الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [3]
بسم الله الرحمن الرحيم .
وأما قولك : أما كلام (النووي) عن الحديث الثاني (استأذنت ربي)فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عنالاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووي) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبي هو من قبورالمشركين ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا بروايةمتيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح ثم يخلطالنووي في نهاية تعليقه خلطاً كبيرا ..
إن النووي رحمه الله من كبار علماء المسلمين الذين خدموا صحيح مسلما خدمة ما خدمها أحد من المشرقيين، وكثير من العلماء يرجع إليه في الشرح منهم الحافظ ابن حجر في الفتح ،وغيره كثير ، ولم يقل أحد منهم بجرأتك أنه خلط خلطا كبيرا في شرحه لهذا الحديث ، أو لغيره من الأحاديث ، فالإمام النووي متبع معه الدليل الثابت في صحيح مسلم الذي هو أصح الكتب بعد البخاري ، وحتى الذين انتقدوا على البخاري ومسلما بعض الأحاديث كالدارقطني وغيره لم ينتقدوا على مسلما عدم ثبوت هذا الحديث حتى السيوطي الذي تشيد به وأنه من السلف – والأمر ليس كذلك - لم ينتقد على مسلم تصحيحه للحديث في كتابه الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج [ح347]ولم يعقب على تبويب النووي بشيء ،حتى جئت أنت وانتقدت عليه وعلى شارحه فأنت تقول : ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا بروايةمتيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي ..
فنقول لك : وأنت كيف تيقنت ذلك وليس معك دليل ،وقول أحد من علماء السلف فغاية ما معك بعض اجتهادات العلماء من الخلف، ممن أولوا الحديث ولم يضعفوه ، وبعض الروايات الموضوعة والضعيفة ضعفا شديدا ،فإنّا أطالبك بواحد من أهل العلم بالحديث ضعفه أو رده صراحة ..
ثانيا أقول لك : وعلى أي دين كانت أمه صلى الله عليه وسلم ، إذا كنت تنكر على من يقول أن دين إبراهيم لم يدركها ، فهي عندك لم تكن مشركة ، ولم تكن على الحنيفية ملة إبراهيم ، فلم يبقى أمامك إلا أمرين
إما أنها كانت من أهل الفترة ، وقد مر جوابه ،وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة ، وإما أن الله أحياهما له فآمنا به ، وهذا لا يثبت في حديث صحيح آحاد فضلا عن متواتر ، إذ شرطك أنك لا تأخذ بالآحاد في العقيدة ، فكيف أخذت بروايات ضعيفة وموضوعة من الصوفية ، ورددت الصحيح الثابت ؟
ثالثا : حق لك أن تقول ذلك وتدعيه لأنك بلغت درجة الاجتهاد في الضلالة ترد ما يخالف هواك وتقبل ما يحلو ويوافق مذهبك ،فرميت أهل التراث بما فيك مما هم منه براء ، وإلا فأين أنت من البحث والتحقيق في إسناد الحديثين اللذين انتقدتهما على مسلم على طريقة القوم ، فليس في بحثك إلا الجهل والتقليد لبعض من لا يعتبر بخلافه عند الخلاف ..
مع العلم أن مسلما لم ينفرد بإخراجهما فقد أخرجهما كل من أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه [ج 2/343]من طريقين ،والنسائي [ح 1923] باب زيارة قبر المشرك ، وابن ماجة [ح 1277] باب في زيارة قبور المشركين ، والإمام أحمد [ج5/355-356-357]والترمذي [ح842]وقال عقبه : حديث بريدة عن أبيه حديث حسن صحيح ، عبد الحق الإشبيلي في الأحكام [ح187/188] ، والبغوي في شرح السنة [ح1554] وابن حزم في المحلى [ج5/ 237] مسألة رقم 600 باب تستحب زيارة القبور وهو فرض ولو مرة ولا بأس بأن يزور المسلم قبر حميمه المشرك الرجال والنساء سواء . والطبراني ... والشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار [ج5/138-139 ] وقال عقبه :فيه دليل على جواز زيارة القريب الذي لم يدرك الإسلام ، وعند قوله صلى الله عليه وسلم : << فلم يؤذن لي >> قال : فيه دليل على عدم جواز الاستغفار لمن مات على غير ملة الإسلام ،وكل هؤلاء وغيرهم أخرجوه من طرق صحيحة يطول التفصيل فيها ذكر الحافظ ابن حجر شيئا منها في الفتح شرح صحيح البخاري [ج8/ 367]باب إنك لا تهدي من أحببت، وصدرها بقوله : ثبت أنه النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه ..الحديث هكذا بالجزم مما يفيد أنها صحيحة ثابتة ، فماذا تقول في الحافظ ابن حجر رحمه الله أيضا ،هل ستقول أنه تجرأ ، وخلط خلطا كبيرا ؟
وقد اشترك مع مسلم في التبويب كل من النسائي إذ بوب عليه باب زيارة قبر المشرك،وابن ماجة إذ بوب عليه باب في زيارة قبور المشركين . وما نقلت عن ابن حزم والشوكاني ، فماذا يعني أنك خصصت مسلما بذلك الطعن ، هل يعني أنك تريد أن تهدم الصحيح ،فإذا انهدم الصحيح جئت إلى بقية السنن لأنها ليست في مرتبة مسلم في الصحة عندك فألغيتها ؟ أم ستقول أن النسائي وابن ماجة والحافظ ابن حجر وابن حزم والشكواني مقلدون لا يفهمون ما يروون .. أم أنهم يخلطون خلطا عجيبا ؟ ألا قاتلك الله من ظالم .
