الكلام على البدعة والعبادة ،والكلام عن رفع اليدين في الدعاء.

السائل
: كله بدعة ما هو مفهوم البدعة وكيف أستطيع أن أحكم على عملي أنه بدعة أو أنه غير بدعة توسع في الكلام ؟




الشيخ
: الحقيقة الحكم على شيء بكونه بدعة أو ليس بدعة هذا أمر لا يستطيعه كل طالب علم ، بل لا يستطيعه عالم ، وهذا السؤال في الواقع تعرضت للإجابة عنه نهار البارح عرضًا دون أن يوجه إلي ، وتكلمت بكلام فيه شيء من التفصيل ، وما دام أن السؤال قد وجه فلا بد من الجواب ، أول ذلك أن نعرف ما هي البدعة ؟ ...

الله تبارك وتعالى والتي جاء التصريح بنحوه عن بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم فكمثل قوله قول حذيفة رضي الله عنه : " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها " وكمثل قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق " والآثار في هذا المعنى كثيرة بعد هذه التعرفة الموجزة القصيرة ، أدخل في صلب الإجابة عن سؤالك : كيف يمكن معرفة البدعة؟ الجواب لا يعلم ذلك إلا من كان على علم واسع بالسنة ، لأن من لوازم الحكم على كون الشيء بدعة أن يعرف الحاكم الذي يريد أن يحكم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم التعبدية التي عاشها طيلة حياته في نبوته وفي رسالته ، ضربت في الأمس القريب مثلين اثنين أحدهما: سئلنا عنه ، وأجبنا والآخر زدته لزيادة البيان لكيف نتمكن من معرفة كون الشيء بدعة ، المثال الأول: رفع اليدين بعد السلام من الصلاة حينما يدعو الداعي هذه المسألة تعرض له كثير من المتقدمين والمتأخرين وجمهورهم يميلون إلى شرعية ذلك ، ولا حجة لهم إلا الاستدلال ببعض الأحاديث العامة ، كمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليستحي من عبده إذا رفع يديه يدعوه أن يردهما خائبتين ) ، فقلنا : هذا الحديث عام وعمومه يدل على استحباب رفع اليدين في كل دعاء ، ولكن هذه الكلية ليست مقصودة لبيان سنة الرسول عليه السلام لذلك منه عمليًا وهنا الشاهد ، الذي يتتبع صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وما يتصل بها من أولها أو في آخرها لا يجد ولا حديثًا واحدًا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حينما كان يدعو دبر الصلاة بعد السلام ، والسائل الذي سألني هذا السؤال وأجبته بهذا الجواب كان يتبع أولًا لم يقتنع أول الأمر إلا بعد أن ذكرته بمواطن أخرى ثبت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها وهو يعلم بطبيعة الحال ذلك لأنه طالب علم ، فقلت له مثلًا : ألست تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو قبل السلام بل وأمر بشيء من ذلك ؟ قال : نعم ، قلت : هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذا الدعاء ؟ قال : لا أعلم ، قلت : وإذا كنت لا تعلم وهو أيضًا نكتة هامة ، إذا كنت لا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ما كان حين يدعو يرفع يديه فهل تقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه أما ماذا ؟ قال في أول الأمر : لا أقول شيئًا ، قلت : فمن الناحية العملية حينما تدعو في هذا المكان وذكرت له أماكن أخرى معروفة أيضًا من مثل الدعاء حين الرفع من الركوع ، أو كمثل الدعاء بين السجدتين ، كذلك دعاء بين السجدتين رب اغفر لي وارحمني إلى آخره ، فهل ترفع يديك ؟ قال : لا ، قلت : هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع اليدين في هذه الأماكن ؟ قال : لا ، قلت : فهل الحديث السابق وهو ( ما من عبد يدعو يرفع يديه يدعو الله تبارك وتعالى إلا استحي الله عز وجل أن يردهما خائبتين ) يشمل هذه المواطن أم لا ؟ قال : يشمل ، فإذًا نحن لماذا لا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي ندعو فيها ؟ فوقف هنا لأن النكتة في هذه المسألة هي هاهنا ، الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد إلينا أنه نهى عن رفع الأيدي في هذه المواطن ، لكننا نستطيع أن نقول : نهى عن ذلك ولكن بأسلوب آخر هذا الأسلوب الآخر يفقهه أهل العلم ، ألا وهي الأحاديث التي نعرفها جميعًا ، ولكن كثيرًا ما لا نتنبه لدلالتها على ما نحن في صدده ، كمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) فإذ رفع الرجل يديه بين السجدتين في الدعاء فهذا أمر حادث و ما دام انه حادث دخل فيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) كذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإياكم من محدثات الأمور فإن كل..... ) فهذا الحديث وذاك وما في معناه يدل على أن كل محدث في الدين فهو مردود على صاحبه وهو ضلالة ، الآن كيف نعرف أن رفع اليدين بين السجدتين مثلًا أو في المواطن الأخرى التي سبقت الإشارة إليها ، محدث في الدين ؟ هنا بيت القصيد كما يقال للجواب على السؤال ، يعرف ذلك بمعرفة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والإحاطة بها من كل جوانبها ، فمن الذي يستطيع أن يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه بين السجدتين ؟ لا شك أن ذلك انما يستطيعه من كان على إحاطة ... بأن هذا ... وحده فقط الذي يستطيع أن يقول : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في هذه المواطن ، وهنا تأتي قاعدتان يتوهم كثير من الناس بل ومن طلاب العلم وربما من بعض العلماء ، التواصل بينهما ، القاعدة الأولى هي : أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه ، هذه قاعدة عقلية قبل أن تكون قاعدة علمية أصولية.

