وجوب اتباع منهج السلف الصالح ،
والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وآثار السلف .
أولا يجب على المرء المسلم أن يعلم أن اتباع منهج السلف الصالح - الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه- ليس له خيار فيه ؛ بل هو واجب مفروض عليه بالكتاب والسنة وآثار السلف الصالح.
١- الأدلة من الكتاب . قوله تعالى: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )).
مشاقة الرسول هي مشاقة لله تستوجب العقاب الشديد كما قال تعالى : (( .. ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب)).
وفي آية الباب أن من شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى .. فهذه كافية لأن يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا ، ولكن الله ضم إليها ضميمة مهمة تستوجب مخالفتها مشاقة للرسول، وهي اتباع غير سبيل المؤمنين.
وليس من شك أن السبيل المقصود هو منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من القرون المفضلة أهل الخيرية والعصمة العامة في العقيدة والعمل ، الذين رضي الله عنهم ، ولا يرضى إلا عمن رضي منهم فهمهم لمراده أن يكونوا عليه ، ولذلك مدحهم وأثنى عليهم ، ولا يثني ولا يمدح إلا من رضي عنهم ، وكفى بمدح الله وثنائه على فهم رضيه ورضي عن أصحابه .
٢- قالى تعالى : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )).
أرأيتم كيف أثنى عليهم ، وكيف جازاهم ؛ فالعاقل الذي يطلب النجاة حقا لا ينبغي أن يغفل السير على منهجهم والاعتداء بهديهم فضلا عن تركه متابعتهم فإن في اتباع منهجهم الجنات التي تجري من تحتها الأنهار والخلود فيها وذلك هو الفوز العظيم .
الأدلة من السنة :
٣- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي ،فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون)) مسلم (٦٤٦٦).
قال ابن القيم رحمه الله : ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه ، وكنسبة النجوم إلى السماء ، ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم ..)) إعلام الموقعين (٤/ ١٣٧).
قلت : وذلك في قوله تعالى: (( وبالنجم هم يهتدون )).
٤- وفي حديث افتراق الأمة جعل الفرقة الناجية واحدة ثم بينها فقال : (( من كان على ما أنا عليه وأصحابي )) وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
٥ - وفي العرباض بن سارية في الوصية التي أوصى- صلى الله عليه وسلم- أن يتمسك بها المسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )) فلم يكتفي في الوصية بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين حتى أمر بالعض
عليها بالنواجذ لأهميتها في فهم الدين والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق عليه حين يكثر الاختلاف والتفرق كما في تتمة الحديث.
وهذا لا يكون إلا في الواجب ، فقد أمر الله به فقال عز من قائل : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ..)) وحبل الله هو الكتاب والسنة بفهم من رضي الله فهمهم .
٦- وقال صلى الله عليه وسلم :(( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ) البخاري٦٠٦٥ ومسلم ٢٥٣٣.. فقوله: ( خيرا الناس ) أي على الإطلاق ،فهم خير الناس في فهم الدين ، وخير الناس في تطبيقه ، وخير الناس في نصرتهم وخير الناس في تناصرهم ، وهم خير الناس علما وعملا ، وخير الناس في تبليغ دين الله وهم خير الناس هدى واهتداء ، وهم خير الناس رضي الله عنهم ورضي منهم ، وهم خير الناس بكل اعتبار وهم فوقنا كذلك بكل اعتبار فلو أنفق
أحدنا مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
ألا يدل هذا كله على لزوم سبيلهم والاهتداء بهديهم ، والاعتصام بالخيرية التي كانوا عليها والتي عصمتهم من الفتن والتفرق واختلاف التضاد ؟!
الأدلة من أقوال السلف على وجوب اتباع منهج السلف الصالح رضي الله عنهم.
٦- قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة ) سنن الدارمي ( ١/ ٩٩).
وعنه أيضا قال : ( من كان متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ،فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوا آثارهم فأنهم كانوا على الهدى المستقيم . أخرجه رزين ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١٨١٠) والهروي في ذم الكلام (١٨٨)
وأورده البغوي في التفسير والتبريزي في مشكاة المصابيح وفيه : ( .. اعمقها علما وأقلها تكلفا ،قوم اختارهم الله لإقامة دينه ..)). والأثر وإن كان منقطعا فيقويه ويعضده أثر ابن عمر الأتي.
٧- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - كانوا خير هذه الأمة ،أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا ،قوم أختارهم الله لصحبة نبيه ) أخرجه أبو نعيم في الحلية وأسناده حسن .
٨- قال الأوزاعي رحمه الله: اصبر على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم . الآجري في الشريعة ، والخطيب في شرف أصحاب الحديث.
وقال أيضا : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول ؛ فإن الأمر ينجلي وأنت منه على صراط مستقيم. نفس المصدر السابق.
وقد ورد في كلام السلف كمالك والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ، والبخاري ومسلم والدارمي غيرهم الكثير.
فهذا المنهج السلفي المبارك هو أعدل المناهج وأوسطها ، فهو الذي يمثل الوسطية في جميع أبواب الدين بين جميع الفرق ومناهجها.
وسأذكر وسيطيتهم في أهم أبواب الدين تباعا في سلسلة من المقالات إن شاء الله تعالى لنبين المنهج الذي ندين الله به ونعتقده ونتسمك به ونسأل الثبات عليه حتى نلقاه . فمن قولنا أو نسب إلينا غير ذلك فلن نجعله في حل يوم الورود على الحكم العدل الذي ينتقم من الظالم للمظلوم. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وثبت عليه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا سميع الدعاء يا قريب الإجابة.