الرد على شبهة : (( الخوف من المستقبل والاستسلام لوعد الشيطان وما يلقي من الشبه )).
يقول السائل :ماذا يفعل من يشعر بالخوف من المستقبل ، ويقول أنا ليس معي حرفة ولا مهنة، ولا عمل، وأنا فقير فيترك الزواج لذلك ، ويخشى التقدم للخطبة والسلفيات ويتعلل بمثل هذه الحجج ؟الجواب:
≠=================
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد :
أولا : ملاحظة وهي : أنك أيها السائل الفاضل لا تبدأ مراسلتك بالحمدلة ولا بالصلاة على رسول الله ، ولا بالسلام على من تراسله ، وقد جاريتك بعض الوقت في ذلك في أسئلتك التي أرسلتها لعلك تتفطن ولكن لم تفعل فوجب التنبيه .
ثانيا : ربما تقول : أنا أسأل والسؤال لا يحتاج لذلك ..أقول : نعم لا يحتاج لذلك لو كنت على المباشر أو كنا في جلسة فتوى أو حلقة علم والكل يسأل ، وقد افتتحنا مجلسنا بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله. أما والأمر ليس كذلك ، وإنما وقع مراسلة فهنا لا ينبغي ترك بركة الحمدلة ولا فضل الصلاة على رسول الله ، ولا فضل السلام بيننا ،وهي كلها عمل صالح وخير نؤجر عليه .
ثالثا: جوابا على سؤالك أقول : الخوف ينقسم قسمين .
١- خوف طبيعي - كخوف من حيوان مفترس . ٢- وخوف غير طبيعي ، من ضرر لا يملكه أحد ، كخوف انقطاع رزق ، أو نقصانه على يد مخلوق .. أي خوف متوهم .. أو خوف من موت بيد أحد ولا يعلم ذلك أحد فإن الأجل يعلمه الله وهو بيده..
والأول لا ملام على صاحبه فهو طبيعي في النفوس.
والثاني إن زاد عن حد الخوف الطبيعي بحيث صار عقيدة وهاجس عند صاحبه لا يفارقه فهو شرك والعياذ بالله ، لأن الله تعالى يقول : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )).
رابعا: هذه الشبهة وما معها من وحي الشيطان يخوف بها من يريد إخراجه من رحمة الله ، والإيقاع به في مهاوي الضلال.
إن الرزق كتب للعبد وهو في رحم أمه ، والنفع والضر إليه سبحانه، والغنى والفقر بيده تعالى . فلم الخوف إذا ؟!
قال تعالى فيمن يخشى على مستقبله وأولاده :(( وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا)) وقال في الزواج والرزق:(( وأنكحوا الآيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله)) .
ألا يكفيك هذا إن كنت عبدا لله حقا تؤمن بأنه هو الغني ونحن الفقراء إليه ،وأنه على كل شيء قدير .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن رزق العبد ليطلبه كما يطلبه أجله )) وفي رواية :(( أشد ..)) وفي رواية :(( لو هرب العبد إلى آخر الدنيا من رزقه لأدركه رزقه)) صحيح الجامع ،وفي صحيح مسلم :((.. ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها)).
فيقال لهذا المسكين ومن أين يأتيك رزقك الآن الذي أنت فيه وتعيش به وأنت فقير معدم لا حرفة لك ولا صنعة ولا شهادة؟!
ومن أين يعيش ملايين البشر وهم لا يشتغلون ولا حول ولا قوة لهم ؟!بل الكثير منهم مسجون ، ومنهم المعاق والمريض ، ومن أين يعيش الحيوانات وسط الصخور وفي أعماق المحيطات ؟! أليس الله هو من يرزقهم؟!! أي يرزق الجميع.
قال تعالى ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)) فلم الخوف إذا ؟!
هذا المسكين بهذا المعتقد يتهم ربه بالعجز ، أي أنه عاجز على أن يرزقه وأنه لا يمكن أن يغنيه كما أفقره ، وكأنه لا يرى من حوله كيف أفقر الله أغنياء ، وكيف أغنى فقراء ، وهذا الأخير أكثر فكم من إنسان ولد فقيرا ونشأ فقيرا فيما يظهر للناس وقد كتبه الله من الأغنياء ، وهو لا يعلم اليوم الذي يصبح فيه غنيا ويأتيه ذلك اليوم في مرحلة من حياته ، ويكون ذلك وفقا لما كتبه الله له وهو في رحم أمه ، وهكذا العكس.