وأظن هذا واضح لديكم المقصود منها ، لكن لا بأس من أن نقرب هذه القاعدة إلى الأذهان ، لو قال قائل : أنا لا أعلم أن فلانًا هنا مثلًا في جدة ، ذلك لا ينفي وجود فلان في جدة ، لأن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه ، هذا مثال هذه القاعدة وهي قاعدة مسلمة ، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على ما يتعلق بالعبادة التي شرعها الله عز وجل على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم ، إما بقوله وإما بفعله وإما بتقريره ومن بيانه صلى الله عليه وسلم لما شرع الله على يديه للمسلمين هو أول ما يتبادر إلى الأذهان العبادات التي يتقرب بها المسلمون إلى الله والتي قال الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ، وما تركت شيئا يباعدكم إلى الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) فإذًا العبادات التي من طبيعة المسلمين أن يتقربوا إلى الله عز وجل هي محصورة لا تقبل الزيادة ولذلك قال الله عز وجل في الآية المعروفة : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) يعجبني جدا ما جاء في صحيح البخاري ، أن رجلا من الأحبار من اليهود ولعله كان أسلم بل لعله هو كعب الأحبار جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ، فقال : " يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا يوم نزولها عيدًا " قال : " ما هي ؟ " قال : وذكر الآية السابقة (( اليوم أكملت لكم دينكم )) فقال عمر رضي الله عنه : " لقد نزلت في يوم عيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم على عرفة يوم جمعة " ، أي في حجة الوداع ، فإذًا هذه الآية نزلت في يوم عيد كبير في يوم الجمعة وعلى جبل عرفة ، لماذا قال هذا اليهودي هذا الكلام ، لاتخذنا يوم نزولها عيدًا ؟ لأنه يشعر بعظمة هذه المنة التي أمتن الله بها على المسلمين حين أكمل لهم دينهم وسد عليهم طرق الاجتهاد في العبادات ، هذه الطرق التي سلكها من قبل المسلمين من اليهود والنصارى ، كما قال عز وجل : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) فلذلك أعجب ذاك اليهودي بهذه الآية لما فيها من حصر العبادات والطاعات وترك للمسلمين سبيل الاجتهاد والابتكار و الابتداع فيما عدا العبادات ، تأكيدًا لهذا المعنى الذي لاحظه ذاك الحبر اليهودي يقول إمام دار الهجرة ، مالك بن أنس رضي الله عنه : " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " اقرأوا قول الله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا )) قال ذلك وهذا أمر هام جدًا من كلامه : " فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " ، " فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا " لم ؟ لأن الله يقول : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) " فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا " إذًا ما هو السبيل لمعرفة كون هذا الشيء بدعة في الدين ؟ أظن قد تبين الجواب ، من أحاط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم الدينية وأحاط بالعبادات التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي عبادة تامة بما فيها بعض الأجزاء في الصلاة ، وإنما يقال ذلك بالنسبة للحج وبالنسبة للصيام ونحو ذلك من العبادات كل هذه العبادات محصورة ، لكن حصرها إنما يتمكن منها هو العالم إذا صح التعبير الخريت الذي جمع فأوعى ، أما من أحاط بشيء من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاته الشيء كثير أو الأكثر فهذا لا يستطيع أن يقول عن شيء بدعة لأنه من الممكن أن يكون قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شرعيته إما بقوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا أو بفعله أو بتقريره ، فمن تمكن القول ان هذا الشيء بذاته ، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يلتزم الأمر به أن يقول : هذا بدعة ومثاله رفع اليدين بين السجدتين ، رفع اليدين بعد رفع الرأس من الركوع ، رفع اليدين ، رفع اليدين في التشهد وكله دعاء اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ثم الاستعاذة من الأربع ثم أن يسأل ما يشاء مما يحتاجه ، الآن ما في سنة ثابتة هل رفع اليدين في القنوت في الوتر سواء كان هذا القنوت في وتر رمضان أو في غيره ، وهذا دعاء (اللهم أهدني في من هديت) هل رفع اليدين بهذا الدعاء من القنوت سنة أم بدعة ؟ من كان لا يعلم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في هذا الدعاء لا يسعه إلا أن يقول : لا يشرع بل هو بدعة لما ذكرناه آنفًا ، لكن من كان على علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع يديه في القنوت ، في قنوت الفجر ومن كان على علم بأن بعض السلف الصالح رفع يديه في قنوت الوتر مثل عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود لا يقول رفع اليدين في القنوت بدعة ، بل يكون ذلك سنة مستحبة ، هذا هو الميزان وهذا هو الضابط في تمييز ما يكون بدعة في الدين وبين ما لا يكون كذلك ، ولعلي أجبتك عن سؤالك.

السائل : يا شيخ إذا سمحت حكم الرفع ... الرفع نستطيع أن نعتبر الدعاء بعد الصلاة نستطيع أن نعتبره خارج عن ماهية الصلاة، وبالتالي يستطيع الإنسان أن يرفع فيه يديه لأنه ليس من الصلاة بين السجدتين وبعد الركوع هذا يعتبر في ماهية الصلاة، فرفع اليدين فيهما يعتبر بدعة لكن بعد الصلاة.

الشيخ : لا فرق يا اختي لأنه ...

السائل : لأن أصل الدعاء نستطيع في أي وقع أن أرفع يدي ، في أي وقت نريد أن ندعو فيه نستطيع أن نرفع يدينا، فبعد الصلاة يعتبر خارج عن ماهية الصلاة.

الشيخ : لكن خارج الصلاة أليس من الدين ، ما يلي الصلاة من الطاعات.

السائل : الأصل أننا نستطيع أن نرفع يدينا في الدعاء نرفع اليدين في الدعاء .

الشيخ : أنا فهمت عليك ، بقي عليك أن تفهمي علي ، خارج الصلاة هو من الدين وقد سردنا آنفًا بعض الأدلة والنصوص بأن الله عز وجل أكمل الدين ، فأنت حينما تتكلمين بهذا الكلام يجب أن تتصوري هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل تتصورين أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو داخل الصلاة وكان لا يرفع يديه والذي كان يدعو دبر الصلاة أي بعد السلام ، كان يرفع يديه أم كان لا يرفع يديه ، ما الذي تتصورينه ؟ إن كنا نقول : بأن رفع اليدين في الدعاء دبر الصلاة مستحب أتظنين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا المستحب ولم يبينه للناس ، وأن الصحابة الذين تلقوا الدين من فم النبي صلى الله عليه وسلم ، غضًا طريًا كانوا يعملون أن رفع اليدين دبر الصلاة هو من المستحبات ؟ كما تقولين بصورة عامة هذا الموضع موضع خاص ، ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويعود كلامي السابق ونعلم أنه كان لا يدعو كيف يتجرأ المسلم إذا كان على هذا العلم ، أن يقول : أنا أرفع يدي وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه ؟ الحقيقة أن النصوص العامة التي يدخل تحتها أجزاء من الطاعات والعبادات يجوز العمل بها حينما لا يكون هناك ما يدلنا على أن جزء من هذه الأجزاء التي تدخل في النص العام لم يفعله الرسول ، فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم حينذاك نفعل ، فإذا ثبت أنه لم يفعل بجزء من ذلك الأجزاء حينذاك يدخل هذا الجزء في الذم المذكور آنفًا في بعض الأحاديث النبوية ، لعل من المفيد أن نضرب مثلًا يشبه تمامًا ما نحن الآن في صدده ، فأنت الآن ليس عندك دليل فيما تريدين أن تقولي به من استحباب رفع اليدين بعد الصلاة إلا مثل الحديث الذي ذكرته آنفًا في تضاعيف كلامي وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليستحي من عبده إذا رفع يديه يدعو أن يردهما خائبتين ) يشبه هذا المثال تماما المثال الآتي وهو في ظني واضح جدًا ، والسبب أن العمل لم يجر به ، بينما العمل في رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة جرى العمل به بين كثير من الناس ، وصار مألوفًا وظن أنه مشروع و هو ليس من الشرع في شيء بخلاف المثال الذي سآتي به الآن ، نحن نعلم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يد الله على الجماعة ) حديث صحيح ، الحديث الثاني : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) وهكذا ، وأشهر من هذين الحديثين وأصح ، قوله : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو بسبع وعشرين درجة ) الآن لنتصور الصورة التالية : دخلنا المسجد لصلاة الظهر مثلًا وقد أذن له ، فقام واحد يصلي هنا السنة القبلية وواحد هنا وهناك قاموا متفرقين ، وبدا لأحدهم خاطرة قال : يا جماعة بدل ما تصلوا هذه السنة متفرقين تعالوا نصليها جماعة وركز هذه الأحاديث ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة ) ( صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده ) ( يد الله على لجماعة ) ماذا نقول لهذا الإنسان ؟ اتبعت أم ابتدعت ؟ الآن أنت التي أوردت ذلك السؤال أجيبي على هذا السؤال ما ترين ؟

السائل : ابتدع في دين الله .

الشيخ : ابتدع ، طيب لكن هو عمل بأحاديث كثيرة ، هو عمل ...

