أول سؤال لأهل النار عن أسباب دخولهم إلى جهنم ..
============
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ،والصلاة والسلام على شفيع الخلق نبينا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد :
فإن الله تعالى توعد المتهاونين بالصلاة بالويل يوم القيامة وهو واد في جهنم والعياذ بالله ، أو الدعاء عليه بالهلاك فيها ..
قال تعالى : (( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ )).
قال القرطبي : .. وقال سعد بن أبي وقاص : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون - قال - : ( الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، تهاونا بها ) . وعن ابن عباس أيضا : هم المنافقون يتركون الصلاة سرا ، يصلونها علانية ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) الآية .
ويدل على أنها في المنافقين قوله : (( الذين هم يراءون ..)).
وقيل أن الله توعدهم بالويل فقيل هو واد في جهنم ،وقيل دعاء بالهلاك على من يستحقه .
هذا فيمن تهاون بالصلاة فأخرها عن وقتها أو قام فنقرها نقر الديكة للحب ..
أما تارك الصلاة بالكلية فعقوبته أشد وأنكى ، ومكانته أخس وأبقى وهو في عقاب شديد فظيع لا يموت ولا يحيا فهو مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف الذين قال الله فيه : (( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )).
وعن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ ذَكرَ الصَّلاةَ يومًا فقالَ : من حافَظَ عليها كانت لَه نورًا وبُرهانًا ونجاةً إلى يومِ القيامةِ، ومن لَم يُحافِظ عليها لم يَكن لَه نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ وَكانَ يومَ القيامةِ معَ فرعونَ وَهامانَ وأبَيِّ بنِ خلفٍ . وفي رواية : وقارون .
أخرجه أحمد (6576)، وابن حبان (1467)، والطبراني (14/127) (١٤٧٤٦). صحيح .
وقد أخبرنا الله تعالى عن قوم سئلوا عن سبب دخولهم النار فأجابوا عن ذلك بسبب تركهم للصلاة فقال سبحانه : (( كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ * حَتّىَ أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ )).
وفي هذا التفاتة جميلة طيبة من المؤمنين أصحاب اليمين وهم في الجنات يتنعمون ويتذاكرون فذكروا المجرمين الذين كانوا يعايشونهم والذين كانوا يضحكون عليهم ويسخرون منهم ويغمزونهم ، فينظرون ماذا فعلوا فيرونهم في سقر ، في جهنم فيتوجهون إليهم بالسؤال : (( ما سلككم في سقر ..)) وهذا سؤال تقريع وتوبيخ يزيدهم ألما وأسى .. ويذكرهم بما كان حالهم والمؤمنين في الدنيا.
فكان جوابهم بصراحة حيث لا تخفيف ولا راحة ، جواب تحسر وندامة ، وبكاء وعويل وللنفس ملامة ، وهل ينفع اللوم والبكاء والعويل يا تارك الصلاة وقد فات الآوان ؟
اصرخوا حتى تنقطع حبالكم ، وابكوا حتى تذهب أبصاركم فلن يسمع أحد لعويلكم ولن يرأف أحد لكم فيشفع لكم ..
(( وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ )) .
ذكروا في جوابهم أسباب دخولهم سقر وأن أول سبب وأعظمه هو ترك الصلاة ، وذلك لما رأوا من فضلها وأنها من أعظم أسباب النجاة يوم الدين الذي كانوا به يكذبون ، ولأنها أول ما يسأل عنه العبد فقالوا مقرين على أنفسهم : (( قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ * حَتّىَ أَتَانَا الْيَقِينُ ))
أي لم نكن نعبد الله ولا نحسن إلى المعوزين من بني جنسنا ، وكنا نخوض في الباطل أين كان ، وممن كان ، وكنا نكذب بهذا اليوم ، وبقينا على ذلك الحال ، لم ننتفع بموعظة ولا بتذكير ولا عبرة حتى جاءنا الموت فكان هذا مصيرنا ، يا ويلنا؟!
ثم يلتفت بعضهم إلى بعض لعلهم يجدون أحدا يمد إليهم يده فيقولون : (( هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ..)) فيأتيهم الجواب : (( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ)) ، ها قد انقطعت بهم الأسباب وحل بهم اليأس فقالوا :
(( .. فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ .. )).
يا تارك الصلاة إن الموت يأتي بغتة ، فتصور نفسك وقد أتأك اليقين ( الموت) وأنت تارك للصلاة غير مبال بها فتطرح في قعر جهنم مع أعتى العتاة من الجبابرة وأطغى الطغاة الكياسرة فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف ، وتدعوا حينها، وتدعو ، وتدعو فلا يستجاب لك ولا أحد يسمع دعاءك ، بكاء وعويل وصراخ وحر تذوب منه الجبال الراسيات من الحديد والحجارة وزمهرير يقطع العظام العظام ،هناك الطعام الزقوم والشراب الحميم ، وكله لا يسمن ولا يغني من جوع ، واللباس السرابيل ، أي من القار والزفت ، وتتوسل وتتلطف وتترجى
عسى أن يرق قلب أحد من أقربائك وأحبابك ليشفع لك فلا تجد ، أنه مصير مرعب حقا يكاد القلب ينفطر منه ، يومها يتمنى العبد الخلاص ولو بالموت
(( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ))
أو أن يعود ترابا حتى يستريح ولكن هيهات هيهات.
(( .. يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا )
فهلا فكرت قليلا بالذي يقيك من ذلك وينجيك من ذلك المنظر المهين الفظيع والعذاب الشديد المقرع المريع قبل فوات الأوان ، يوم لا ينفع الندم : (( أن تقول نفس يا حسرتاه على مفرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ))
أو تقول : (( رب أرجعوني اعمل صالحا فيما تركت )).
أسأل تعالى أن يتوب علينا وعليكم وأن يغفر ذنوبنا وأن يحسن خواتمنا إن ربي سميع قريب مجيب .