السائل : بالنّسبة للذّين يجوزّون إخراج صدقة الفطر مالا ، يقولون بأنّ الإمام أبو حنيفة رحمه الله أجاز ذلك ، علما أن ذلك يخالف صحيح أحاديث النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ، فماذا يقال لهم ؟ يقولون إنّ الإمام كمان حجّة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حجّة ، وهذا يؤخذ منه يعني فماذا نقول لهؤلاء ؟الشيخ : نقول لهؤلاء (( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ، هي المشكلة مع هؤلاء النّاس ، أنّهم لا يعرفون قيمة الكتاب والسّنّة وأقلّ ما أقول لا يعرفون قدر الكتاب والسّنّة كما يعرفون قدر الأئمّة ، ثم هم ينظرون إلى مذاهب الأئمة الأربعة كشرائع أربعة ، فيجوز للمسلم أن يأخذ من أيّ شريعة من هذه الشّرائع الأربعة ، أو من أيّ مذهب من هذه المذاهب الأربعة ، ولذلك فأمثال هؤلاء بحاجة إلى محاضرة ، يلقيها الإنسان عليهم ، ويفهّمهم ما هو الدّين هل الدّين قال فلان وفلان ؟ أم الدّين كما قال ابن القيّم رحمه الله " العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتّمويه .ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرّسول وبين رأي فقيه .كلّا ولا جحد الصّفات ونفيها *** حذرا من التّعطيل والتّشبيه " فالشّاهد هذا يجب أن يفهم هؤلاء أنّ الأمر يعود في كل مسألة اختلف فيها العلماء والفقهاء إلى ما قال الله وإلى ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، ثم يتبع ذلك بأن نقول هناك أحاديث تقول بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ( فرض صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب ) ، وحديث آخر من حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ( فرض صدقة طهرة للصّائم وطعمة للمساكين ) ، فالمقصود بهذه الصّدقة هو الإطعام بنصّ هذا الحديث ، فيلفت نظرهم إلى هذا الحديث وذاك الحديث ، الحديث الأوّل بيفصّل نوع الطّعام الّذي فرض فيه صدقة الفطر ، والحديث الثّاني يلفت النّظر إلى الحكمة من شرعيّة صدقة الفطر ، فهي لها شعبتان هذه الحكمة لها شعبتان إحداهما تتعلّق بالمزكّي والأخرى تتعلّق بالفقير ، فبالنّسبة للحكمة الأولى تقول طهرة للصّائم ، هذه الصّدقة طهرة للصّائم وبالنّسبة للأخرى طعمة للمساكين فأنت لمّا تعطيه نقدا ما أطعمته وكما يتوهّم كثير من النّاس ، وقريبا جرى بيني وبين أحدهم نقاش ، بيقول مستحسنا مقدّما الرّأي والعقل على النّقل ، بيقول نحن إذا أعطينا الفقير المال ، فهو بتوسّع فيه يشتري ثياب لأهله لأطفاله كذا إلى آخره ، فنحن قلنا له يا أخي المقصود من هذه الصّدقة ، ليس ما هو المقصود من الصّدقة من الزّكاة السّنويّة ، التي تجب بشروطها المعروفة منها النّصاب كما ذكرنا آنفا ، فينبغي أن يخرج إمّا من الذّهب وإما من الفضّة ، هنا ليس الأمر كذلك ، لأنه ليس المقصود التّوسعة العامّة في كلّ شيء على الفقير وإنّما المقصود توسعة خاصّة ، وهي في الطّعام ، وليست هذه التّوسعة خاصّة في يوم العيد ، لأنّه هو يوم واحد ، وإنّما التّوسعة أيضا ، لما بعد أيّام العيد ، وهذا هو الّذي يقع ، حينما يتوفّر عند الفقراء والمساكين آصع من هذا الطّعام الّذي فرضه ربّ العالمين ، على لسان نبيّه الكريم ، فيصبح غنيّا نوعا ما ، شهور وربّما أكثر من ذلك على حسب ما أرسل ربّنا إليه من الصّدقات ، هذه الصّدقة ليس المقصود بها إلاّ التّوسعة على الفقراء ، في طعامهم فقط ، ولذلك فإذا فهمّنا هؤلاء ، وكان عندهم استعداد أن يتجرّدوا من شيئين أوّلا العصبيّة المذهبيّة ، لأنّه يلّي يقول لك أنا مذهبي حنفي وإمامي بيقول هيك ، و إمامي عالم إلى آخره فهذا من الصّعب أن نجرّده من هذه العصبيّة المذهبيّة ، إلّا بالمتابعة والملاحقة وبالّتي هي أحسن ، كمان بدّنا نجرّده من اتّباع الهوى ، لأنّ كثيرا من النّاس ، لا يكونون حنفييّ المذهب ، وإنّما يرون برأيهم وبعقلهم أنّ مذهب أبي حنيفة أنسب في هذا العصر ، فبيتركوا مذهبهم ، لمذهب من يخالفونه في المائة تسعة وتسعون ، إلاّ في هذه المسألة فيأخذون برأي الإمام أبي حنيفة لأنّه وجد هوى في نفوسهم فإذا نحن علينا أن نربّي النّاس أوّلا ، عن التجرّد عن التعصب المذهبي ، وثانيا عن اتّباع الهوى ، لأن اتّباع الهوى مضلّة ، نعم .