الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [2]

بسم الله الرحمن الرحيم .

إن الإمام مسلما من كبار المحدثين الذين دونوا فقه رسول الله وحملوه إلى الأمة وقد شهد له بذلك القاصي والداني فقد فاق أقرانه حتى قدمه بعضهم على شيخه البخاري في حسن الترتيب وسياقة الأحاديث، ولو لم يكن فقيها ذكيا فطنا لا يدري ولا يفهم ما يكتب ما استطاع أن يرتبه ذلك الترتيب الذي
فاق به أقرانه حتى أستاذه ومعلمه، ويأتي صحيحه بهذا التأليف الممتاز الذي أعجز العلماء بعده ،وأبهر الأعداء ..في المرتبة الثانية بعد صحيح البخاري .
ثم قل لي بربك أيها الدعي أين نجد الدليل من الكتاب والسنة على التفريق في الأخذ بين الأحاديث المتواترة والآحاد ؟ ألا تعلم أن الحديث حجة بنفسه ؟وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:<< ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه وأنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ..>> رواه أبو داود ، ولأن السنة وحي من الله لنبيه وما ينطق عن الهوى عن هو إلا وحي يوحى ، كما ذكر ذلك السيوطي الذي جعلته من علماء السلف في كتابه مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة .
إن القول برد أحاديث الآحاد الصحيحة في العقيدة يستلزم منه رد كل الأحاديث التي جاءت في كتاب الإيمان والتوحيد من صحيح البخاري ومسلم ، وغيرهما من كتب السنة ، ويلزم من ذلك رد ثلث الدين ، فإن العقيدة أو التوحيد تمثل ثلث الدين ، هذا إن لم نقل أكثر الدين ، فإن الآحاديث المتواترة في العقيدة قليلة جدا ، والاعتماد على فهم القرآن الكريم دون السنة – شبهة القرآنيين ضلالة كبيرة – ثم إن هذا المعتقد – التفريق بين المتواتر من الأحاديث والآحاد يستلزم منه الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه فرد في تبليغه القرآن الذي يحمل عقيدة المسلمين ، ويستلزم الطعن في كل أفراد الصحابة الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرسلهم دعاة إلى الله يحملون رسائله إلى الملوك والسلاطين ، وأخيرا يستلزم رد كل ما تكتبه أنت أيها الغريب الفرد في العقيدة، ومنه هذه القضية التي نحن بصدد الكشف عنها لأنك آحاد من الناس، ولست متواترا ،ثم هل يمكنك أن تأتيني بحديث واحد في العقيدة رده الصحابة أو التابعون بحجة أنه آحاد ، إن هذا التقسيم مجرد تقسيم صوري محدث دخل منه من دخل إلى إنكار صفات الباري ، أو تأويلها ، وإنكار عذاب القبر ، كالخوارج والمعتزلة والجهمية،وما في اليوم الآخر من الغيبيات التي لم يأتي تفصيلها في كتاب الله ولا في المتواتر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .فأحاديث عذاب القبر ونعيمه ، وأحاديث الشفاعة ، لا تثبت عندك لأنها آحاد ، وهذا هو معتقد الخوارج والمعتزلة الذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه ..
أما قولك :ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووي) هذه الجرأة أولا على أبوي النبي وذلكفي جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيفتأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر«.
ألا تعلم أن الجرأة هي التطاول على العلماء ، ولمزهم وغمزهم بما هم منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، فأن القول في الإمام النووي في رد التهمة عنه هو كالقول في الإمام مسلم
وأزيدك هنا شيئا وهو اعتماده على أصح كتاب بعد كتاب الله ، ثم كتاب البخاري ، اللذين تلقتهما الأمة بالقبول ،ثم أقول لك : وأنت ماذا تقول في موتهما ؟ فإن قلت ماتا على الإيمان فإثبات ذلك دون خرط القتاد ، والشواهد تكذبك ، وإن قلت ماتا ولا يدرى على ما ماتا فيقال لك كيف أثبت ذلك ؟ وإن قلت ماتا على الكفر فيقال لك ما جئت بشيء جديد ، وإنما سودت الصحف لتهرف بما لا تعرف ، ثم نتوجه إليك بهذا السؤال الثاني وهو: على أي دين كانا أبواه صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قلت على الفطرة .. قيل لك وكيف عرفت ذلك أنت في القرن الخامس عشر وغاب عن كل هذه القرون ، وإن قلت ، على دين إبراهيم قيل لك أيضا وكيف أثبت ما تعيبه على غيرك كالنووي والبيهقي وغيرهما ؟ وإن قلت لا أدري على ماذا كانا قيل لك :
العلم نور يقتبس ** فصاحبه مكرم حيث جلس .