اليهود من جزيرة العرب ، فهذا الإخراج من حيث أنه فعل حادث هو جديد هو بدعة لغة ، لكن من حيث أنه حكم منصوص عليه في الشرع فهو حكم شرعي وليس بدعة ضلالة كذلك قول عمر رضي الله عنه : " نعمت البدعة هذه " إنما هي بدعة لغة وليس بدعة شرعًا ، لأن صلاة التراويح ثبت شرعيتها جماعة ، لفعله صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي الثلاث وبقوله : ( من صلى العشاء مع الإمام ثم قام معه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) لا حجة إذًا في استدلال بعض الناس بهذا الأثر الصحيح عن عمر أن هناك في الإسلام بدعة حسنة ، ولهذا كثير من الكلام لعله يحسن بي أن أعود إليه ، لنأتي إلى الجواب عن الدليل الثالث الذي لجأت إليه ، أعتقد أنه شبه عليك حينما قلت : بأن عبد الله بن عمر صام الدهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وأنه ندم بعد ذلك ، هذه خطأ واضح ، وأظن أنك ستتذكرين ذلك إذا ما ذكرنا القصة التي جرت بين عمرو وبين ابن عمرو وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك مروي في الصحيحين من طرق ، ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما زوجه النبي صلى الله عليه وسلم بفتاة من قريش ، وكما هو شأن العم مع الابنة زارها يومًا فقال لها : " كيف أنت وعبد الله ؟ " فقالت عبارة لطيفة جدا فيها كناية ناعمة ، قالت : " إنه لم يطأ لنا بعد فراشًا ، إنه يقوم الليل ويصوم النهار " تعني تزوجنا وما تزوجنا وهذا واضح إن شاء الله ، فغضب أبوه عمرو وشكاه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول عبد الله بن عمرو : فإما أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما لقيني قال : ( يا عبد الله بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء ) ، فقال : قد كان ذلك يا رسول الله ، قال : ( فإن لنفسك عليك حقًا ، ولزوجك عليك حقًا ولبدنك عليك حقًا ولزورك عليك حقًا ) لزورك الذي يزورك أي ضيفك ، ( ولضيفك عليك حقا ) فقال له صلى الله عليه وسلم يضع له منهجًا في العبادة ، هو كان يقوم الليل كله يختم القرآن في كل ليله ، بعد أن بين له هذه الحقوق الواجبة عليه لنفسه وبدنه وزوجته وضيفه قال : ( فاقرأ القرآن في كل شهر مرة ) ، وهو يقرأ القرآن في كل ليلة مرة ، قال عليه السلام : ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) ، قال : يا رسول الله إني شاب إن لي قوة إني أستطيع أكثر من ذلك فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيده ويتنازل معه تحقيقًا لرغبته إلى أن قال له : ( اقرأ القرآن في ثلاث ليال فمن قرأ في أقل من ثلاث لم يفقهه ) ، ووقف ا لرسول صلى الله عليه وسلم معه عند هذا الحد سن له أن يختم القرآن في كل ثلاثة ليال مرة ، ثم عاد صلى الله عليه وسلم لينظم له موقفه من الصيام ، فقال : ( صم من كل شهر ثلاثة أيام والحسنة بعشر أمثالها فكأنما صمت الشهر كله ) ، عاد هو إلى قولته السابقة : يا رسول الله إني شاب إن بي قوة إني أستطيع أكثر من ذلك فلم يزل أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجاوب معه ويزيده في الصيام