جواب سؤال عن شبهة جاء بها شخص مجهول الحال عن الإمام الألباني الفحل من فحول الرجال.
السؤال :
تفاجأت أن الألباني من المعاصرين وتوقفت عن قبول أحكامه على الأحاديث!
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت مؤخراً أن العلامة الألباني هو من علماء العصر الحديث، وأنه توفي منذ ثماني سنوات فقط، وأنا لست من أهل العلم لأفتي في الرجل، ولا أعلم عن سيرته شيئاً يُذكر، ولكني فقط أريد أن أطمئن ويطمئن قلبي، كيف يجوز لنا الأخذ بحديث ضعَّفه الأوائل من أهل العلم وصححه هو؟ أو كيف يجوز لنا ترك حديث صححه السابقون من العلماء وأنكره هو؟ مع ما لهم من قرب عهد بالرواة والصحابة والتابعين ما يمكنهم من معرفة أحوالهم والسؤال عنهم، وما له من بعد عهد عن كل هؤلاء الرواة، مما يجعل قدرته على اقتفاء آثارهم ومعرفة أحوالهم وصفاتهم أمراً متعذراً جدّاً، يكاد لا يعتمد فيه إلا على ما أخبر به الأوائل ابتداء، وبذلك فهو ربما لا يكون قد أضاف شيئاً، لا أقصد المعيب في علَاّمة مثله، ولكن هذا تصوري العقلي، وأنا كنت آخذ بأحاديثه دون نقاش، لكن بعد أن علمت أنه ليس من التابعين وأصحاب العهد الأول: دهشت، ولم أعد أعلم كيف أتصرف عندما يخالف رأيه أحداً منهم. أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيراً.]ـ
الجواب
=======≠==========
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أولا : العلامة الألباني - رحمه الله - من العلماء القلائل الذين فتح الله عليهم بالعلم النافع ، ومن عليهم فجعلهم من المجددين القائمين بالحجة على عصره ، وقد شهد له بذلك علماء عصره الكبار الذين انتهت إليهم رئاسة العلم والفتوى مثل الشيخ العلامة ابن باز ، والشيخ العلامة ابن عثيمين ،والشيخ العلامة العباد ،والشيخ العلامة محمد أمان الجامي ، والشيخ العلامة حماد الأنصاري، والشيخ العلامة مقبل الوادعي ،والشيخ العلامة النجمي ،والشيخ العلامة زيد المدخلي ، والشيخ العلامة ربيع المدخلي ،والشيخ العلامة صالح اللحيدان ، والشيخ العلامة الفوزان وآخرين ، رحم الله الأموات منهم ،وحفظ لنا الأحياء ونفعنا بعلمهم ، ولا يجحد فضله وعلمه إلا جاهل .
ثانيا : العلامة الألباني رحمه الله ،لم يأت بشيء جديد من عنده ، وإنما هو متبع لمن قبله من العلماء ، فلم يكن بدعا منهم .
لقد اجتهد اجتهادا منقطع النظير في تقريب السنة للأمة ، وأحيا سننا ماتت في الناس .. وانتفع به خلق كثير ..
وقد غلب على علمه الصواب من الخطأ ، في كثير من أحكامه واجتهاداته ، ومع ذلك فهو كغيره من العلماء المجتهدين ، يصيب ويخطئ إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فهو على كل حال مأجور .
ثالثا : لا يعرف قدر هذا العلم إلا أهله ، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل . وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء ،
فالسائل ليس من أهل الفضل ، ولا من أهل اختصاص هذا العلم ، وإنما ألقى الشيطان في نفسه شبهة عقلية سخيفة ليصده عن الحق ، فالرجل استعمل عقله فيما لا يحسنه ، وفيما هو فوق عقله وعلمه ، فاستشكل عليه الأمر ، ولو سلك طريق العلم وسبيل طلابه وجاء العلم من بابه لما حصل له هذا الإشكال لسهولته ، وبيانه فيما يلي :
١- عجبا لهذا السائل لا يعرف أن الشيخ الألباني من المعاصرين ، ويسأل مثل هذا السؤال فهذا من غرائب الزمان ، وما أكثر غرائبه وعجايبه ، وقد كدت أن أعرض عن جوابه ،ولكن خشية أن تسري هذه الشبهة في غيره وتنطلي على الكثير من الطلاب المبتدئين رأيت من الواجب قطع دابرها ..
٢ - الإمام الألباني تخصص في علم الحديث وتبحر فيه حتى علا فيه كعبه وفاق أقرانه ، وجعل الله له القبول في الأرض .
٢- الشيخ الألباني رحمه الله ،لم يخالف حكما لحديث ما أجمع المتقدمون على تصحيحه أو أجمعوا على تضعيفه .
٣- الشيخ الألباني إنما خالف في الحكم على حديث ما اختلف في تصحيحه وتضعيفه فجاء هو - رحمه الله- ورجح ما يقتضيه البحث العلمي الذي توصل إليه ، بعد بذل ما بوسعه وقد يصيب وقد يخطئ ،فهو قدم لطلاب العلم مادة طازجة فما عليهم إلا أن ينظروا فيها فمن كان له اعتراض وانتقاد فليقدمه ، فقد كان الشيخ يطلب ذلك من قرائه، وكان كثيرا ما يرجع عن خطئه إذا انتقده أحد وتبين له الحق الذي جاء به المنتقد ، وهذا موجود في كتبه ،وقد كتب أحد طلبة العلم كتابا في ذلك سماه " تراجعات الألباني " .
٤- : لقد وافقه كثير من العلماء فيما صحح أو ضعف ،وشهدوا له بالتقدم في ذلك .
٥- لقد خالفه بعض العلماء في بعض الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ولم يسكتوا عنه فالعبرة بقوة الحجة وقوة الدليل والقرائن في الترجيح.
٦- و هذه السادسة هي من أهم ما ميز الشيخ الألباني على غيره ، وهي أنه تيسر له ما لم يتيسر لغيره من الكتب المطبوعة والمخطوطة ، في الشام في المكتبة الظاهرية ، وفي الحجاز ، وفي مصر والمغرب ، وغيرها من الأماكن التي سافر إليها بحثا عن الكتب والمخطوطات . وهذا قل أن يجتمع لأحد .
٧- أضف إلى ذلك فالرجل أوقف حياته لخدمة السنة النبوية ، مع زهد وورع وحرص على تطبيق السنة مما يجعل طالب العلم يطمئن لعلم الإمام الألباني رحمه الله ، وأحكامه على الأحاديث .
وأخيرا نقول للسائل : فلتطمئن نفسك ولا تقلق ، ولك العبرة في كبار علماء العصر ومشايخ العلم الذين أثنوا على الألباني وشهدوا له بالرسوخ في العلم وأخذوا بما صحح أو ضعف ..
ونصيحتي للسائل أن يطلب العلم ويسلك فيه سبيل أهله فيتدرج في أخذه من أفواه العلماء بطريق التلقين والسؤال ويؤخذه مرحلة مرحلة ويؤخذ لكل مرحلة ما يناسبها .
وفقه الله وسددها .