حدود الأخلاق ، ويقصد بها الضوابط التي تحد بها مساحة آحاد الفضائل الخلقية بضم الخاء واللام.



فإن لكل فضيلة خلقية مساحة محدودة ومتينة إذا تجاوزها المرء أو قصر عنها ، أخل بمفهومها الحقيقي ،فكثير من الناس يخلطون في هذا خلطا كبيرا فيدخلون في مسمى الفضائل الحسنة ما ليس منها أو العكس فمثلا : أن يدخل البعض المداهنة في باب المداراة ، على أنها من فضائل التعامل الأخلاقي في حين أن المداهمة كما عرفها العلماء هي : (( معاشرة الفاسق الفاجر والرضى بما هو فيه أو عليه من غير إنكار عليه)) فتح الباري ( ١٠/ ٥٢٨). وهي بال شك مذمومة شرعا وعقلا ..


وعكسها تماما أن يخرج البعض المداراة من الفضائل ويجعلها من الرذائل وأن صاحبها مداهن ، ولا يفرق بينهما في حين أن المداراة من أخلاق المؤمنين وهي : خفض الجناح للناس ،ولين الجانب وترك الغلظة في القول ، وذلك من أسباب الأليفة )). المرجع السابق .

فاليوم وللأسف نرى كثيرا من الناس بل من طلبة العلم لا يعرفون حدود الفضائل والرسائل فيرى أحدهم رجلا يكلمه بصوت حاد مع يكون نفسه فيظنه من الغضب المذموم ، ولم يعرف حدود الغضب المحمود منه والمذموم فيحكم عليه بسوء الخلق ويتعدى في حقه.

وإليك بعض الفضائل في هذا الجزء ونتبعها بأخرى إن شاء الله في الجزء الثاني وربما الثالث.
قال ابن القيم في الفوائد ( ١٥٦/ ١٥٨):
للغضب حد وهي: الشجاعة المحمودة ، والأنفة من الرذائل والنقائص، وهذا كماله ، فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار ، وإن نقص عنه جبن ، ولم يأنف عن الرذائل.
وقال عنه في إغاثة اللهفان بتصرف يسير : وله ثلاث مراتب : ١- الغضب الطبيعي ، أي غضب مع يكون النفس والجوارح وعدم تغير الوعي والتفكير. وهذا ممدوح.
٢- الغضب الذي يفقد صاحبه الانضباط والتصرف وربما فقد وعيه وأغلب على عقله،وهذا مذموم.
٣- استواء الغضب إلى درجة الاضطراب مع عدم فقد الوعي . وهذا محل نظر فإن زاد أو نقص يحكم بحسب ذلك.
وقال عن
الحسد :وله حد ، وهو المنافسة في طلب الكمال ، والأنفة من أن يتقدم عليه نظيره ، فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما، يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ، ويحرص على إيذائه ، ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس .
الشهوة : لها حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة ، واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك ،فمتى زادت عن ذلك صارت نهمة وشبقا ، والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات ، ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفا وعجزا ومهانة .
الجود : وله حد ما بين طرفين ،فمتى جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا ، ومتى نقص عنه كان بخلا وتقصيرا.















الشيخ أبي بكر يوسف لعويسي