ثم يضاف لذلك ، فيقال هل صاحبنا الذي حيكت من حاله اطلع الغيب فعلم أن لا مستقبل له ، وأنه سيبقى على حاله وربما أسوأ فلا رزق ولا زوجة ولاذرية ولا مال ؟! أم أنه يقول ذلك جزافا ، هذا من الجهل ؟!
أين هو من قوله تعالى :(( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) .
وقوله تعالى (( قل من يرزقكم من السماء والأرض))
وقوله (( وفي السماء رزقكم وما توعدون)) ..وغير ذلك من الآيات البينات فما عليه إلا أن يؤمن بها إيمانا حقيقيا ويتوكل على الله فهو حسبه ،وكفيله.
و قال صلى الله عليه وسلم : (( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ( جائعة) وتروح بطانا)) أي وتعود شبعانة. رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
وليجعل هذا المتخوف من المجهول بين عينيه قوله تعالى :(( ومن يتوكل على الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب )).
وقوله (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) أي كافيه.
ثم ليعلم أن الزوجة رزق عظيم تأتي ومعها رزقها وكذلك الأولاد ، فهو غني بهم .. فلو طلبنا منه أن يبيعنا أول أبنائه أو أحدهم بملايير الدينارات لرفض وقال لا يمكن أن أبيعكم أبنائي حتى وهو لا يملك شيئا ..
إذا هو غني من الأغنياء يملك كل هذه القيمة وأكثر ..
وكذلك الأمر مع أعضائه ، فلو طلبنا منه أن يبيعنا إحدى عينيه بمليارين او ثلاث لرفض هذا عضو واحد ، فكيف بجميع الأعضاء وجميع الأولاد , كله أعطاه الله له وأغناه عن غيره ، من غير مقابل ..
ثم يتهم ربه بالعجز أنه لا يرزقه ولا يفرجها عنه.
إن الغنى غني النفس، والقناعة كنز لا يفنى .
وأيضا : الزوجة تأتي ومعها رزقها فيصبح لديه رزقها ورزقه فينفقان رزقا واحدا ويدخران رزق أحدهما ؛ لأن النبي صلى الله. عليه وسلم قال :(( طعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة )) ، متفق عليه .
فيكفيه وزوجته طعامه ،وطعام الزوجة ورزقها يدخرانه، وكذلك إذا رزقه الله الأولاد ،فطعام الاثنين يكفي الثلاثة ..
هذا هو التفكير السليم الذي ينبغي أن يفكر به ويعتقده العبد المسلم فضلا عن السلفي .
وعلى قاعدة صاحبنا هذا يختل نصف المجتمع من الفقراء والمعوزين المساكين ويستسلمون لهذه الشبه والعقائد الباطلة التي يخوفهم بها الشيطان كما أخبرنا الله تعالى ؛(( الشيطان يعدكم الفقر ، ويأمرمم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم )).
فأين التوكل على الله؟ وأين الدعاء ؟ وأين القيام بالأسباب وطلب الرزق ؟!
فعليه بأن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله ومنها الدعاء فيدعو ويقوم بما عليه من واجب ويطمئن للنتائج؛ فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، والله لا يتخلى عن عبد لجأ إليه ، وتضرع إليه راجيا فضله خائفا من العاقبة وليس من الدنيا فقد كفلها ، بل أن الله يغضب من العبد إذا ترك الدعاء واللجأ إلى من بيده خزائن السموات والأرض ، وأنه ينفق بالليل والنهار سبحانه ، (( .. بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )).
وفي الحديث الذي أخرجه في الصحيحين :(( يدُ اللهِ ملْأَى لا يُغِيضُها نَفَقَةٌ ، سحَّاءُ اللَّيْلَ و النهارَ ، أرأيتم ما أنفَقَ منذُ خلَقَ السماواتِ و الأرضِ ؟ فإِنَّهُ لم يَغِضْ ما في يدِهِ وكان عرْشُهُ على الماءِ ، وبيدِهِ الميزانُ ، يخفِضُ ويرْفَعُ )). فتوكل على الله ولا تخش من ذي العرش إقلالا . وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه .