أسباب إنهزام الأمة وهوانها على الله ..
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم :
وبعد : فإن الله سبحانه في هذا الخلق سنن لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول إلا بإذنه سبحانه وفق ما قدره وقضاه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
قال تعالى : {{ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }} .
فلله تعالى في أعدائه سنن في العقوبة والانتقام وفي أوليائه سنن للنصر والانهزام .
والذي يهمنا هنا هو سنة الله في عباده المؤمنين في نصرهم وخذلهم قال تعالى :{{ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}} وقد بين الله تعالى أسباب وشروط النصر لأوليائه كما بين أسباب الانهزام كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والذي أحببت زبره في هذا المنشور هو أسباب الهزيمة المؤقتة والدائمة التي تجعل الأمة تذهب ريحها وتخسر عزها ومجدها بين الأمم ..
السبب الأول - والثاني : وهما سببان دائمان هما : معصية الله ورسوله والتنازع في الدين . والاختلاف والتفرق فيه وعليه ..
فمادامت الأمة مستمرة في ذلك لا ترفع بالدين رأسا ولا تقيم له وزنا ولا تجتمع على كلمة الله ، ولا تقاتل إلا بعضها حتى ينفي بعضهم بعضا وتقاتل من أجل القومية العربية والحزبية والطائفية وتقاتل من أجل الأرض دون الدين وتقاتل من أجل الدنيا ليس إلا فهي لن تنصر ولن تنتصر على أعداء الله وأعداء دينه الذين يقاتلوننا عقيدة وديانة .. فأنما وعد الله بالنصر لمن نصره وأخلص وصدق وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فقط .
فقد جاء رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما القِتَالُ في سَبيلِ اللَّهِ؟ فإنَّ أحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً، فَرَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ، قالَ: وما رَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ إلَّا أنَّه كانَ قَائِمًا، فَقالَ: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904) من حديث أبي موسى الأشعري.
فانظروا يا رعاكم الله إلى حصل للمسلمين في غزوة أحد مخالفة واحدة من بعض الصحابة لأمر رسول الله ظنا منهم أن المعركة انتهت وأنهم انتصروا فتركوا أماكنهم التي أمروا أن يبقوا فيها فماذا كانت النتيجة ؟! فكيف بمخالفات كثيرة وعظيمة ومستدامة من الأمة راع ورعية ؟! كيف لا تهزم .
قال تعالى : {{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }} . فالصحابة استفهاموا كيف حصل لهم ذلك مع أنهم مسلمون مؤمنون والله معهم ورسوله بينهم يأتيه الوحي وعدوهم كافر مشرك فقال الله له قل لهم يا رسول الله ذلك بما قدمت أنفسكم من مخالفة أمري وأمر رسولي ، لتكون لكم عبرة ويقظة فلا تتكرر .
وقال تعالى : {{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }}.
وقد تفرقت الأمة إلى أيد سبأ ، شذر مدر .. وخالف ا أمر ربهم الذي نهاهم عن التفرق والاختلاف واتباع سنن من كان قبلهم.
وكم نادى القائمون لله فيها بالحجة فيها وسعوا بإصلاح ذات البين وعدم التفرق والاختلاف ، وكم جهد العلماء الربانيون المصلحون وسعوا في ذلك حتى قوبلوا بالسخرية والاستهزاء منهم وعدم الالتفات إليهم ؛ بل عابوا عليهم وطعنوا فيهم ونبزوهم بشتى الألقاب المنفرة عنهم .. وخرج الرويبضات والمتعالمون يتكلمون في النوازل وفي شأن الأمة بالجهل مستغلين عواطف المسلمين وجهلهم بدينهم وإلى الله المشتكى ..
السبب الثاني : تداعي الأمم وتكالبهم على هذه الأمة لما رأووا من تشتتها وتفرقها وضعفها وهوانها وبعدها عن دينها مصدر عزها وقوتها فتكالبوا عليها من كل حدب وصوب كل يريد أن يحظى بأكبر وأكثر حصة منها ويلتهمها كما يلتهم أولئك الأكلة الجياع الذين يتنافسون على القصعة من الطعام كل يريد أن يظفر بأكبر وأكثر من الآخرين ..
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ..» وفي سنن أبي داود ومسند أحمد :« من كل أفق ..» الصحيحة ٩٥٦.
والسبب الرابع : هو الغثانية التي تعيشها الأمة بسبب بعدها عن دينها مصدر قوتها ومجد عزها وريادتها للأمم ..
فإن الغثاء هو ما يبس من النبات وسقط من ورق الشجر فحمله الماء فألقاه في الجوانب أو نسفته الريح فرمته حيث لا ينتفع به لشدة يبسه وخفته وهو كقوله تعالى : ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أي النبات .
﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح؛ وإنما عُني به هاهنا أنه جعله هشيمًا يابسًا متغيرًا إلى الحُوَّة، وهي السواد من بعد البياض أو الخضْرة، من شدّة اليبس.
وقد عاقب الله قوما بالصيحة عليهم فجعلهم غثاء . قال تعالى : {{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ۚ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }}
وفي الحديث السابق : (( ..فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ..)) أي زبده الذي يجرفه إذا حمل ثم يرميه على الجوانب لا يسمن ولا يغني من جوع ..