وأما حديث: << أبي وأبوك في النار >> فقد أخرجه مع الإمام مسلم كل من أبي داود [ح4718] وفي صحيحه [ح3949]والسيوطي في الديباج [ح347] وابن ماجة [ح1278] وعبد الحق الإشبيلي في الحكام :[ح198/199]وابن حبان في صحيحه [ح574] وفي مجمع الزوائد للهيثمي [1/118] عن الطبراني في الكبير [1/18/1] والضياء في المختارة ، والبيهقي في دلائل النبوة [ج1/191].
أما قولك : .. أما (البيهقي) فيزيد الجرأة إبداعاوشرحا فيقول في كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفةفي الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقىالبيهقي علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزمبعبادتهم الأوثان قد جاءه في المنام.
أنظر إلى هذا الأدب الرفيع في كلامك هذا لتعرف من هو الجريء الذي لا يحسن الكلام ، أبلغت درجة هؤلاء الأئمة ،مسلم والنووي والبيهقي وابن كثير ،وغيرهم من أئمة الحديث ممن تطعن فيهم بالجملة حتى تتجرأ عليهم بهذه الوقاحة مستندا إلى تأويلات فاسدة، وشبه عارية عن الدليل،وذهبت تناصر أهل التضليل ، وتركت أقوال الإسلام فحول أهل العلم من السلف بالدليل ، ولو سلكت مسلك التأويل ولم تفتتح موضوعك باللعنة لجمهورهم لهان الخطب ، ولكنك جنيت وتعديت حتى بلغت بك الجناية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لمزك مسلما خاصة وأهل الحديث أهل التراث عامة لمز وغمز للنبي صلى الله عليه وسلم وردك الحديث الثابت باللعنة يستلزم لعن النبي صلى الله عليه وسلم.فأسأله تعالى أن يرجعها عليك .
وأما قولك :..ولا أدرى أيضا بأية طريق استقىالبيهقي علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام، وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزمبعبادتهم الأوثان قد جاءه في المنام.
فأقول إن الطريق التي استقى البيهقي علومه بها هي طريقة أهل الحديث إذ أخرج الأحاديث مروية بأسانيدها ولم يكن بدعا ممن كان قبله من أهل الحديث الذين أخرجوها ، فقد أخرج حديث زيارته صلى الله عليه وسلم لأمه واستئذانه ربه أن يستغفر لها من ثلاثة طرق ، من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه ، ثم ذكر له متابعا من حديث محارب بن دثار، ومن طريق مسروق بن الأجدع عن بن مسعود رضي الله عنه ، ومن طريق أبي حازم عن أبي هريرة به .
أما حديث :< أبي وأباك في النار> فقد رواه من ثلاثة طرق من طريق حماد بن سلمة ، ثم حوله من طريف عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، ومن طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر ابن سعد عن أبيه . فالبيهقي استقى علمه بطريق الإسناد الذي عليه كلام النبوة الثابت ، وأنت من أين استقيت علمك ؟ فلعلك تقول مما فات البيهقي وابن كثير وغيرهما من علماء السلف من تفسير الآيات التي فسرتها أنت برأيك الكال ،وعقلك القاصر الضال ، ومن كان على شاكلتك مما حملتموها مالا تحتمل .. فالبيهقي بعد أن ساق الروايات في المسألة خلص إلى ما يفهم منها بطريق المنطوق والمفهوم الذي لا يخالف القرآن بل يؤديه ، وكذلك ابن كثير الذي أطبقت الأمة على أن تفسيره أحسن التفاسير بعد تفسير ابن جرير الطبري على أنك نقلت بعض كلامه في مكان وتركت بعضه الآخر في مكان آ خر كما سأذكره ...
ثم يأتي قولك في ابن كثير رحمه الله : ثم يأتي دور ابن كثير في تفسيرهلكي يضع بصمته في الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهلالنار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة
والأطفال والمجانين يمتحنون فيالعرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة منلا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله ابن كثير هو أعجب العجاب بل هوالتعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث مسلم أن آباء النبيفي النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبلبعثة النبي - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل علىأن آباء النبي ليسا كما زعم – مسلم - من أهل النار، فلم يجد -ابن كثير- مخرجا منالأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء في آن على ما آلت إليه جرأة القومعلى القرآن وعلى النبي، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخلبعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبي من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيدالله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا علىهذا البؤس الذي استنتجه ابن كثير.
وهكذا يأتي دور ابن كثير لتذبحه كما فعلت بمن سبقه ، فمن أنت يرحمك الله حتى يبلغ بك الطغيان بالعلم إلى هذه الجرأة والوقاحة فتنال من ابن كثير الذي أطبقت الأمة على علمه وفضله ، وحاز من السبق ما تفوق به على أقرانه ، وقد كتب الله تعالى القبول لكتابه فحاز على مرتبة قل أن تكون لكتاب مثله ، فكان له الشرف أن يعتلي المرتبة الثانية بين التفاسير بعد كتاب ابن جرير فأين أنت والمغامسي والغزالي ، والقرضاوي ، والعودة من ابن كثير ..؟
هذا أولا ، وثانيا: لم تسند كلام ابن كثير أين قال ذلك ولم تحقق فيه وأنا أنقل لك ما تركت من كلامه الذي قاله ابن كثير في تفسيره [ج2/ ص1401]عند قوله تعالى :{{ وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }} وبعد أن ذكر الأحاديث والآثار وأقوال السلف في الآية وسبب نزولها بالأسانيد قال : وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث قصة أن الله أحيا أمه فآمنت به ، ثم عادت ، وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون : أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به ،وقد قال الحافظ بن دحية : هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع ، قال الله تعالى : { ولا الذين يموتون وهم كفار } النساء : 18 ، وقال أبو عبد الله القرطبي إن مقتضى هذا الحديث ... ورد على ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله : أن هذه حياة جديدة ، كما رجعت الشمس بعد غروبها بعد غيبوبتها فصلى علي رضي الله عنه العصر ، قال الطحاوي : وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس . قال القرطبي : فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا ، قال : وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به . قلت : [أي ابن كثير ] وهذا كله متوقف على صحة الحديث، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم .أنظر الإنصاف عند ابن كثير فأين هذا مما نقلته عنه؟
على أن هذه الآية تقرر أن والدته في النار كما جاء في سبب نزولها وبذلك قرر العلماء الذين قالوا ما أنكرته عليهم ، والسؤال الذي يمكن أن يوجه إليك : لماذا يستأذن الرسول ربه في الاستغفار لأمه لو كانت مؤمنة به ، ولماذا منعه من الاستغفار لها على ما صحت به الأحاديث المفسرة للآية المذكورة آنفا ؟
وعند قوله تعالى :{{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }}قال رحمه :هذا إخبار عن عدله تعالى ، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، كما قال تعالى :{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير *قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير }الملك :8-9، وكذا قوله :{ وسيق الذين كفروا إلى جنهم زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه . ثم ذكر الأحاديث التي جاءت في أهل الفترة ممن يحتجون يوم القيامة على الله تعالى ،وهي عشرة أحاديث ،ولم يتعرض لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم .
واعلم يرحمك الله أن حديثك هذا عن أهل الفترة ، فيه مغالطة أو أنك لم تفهم منهم أهل الفترة الذين يختبرون ، وقد ذكرت لك أن العرب في تلك الحقبة من الزمن لا يخرجون عن أربعة أصناف ، وهذا ما سأبينه الآن في تمام بحثي معك - إن شاء الله - فأقول باختصار : اعلم أن الذين يحتجون يوم القيامة أربعة أصناف لا خامس لهم هم كما جاءت بذلك الأحاديث: المعتوه ،والشيخ الهرم ورجل مات قبل أن تبلغه دعوة نبي ، والولدان ،أي الذين ماتوا دون البلوغ ،فأما المعتوه ، والشيخ الهرم والخرف ، والولدان [أولاد المشركين ] فهم يختبرون على ما بينته السنة ،ولا إشكال في ذلك .
ويبقى الكلام معك حول من مات قبل أن تبلغه الدعوة ، لأن الإشكال فيهم قائم ، ولأن الفترة هي المدة الزمنية بين رسول ورسول أو نبي ورسول فترة فيها الوحي ومات من مات ولم تبلغه دعوة نبي جديد ،ولكنه يبقى محجوجا بدعوة النبي الذي قبله ،لأن الرسالة لم تنقطع إقامة للحجة على خلقه ،ولأنه لا يخلو زمان من قائم لله بحجة ،كما قاله علي رضي الله عنه ،ولأن الله تعالى يرسل الرسول ولم تطمس معالم التوحيد نهائيا بل يبقى منها شيء حتى تكون سلسلة الرسالة مترابطة ، والحجة قائمة .
قال تعالى : {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس حجة بعد الرسول } وقال : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } وقال: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وهذه عمومات لا يستثنى منها إلا من يحتجون يوم القيامة ممن ذكروا في الأحاديث وتبقى بعض الاستثناءات ، وهي أن هناك من لم تبلغه دعوة من كان قبله من الأنبياء .أما من كان حيا وبلغته دعوة نبي ولم يؤمن فهذا يدخل في العموم لأن الحجة عليه قائمة .واعلم أن أهل الفترة على ثلاثة أنواع :
1 - مشركون خلص بلغتهم دعوة من كان قبلهم من نبي ،فلم يؤمنوا بها وغيروها وحرفوها أو بدلوها ،بالكفر والشرك ، وهؤلاء إذا ماتوا على ذلك فهم في النار وقد قامت عليهم الحجة بدين النبي الذي كان قبلهم،لأن الله تعالى أخذ على نفسه أن لا يغفر لمن أشرك به، فقال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فلو غفر لمشرك دون غيره ، لغفر لأبي إبراهيم ، وهو خليله ولأكرمه في أبيه كما أكرم محمدا في جده وأبويه على حد دعواكم ،أن الله أحياهم له ، فكيف يكرم محمدا ولا يكرم إبراهيم وهو خليله ، وهو دعوة فهذا يدفع الكثير من المشركين إلى الاحتجاج عليه سبحانه .
2 - موحدون خلص ، وهؤلاء هم من بلغتهم دعوة من كان قبلهم من نبي فاعتصموا بذلك حتى لو لم يقوموا بشريعة فهؤلاء ناجون بما معهم من التوحيد ، لأن من حقق التوحيد دخل الجنة على ما كان من عمل ابتداء أو مآلا، وبذلك جاءت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة .
3- وطائفة ثالثة: لا هم مشركون ، ولا موحدون ، وهم الذين لا سيئات عندهم فيعذبون ، ولا حسنات فينعمون وفي ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن يزيد بن أبان قال قلنا لأنس يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين ؟ فقال :<< قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة ..>> قلت : فهؤلاء يختبرهم الله يوم القيامة مع باقي الأصناف الثلاثة ، وعلى هذا قامت الأدلة ، ولا يردها إلا مكابر معاند ، ولا يظلم ربك أحدا.
أما الاستدلال على نجاة الأبوين بأنهما ماتا في زمن الفترة فهو مبني على أصول الأشاعرة المتصوفة أن من مات ولم تبلغه الدعوى يكون ناجيا، وهذا مانص عليه السيوطي في رسالته التي ألفها في نجاة البوين . أما الماتريدية فيقولون إن من مات قبل مضي مدة يمكنه فيها التأمل ولم يعتقد إيمانا ولا كفرا فلا عقاب عليه ، بخلاف ما إذا اعتقد كفرا ، أو مات بعد المدة غير معتقد شيئا . نعم ، البخاريون من الماتريدية وافقوا الأشاعرة وحملوا قول الإمام الماتريدي " لا عذر لأحد في الجهل بخالقه " على ما بعد البعثة ، واختاره المحقق ابن الهمام في التحرير ، لكن هذا في غير من مات معتقدا الكفر ، فقد صرح النووي والفخر الرازي بأن من مات قبل البعثة مشركا فهو في النار ، وعليه حمل بعض المالكية ما صح من الأحاديث في تعذيب أهل الفترة
بخلاف من لم يشرك منهم ، ولم يوحد بل بقي عمر في غفلة من هذا كله ففيهم الخلاف ، والصحيح أنهم يختبرون أما من اهتدى بعقله كقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نوفل وغيرهم فلا خلاف في نجاتهم. فتح الملهم [ج2/251].
يتبع إن شاء الله ...