إلى أن قال له صلى الله عليه وسلم : ( صم يومًا وأفطر يومًا فإنه أفضل الصيام وهو صوم داوود صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يفر إذا لاقى ) يعني أن هذا الصيام هو أفضل الصيام ، وفي رواية أخرى أعدل الصيام ، لأنه يجمع بين الرياضة النفسية والرياضة البدنية بخلاف ما كان عليه هو من قبل كان يصوم الدهر فهذا الصوم يذهب بقوته فإذا ما لقي العدو لم يستطيع الثبات أمامه بخلاف ما إذا ما صام الصيام هذا العدل ، يصوم يوما وفيه ترويض للنفس وتربية لها على إتباع الشهوات ويفطر يومًا في ذلك تقوية لجسده وبدنه ، هذا الذي يعنيه الرسول في وصفه لداوود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وكان لا يفر إذا لاقى لأن عنده القوة البدنية التي تمكنه من الثبات أمام العدو ، قال ابن عمرو هنا الشاهد : يا رسول الله إني أريد أفضل من ذلك ، قال : ( لا أفضل من ذلك ) في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : ( من صام الدهر فلا صام ولا أفطر ) أي لا صام شرعًا ولا أفطر واقعًا فهو خسر الدنيا والآخرة ، ولذلك وقف الرسول صلى الله عليه وسلم معه على هذا الحد الأخير ، أن يصوم يومًا ويفطر يومًا ولما طلب منه الزيادة و الأفضل من ذلك قال : ( لا أفضل من ذلك ) ، انفصل ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المنهج وهو فيما يتعلق بالصيام ليس يصوم صوم الدهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن ذلك ، لأن من صام الدهر لا صام ولا أفطر ، وإنما يصوم يومًا ويفطر يومًا ، فاصل الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا وكان شابًا ، لأنه حين تزوج كان عمره خمسة عشرة عامًا فقط ، ولذلك يقول أهل التاريخ : بأنه كان بين أبيه وبينه من الفرق خمسة عشرة عامًا فقط ، لأن أباه أيضًا تزوج صغير السن ، ذهبت الأيام مات الرسول صلى الله عليه وسلم و عاش عبد الله بن عمرو بعده طويلًا مديدًا ، ولا يخفى على الجميع بأن سن الإنسان يضعف كلما تأخر به السن ، غدًا كنت في القبر فصبر ، فأخذ يشعر بأنه يجد صعوبة في أن يظل مستمرًا على الذي فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، أن يختم القرآن في ثلاث ليال ، وأن يصوم يومًا ويفطر يومًا ، فكان يقول ما قلتيه آنفًا في صيام الدهر ، وليس هو في صيام الدهر ، كان يقول : " يا ليتني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما هي الرخصة ؟ أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام فكأنه صام الدهر كله ، أن يقوم من الليل في كل شهر يختم القرآن ، لم يرض بذلك اعتدادًا بشبابه وبقوته ، لكنه ما نظر بعيدًا فيما إذا تأخر به السن فكان يقول : " يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا عرفنا هذه القصة وهي في الصحيحين فحينذاك يتبين لك أنها لا علاقة لها إطلاقًا بموضوع الإحداث في الدين ، وتبقى الأدلة المعروفة بعمومها وشمولها إنكار كل زيادة في الدين كما سبق ذكره من قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود على صاحبه ، لعلنا انتهينا من بحث البدعة حتى نأتي بمسألة جديدة .