أنتم كثير مليار ونصف المليار ولكنها كثرة لا تسمن ولا تغني من جوع ، حفنة من اليهود استرجلوا بحلفائهم ففعلوا فينا الأفاعيل ..
آه لو كان هذا العدد الضخم على قلب رجل واحد وفقهوا معنى قول الله تعالى : {{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }} وقوله : {{ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }}.
وقول نبيهم صلى الله عليه وسلم :«خير الصحابة أربعة، وخير السَّرَايَا أَرْبَعُمِائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يُغْلَبَ اثنا عشر ألفا مِنْ قِلَّةٍ » صحيح رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
أثنى عشر ألف على قلب رجل واحد تحت إمرة خالد بن الوليد أو ابو عبيدة بن الجراح أو سعد بن أبي وقاص أو عمرو بن العاص ، فكيف إذا اتحدت جيوش المسلمين تحت جيش العز والكرامة من نصف مليار فقط كيف يكون حال الدول العظمى {{ أمريكا وربيبتها واليهود وألمانيا وانكلثرا وفرنسا والهند ؟!
ليس عندي أدنى شك أنها ستتصدع قلوبهم وتنفطر من الرعب والخوف ولذلوا ذلة شديدة وهزموا هزيمة نكراء .
ولأرهبوهم من مسيرة شهر ولسقطت ألويتهم الواحدة تلو الأخرى بالتكبير والتهليل ..
السبب الرابع : هو حب الدنيا وكراهية الموت .. التي جعلها الله سببا ينزع به من صدور العدو مهابة الأمة ويقذف في قلوبها الوهن ..
وفي تتمة الحديث السابق : (( ..
، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت .
وقد فسر الوهن بحب الدنيا وكراهية الموت ، فالتعلق بالدنيا وكراهية الموت في سبيل الله هو من أعظم أسباب الهزيمة والركون إليها وكراهية الانتقال منها إلى الدار الآخرة هو سبب هذا الذل والهوان التي تعيشه الأمة وهو سبب الهلاك الحقيقي كما في قوله صلى الله عليه وسلم :((.. فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ )). ص / البخاري .
والسبب الخامس : هو الحالقة التي حلقت الدين عند كثير منا فأصبحوا يغردون خارج عزة الدين وريادة العالم الحقيقية ، بالكاد تسمع أو ترى من يرفع رأسه على استحياء وهو في ذيل الأمم ، ليقول كلمة توسل ورجاء ، أمام أعداء الله ، وقد أعجبوا بحضارة الغرب والشرق وتقدمهم في الدنيا التي يتنافسون عليها .. فتتبعوهم شبرا بشير وذراعا بذراع ، وصفقوا لهم وذهبوا مذاهبهم شبرا بشر وذراع بذراع ..
إن مولاة المؤمنين ونصرتهم والتكاتف معهم والتضامن بينهم ليكونوا كالجسد الواحد الذي يحب أن يكونوا عليه يدا واحدة على غيرهم فهذه قطعها البغض والحقد وحلقها الحسد .
قال صلى الله عليه وسلم : (( دبّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاء، هي الحالقة، لا أقولُ تحلقُ الشعر، ولكن تحلقُ الدين ...)) الترمذي وأحمد وقال الألباني في صحيح الترمذي . ( ٢٥١٠) حسن وكذلك في صحيح الترغيب .
السبب السادس : - التعامل بالربا والركون إلى الضرع والزرع .. يعني الركون إلى الدنيا ليس بالحلال وإنما بالحرام فإن بيع العينة نوع من أنواع الربا وتعاطي الربا يعني إعلان الحرب من الله ..
قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا تبايعتُم بالعِينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتُم بالزرعِ ، وتركتمُ الجهادَ ، سلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعُه حتى ترجعوا إلى دِينِكم)). صحيح أبي داود ( ٣٤٦٢).
السبب السابع : ترك الجهاد في سبيل الله .. لأن فيه عز الأمة وعلوها على غيرها فالجهاد ذروة سنام هذا الدين، وسنام الجمل أعلاه، وذروة كل شيء أعلاه ؛ فهو ذروة الذروة، على هذا المعنى الكبير الجليل نَصَّ الحديثُ الصحيح، وهو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «أَلَا أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِروَةِ سَنَامِهِ»؟ قال معاذ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأسُ الأَمرِ الإِسلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ . احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة .وهو صحيح.
فإذا تركت الجهاد - وقد فعلت - سلط الله عليها ذلا ، لا ينزعه عنهم أحد إلا بتركهم ذلك ورجوعهم إلى دينهم وما كان عليه أسلافهم .
لأن الجِهاد في سَبيلِ اللهِ تعالى هو ذِروةُ سَنامِ الإسلامِ، وفيه عِزُّ أمَّةِ الإسلامِ وبه يقودون الأنام وبه تعود الرفعة والشرف والسناء ويرفع الذل والهوان وتَرجِعُ أمجادُ الماضي ويفرح يومئذ المؤمنون بنصر الله .