" أَجَلْ فَلَا تُرَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ قُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ...
إذا أردت أن تبكي خصمك فتنازل عن حقك في الخصومة ، وقل له " غفر الله لك "
عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : كُنْتُأَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَعْطَانِي أَرْضًا ، وَأَعْطَى أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا ، وَجَاءَتِ الدُّنْيَا ، فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ نَخْلَةٍ ، عِذْقٍ نَخْلَةٍ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هِي فِي حَدِّ أَرْضِي ، وَقُلْتُ أَنَا : هِي فِي حَدِّي ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ كَلَامٌ ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً كَرِهْتُهَا ، وَنَدِمَ ، فَقَالَ لِي : يَا رَبِيعَةُ رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا. قُلْتُ : لَا أَفْعَلُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَتَقُولَنَّ أَوْ لَأَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ، قَالَ : وَرَفَضَ الْأَرْضَ ، فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقْتُ أَتْلُوَهُ ، فَجَاءَ أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ ، فَقَالُوا : رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ في أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَعْدِي عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ مَا قَالَ ؟ فَقُلْتُ : أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَهُوَ ثَانِي اثْنَيْنِ ، هُوَ ذُو شَيْبَةَ الْمُسْلِمِينَ فَإِيَّاكُمْ ، يَلْتَفِتُ فَيَرَاكُمٍ تَنْصُرُونِي عَلَيْهِ ، فَيَغْضَبُ فَيَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ ، فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِغَضَبِهِمَا فَيَهْلِكُ رَبِيعَةُ ، قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : ارْجِعُوا ، فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَبِعْتُهُ وَحْدِي ، وَجَعَلْتُ أَتْلُوا حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ كَمَا كَانَ ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ فَقَالَ : " يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ كَذَا وَكَانَ كَذَا : فَقَالَ لِي كَلِمَةً كَرِهْتُهَا ، فَقَالَ لِي : قُلْ كَمَا قُلْتُ لَكَ حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَجَلْ فَلَا تُرَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ قُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " قَالَ : فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ وَهُوَ يَبْكِي . الصحيحة (ظ£ظ¢ظ¥ظ¨).
الله أكبر ما أعظم هذا الإسلام ، وما أعظم تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أعظم أهله السابقين الصادقين المخلصين .
انظر يا رعاك الله لما يدرك الصديق الأكبر والجبل الاشم العظيم الذي يزن إيمانه إيمان الأمة أنه أخطأ في حق أخيه ربيعة ، كيف أظهر ندمه، وسارع إلى طلب تطبيق القصاص عليه ، وتحلله من حق أخيه ؟!
وانظر - أرشدني الله وإياك لمرضاته- لما رفض الأخ والصاحب ربيعة أن يطبق القصاص على أهل الفضل والشأن والشرف ، ومع من يقدر له قدره ويعرف سابقته في الإسلام وصحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أن أبا بكر الصديق هدده قائلا " لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله ".
سبحان الله !!! يستعدي عليه رسول الله حتى يقتص منه !!
فيصبر الصاحب ربيعة الفاضل ويصر على عدم الرد بالمثل ، فيتوجهان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفي بداية الطريق تستيقظ الحمية في نفوس بعض قوم ربيعة ، ولكن ربيعة يطفئ جذوتها في مهدها ، ويحذرهم عاقبتها ، ولا يسمح لهم بالنطق ولو ببنة شفة ، ويبين لهم فضل أبي بكر الصديق ، ومرتبته ، ومكانته في الأمة وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم يلتحق بأبي بكر عند رسول الله وقد استعدى رسول الله عليه ، وأخبره بما كان من أمرهما كما حدث ، أي أخبر بما له وما عليه ؛ بل أقر بما عليه ، ويطلب من القائد الأعظم أن يأمر صاحبه بتنفيذ القصاص في حقه.
ولكن انظر إلى القائد الأعظم، والقاضي العدل الذي لا يظلم عنده أحد والمربي الحكيم الذي يتلطف بالمربيين ، والطبيب الحادق كيف يعالج بوادر الجروح بداوء الألفة والمحبة ، والكلمات اللطيفة الجميلة في قوله " أجل لا ترد عليه ، ولكن قل له غفر الله لك يا أبا بكر" ويقولها ربيعة امتثالا وحبا للرسول وصاحبه في الغار .
وهكذا بهذه الكلمات التي تأخذ بمجامع القلوب فتحركها ليظهر أثرها على العين فتذرف دموع الصدق والخوف والورع والمحبة للحق ، كانت نهاية قضية بين كبير معظم في الأمة وبين صاحب مجل ومحلل له .
فيا ليت هذه المحاسن العظيمة والفضائل الرائعة الحسنة تحيا في نفوسنا كما كانت في نفوس سلفنا الصالح فالقصص في هذا كثيرة ،بل حصلت حتى من النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، وبذلك تموت الظغائن والأحقاد ، وتتآلف القلوب وتجتمع الكلمة وتقوى الشوكة ويندحر الأعداء.
هذا وصلى الله على النبي الرحيم ، والمربي العظيم ،ورضي الله عن الصحابة أجمعين ، وجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك جواد كريم .

الشيخ ابي بكؤ يوسف لعويسي