السائل : عفوا لكن هناك بعض ... كنا نسمع أن عثمان بن عفان كان يقوم ليلة يقرأ فيها القرآن وعرفنا أيضًا عن بعض السلف أنه كان إذا ارتكب ذنب ما ، يحاول أن يكفر عنه فيقول : " أصوم سنة تكفر لي " ، أو يؤدب نفسه أنه أذنب هذا الذنب هذا يمكن أصلًا أن يعاقب الإنسان نفسه بهذا الفعل، أو أن فعله هذا كيف نفسر فعله هذا؟

الشيخ : أنت بارك الله فيك ، قد آن لك أن تعرفي كيف تنطلقين في دينك وفي عبادتك ، نحن جميعًا متفقون على مثل قوله تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلًا )) فإن علمت أن عبد الله بن عمرو بن العاص طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يسمح له بذلك وقال : ( من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه ) ، والرسول صلى الله عليه وسلم من عمله أنه لم يقرأ القرآن في ليلة واحدة كما قالت السيدة عائشة وفي صحيح مسلم ، فإذا عرفت هذا فما يهمك بعد ذلك تلك الآثار التي تقرأنيها في كتاب أو أكثر من كتاب وهي تخالف هذا المنهج النبوي الذي وضعه لابن عمرو رضي الله عنه ، فتلك الآثار تدور إما أن لا تصح عن أصحابها ، وإما أنها تصح ولكنها تخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم والنهج الذي وضعه لصاحبه هذا ، فحينئذ ندع تلك الآثار لأصحابها ، ونكل أمرهم إلى الله تبارك وتعالى ، أما نحن فنتمسك بقاعدة خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، اتفضلي.