من فاته العلم طأطأ وانتكس **فكان ما بين حمار وفرس .
وقيل له :
العلم نور للفتى ** يكرمه حيث أتى
من فاته العلم وثبتا** فحقه في العالمين أن يسكتا
وإن قلت : ماتا على الكفر كما هو مشهور عند جماهير العلماء من السلف والخلف ، وأن الله أحياهما تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك السيوطي والسهيلي ، قيل لك : أثبت ذلك بطريق الرواية اجتهادا وتحقيقا ؟ أم بطريق العقل ، تصورا وتخييلا ؟ فإن كانت الأولى ، كذبتك أقوال فحول هذا الشأن ، وأن ما أورده السيوطي في الرسالة التي أشرت إليها فقد حكم عليه أهل الاختصاص بأنه كذب مختلق ، وأنه لا يثبت ، ولا يمكنك إثباته ، وإن قلت الثانية – وهي التي تتبادر إلى الذهن- فهل حضرتهما أنت أو كشف لك عن ذلك فعاينتهما ،أو رأيت ذلك في المنام لترمي بهذه الفرية البيهقي رحمه الله ، أم أنك اعتمدت على آيات وأحاديث سقتها ولم تفهم معانيها على ما كان عليه العلماء سلفا وخلفا ،مما لم تسبق إليه .. وسأبين لك ذلك إن شاء الله ...
وأما قولك : والمعروف دينا ولغة وبداهة أنالكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه ...
وهنا أسألك بالله أن تخبرني من أي قاموس جئت بأن المعروف في الدين واللغة والبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة ؟ أم أنك لا تعرف معنى الكفر وأقسامه ؟
وإن كان أمرك كذلك فتعالى معي لنتعلم أنا وأنت معنى الكفر في اللغة والشرع وأقسامه .
الكفر لغة هو : التغطية والستر . قال في المصباح المنير [ص267] كفر النعمة أي غطاها مستعار من كفر الشيء إذا غطاه وهو أصل الباب ومنه يقال للفلاح كافر لأنه يكفر البذر أي ستره في الأرض ومنه قوله تعالى : [[ .. يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ..]]
وقال : في مادة كفر : أي كفر بالله يكفر كفرا وكفرانا ، ويطلق على البراءة والجحود ، وعلى نفي الصانع ، ولم أجد في قواميس اللغة في حدود علمي من يقول أن الكفر في اللغة هو الكفر بالدعوة
وقال في مختار الصحاح : كفر ، الكفر ضد الإيمان وقد كفر بالله وقوله تعالى :{ إنا بكل كافرون } أي جاحدون ، وقوله : {فأبى الظالمون إلا كفروا } والكافر الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء. قال ابن السكيت: ومنه سمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه .
أما في الشرع ، فالمعروف أن الكفر هو: الكفر بالله تعالى وهو أنواع ، وليس بالدعوة كما تقول ، لأنه يمكن أن يؤمن بالدعوة ويكفر بالله ، كالمنافقين الذين أظهروا الإيمان بدعوة الإسلام وكفروا بالله تعالى .وإليك أنواع الكفر :

1- كفر إباء واستكبار : ككفر إبليس ، ومنه قوله تعالى :{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، وهذا مثل حال من يعلم أن دين الإسلام هو دين الحقِّ الذي لا يقبل الله سواه، والذي فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ثم يتركه إباءً واستكباراً ويتخذ له ديناً أو مذهباً من صنع البشر.
2- كفر الجحود: وهو أن يجحد جملة بما أنزله الله تعالى أو يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة من الإسلام ، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(1) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
3-كفر الشك والإعراض : وهو الذي يشك في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجزم بصدقه، ولا يجزم بكذبه، ويعرض عنه قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9]. وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22].
4- كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم في أيِّ شيء مما جاء به. قال الله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ(2) وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 25-26].
فأين ما تدعيه أن الكفر هو الكفر بالدعوة فقط لغة وشرعا وبداهة ؟ سبحان الله !! وعلى اصطلاحك هذا فإن المشركين الذين ماتوا قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم كعمرو بن لحي وغيره هم مؤمنون
ليسوا بكفار ولا مشركين ، لنهم لم يكفروا بدعوة نبينا محمد ، أو على الأقل هم من أهل الفترة مع ما غيروا من دين إبراهيم الحنيف الذي كان عليه بنو إسماعيل..ومع ما كانوا عليه من عبادة الأوثان فهل تقول ذلك ؟
أما قولك :..ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قدبلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبي الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ» سبأ 44.
فعلى فهمك هذا فإن الآية تنفي إرسال إبراهيم، ورسالته ، ورسالة ابنه إسماعيل ، فلمن أرسل إسماعيل في قوله تعالى :{ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} ؟ وإنما تفسر الآية بقوله تعالى مخبرا عن دعوة إبراهيم : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }وعليه فمعنى الآية : :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ» سبأ 44. أنهم ما جاءهم نذير من غيرهم بعد إبراهيم وإسماعيل ، لأن إبراهيم دعا ربه أن يبعث فيهم رسولا من أنفسهم ، فاستجاب الله دعوته حتى تبقى رسالته هي السائدة حتى يأتيهم رسول من أنفسهم وتتحقق دعوة إبراهيم .ومع ذلك لما جاءهم النذير قالوا هذا إفك ، وهذا سحر ، أو أنه ساحر ، فرد الله عليهم بالآية من أين لكم ذلك ولم يأتكم كتاب من قبله ، ولا نذير في أبائكم يخبركم بأنه إفك وسحر ، كما جاء اليهود والنصارى الذين ادعوا أنهم أهل كتاب وأهل إتباع الرسل .
وأيضا فالآية تقرر عدم إرسال النذير إليهم ، إما مطلقا ، وإما مؤقتا، فإن قلت مطلقا ، كذبك القرآن فقد جاءهم إسماعيل بنص الآية ، وإن قلت : مؤقتا وافقت من يقول بأنهم بلغتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل المذكورة في الآيتين السابقتين وفي غيرهما ...فإنها باقية إلى يومنا هذا في قوله تعالى :{{ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطافين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبأس المصير }فهل هذه الدعوات وغيرها مما أخبرنا الله به مما طلبه إبراهيم باقية إلى يوم الناس هذا أم اندثرت ، هل الحج ، والطواف بالبيت ، ومقام إبراهيم ،والوقوف بعرفات ، وغيرها من أحكام الحج الباقية حتى اليوم من غير دين إبراهيم أم من دينه ؟ وما كانت قريش عليه من الحج والطواف والوقوف بمزدلفة وغيرها من شعائر الحج على فيه من تحريف من دين إبراهيم الحنيف أم من دين الشرك ؟
وهل التغيير والتبديل الذي دخل عليها ، من السائبة ، والبحيرة ، والأصنام حول الكعبة ، والطواف عرايا وغيرها من المخالفات التي بعضها شرك وبعضها كفر وبعضها معاصي من دين إبراهيم ؟
ثم يوجه لك نفس السؤال الذي وجهته إلى الإمام النووي ، كيف عرفت أنت أنهما لم تبلغهما دعوة إبراهيم وهي كما علمت أشهر من أن تذكر ؟ فما كانت قريش تقوم به من شعائر فإنما كانت تنسبه إلى إبراهيم ، ولذلك لما دخل النبي صلى الله عليه الكعبة يوم الفتح رأى صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام فقال : قاتلهم الله ، والله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ، ثم أقول لك وبماذا كنت تسميهما أنت إذا كان الأمر كذلك وأن دعوة إبراهيم لم تبلغهما حسب استنتاجك في ردك قول النووي؟
والجواب : إما أنهما كانا مشركين على دين أبائهما ،لم تبلغهما دعوة إبراهيم ، كما استنبطته أنت، وإما كافرين على التفريق بين الكفر والشرك الذي تدعيه ، مع أنه لا فرق بينهما وإنما هناك عموم وخصوص بين الشرك والكفر فكل مشرك كافر ، ولا عكس ،أو أنهما كانا مؤمنين لكن يقال بأي رسالة ؟ ورسالته صلى الله عليه وعلى نبينا لم تبلغهما؟ وهذا من أبعد المحال ، وبهذا ينتقض بنيانك، مثلك مثل الذين يخربون بيوتهم بأيديهم .
وإما أن يكونا من أهل الفترة ، وهذا يحتاج إلى دليل ، وبيان من الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين أنهما في النار حتى يزيل الإشكال ، وخاصة وقد سئل بيان ذلك فأجاب بما يرفع الإشكال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم .
واعلم أن والديه صلى الله عليه وسلم هم من الكفار المصطفين الذين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لدعوتهم إلى الإسلام وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: << كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه ...>> ولم يقل أو يسلمانه ،لأن الأصل في الولادة للإنسان هي الإسلام ، ولأن أب المولود مسلم فلا يحتاج إلى أن يسلمه فهو على الفطرة ، فهل كان أجداد النبي صلى الله عليه وسلم مسلمون حتى يبقى والداه على الإسلام ؟ وهل كان هناك إسلام قبل بعثته صلى الله عليه وسلم حتى يبقى عليه أبواه ، وعندك أن دعوة إبراهيم لم تبلغهم ؟
والآن إليك أقوال أهل العم في الآية التي فسرتها بهواك :{وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ}سبأ الآية : 44 .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:[ج22/ص 103] يقول تعالى : وما أنزلنا على المشركين القائلين لمحمد صلى الله عليه وسلم لما جاءهم بآيتنا : هذا سحر مبين بما يقولون من ذلك كتبا يدرسونها يقول : يقرءونها .
قال القرطبي رحمه الله : [ج14/ص310] قوله تعالى : { وما آتيناهم ممن كتب يدرسونها } لأي لم يقرءوا في كتاب أتوه بطلان ما جئت به ، ولا سمعوه من رسول بعث إليهم ، كما قال: {{ أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون }} فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ، ولا شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب ، وإن كانوا مبطلين : نحن أهل كتاب وشرائع ومستندون إلى رسل من رسل الله .
وقال ابن كثير رحمه الله : [ج3/ص2374]وقد جاء بالآيات قبلها هذه حتى يتبين المعنى : {{وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ، وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير }} أي ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن ، وما أرسل إليهم نبيا قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقد كانوا يودون ذلك ويقولون : لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا فلما من الله عليهم بذلك كذبوه وعاندوه وجحدوه .
فالآية عليك ، وليست لك ، فالقوم كانوا كفارا بنص القرآن : [[وقال الذين كفروا }} فخاطبهم بما كانوا عليه قبل مجيء الإسلام ، وبقي معهم الوصف بعد مجيئه جحودا قال تعالى :{.. إنهم لا يكذبونك ولكن الذين كفروا بربهم يجحدون } إلا من أسلم منهم فخرج بالإسلام من وصف الكفر والشرك ، أما من مات قبل مجيء الإسلام فهو على دين أبائه ، أو يكون من أهل الفترة أو من أتباع بقيا دين إبراهيم أو ممن تنصر واتبع النصرانية فأحوال أهل ذلك الزمان لا تخرج عن هذه المراتب، وأما من مات بعد ولم يؤمن ،فهو الكافر والمشرك على أصالته التي عاش عليها قولا واحدا عند أهل السنة ، وإخراج أبوي النبي صلى الله عليه وسلم من الخطاب يحتاج إلى دليل ، ولا دليل في الآية البتة .
فإن قوله تعالى : [[ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ..}} وقوله تعالى: {{ ..كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير }} فهذا الخطاب العام للإنس والجن من الكافرين فهل عندك دليل صريح صحيح أنهما خارجين من هذا الخطاب ، كما عند مخالفك الدليل الصريح بأنهما من أهل النار ، فإن ما ذكرت من الآيات والأحاديث ليس فيها التصريح بما تدعيه بل هو المخالف للقرآن الكريم ..كما سأبينه إن شاء الله ..
يتبع إن شاء الله ...