساء هذه الدول الذي يشعلون نار هذه الحرب؟ نرجو الإفادة, وفقكم الله.
الجواب:
نقول في هذا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار, قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه). وقال صلى الله عليه وسلم: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). فلا يجوز للمسلمين أن يقتل بعضهم بعضاً أو يقاتل بعضهم بعضاً, ولكن من قوتل فله أن يدافع عن نفسه بأخف الضررين, فإن لم يكن الدفاع إلا بالمقاتلة فله أن يقاتل, وحينئذ يكون المقتول من البغاة في النار, وأما المقتول من المدافعين عن أنفسهم الذين لم يجدوا دفاعاً دون القتل يكون في الجنة, وإن قتل من البغاة فليس عليه شيء.والواجب على المسلمين إذا اقتتلت طائفتان أن يسعوا في الصلح بينهما؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10] . فتبين الآن أن لنا نظرين:النظر الأول: في حكم الاقتتال بين المسلمين, وهو حرام لا يجوز, لكن من بغي عليه واعتدي عليه فله أن يدافع عن نفسه بأقل ما يمكن, فإن لم يكن الدفاع إلا بقتال فله ذلك.النظر الثاني: بالنسبة لبقية المؤمنين, فإذا كانت الطائفتان المقتتلتان من المؤمنين فإنه يجب على بقية المؤمنين أن يصلحوا بينهما, فإن بغت إحداهما على الأخرى ولم توافق على الصلح فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوها حتى تفيء إلى أمر الله, فإذا فاءت وجب الصلح بما حصل بينهم من إتلافات وغيرها.مداخلة: طيب ما ذنب الجندي في الطائفة أو في الدولة التي تبغي إذا كان خروجه أو امتناعه عن الحرب يعتبر خروجاً أيضاً عن سلطانه؟الشيخ: ليس خروجاً عن السلطان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الطاعة في المعروف). وهذا ليس من المعروف أن يقاتل الرجل أخاه المسلم أو يقتله, بل يجب عليه أن يرفض هذا الأمر ولا يخرج, وفي هذا الحال قد يكون رفضه من أكبر الأسباب الداعية إلى عدم البغي؛ لأنه إذا رفض هذا وهذا وهذا لم يكن بيد الباغي قوة يبغي بها على غيره.